Al Jazirah NewsPaper Saturday  07/02/2009 G Issue 13281
السبت 12 صفر 1430   العدد  13281
أسواق المال وتأثيرات التضخم

 

محمد العنقري

تظهر أرقام التضخم بدول العالم تراجعاً عن المستويات العالية التي وصلتها خلال العام المنتهي 2008، ففي المملكة تراجع من مستوى 11.4 إلى 9 بالمئة حالياً وفي أوروبا تقلص إلى ما دون 2بالمئة بعد أن تخطى حاجز 4 بالمئة، وكذلك الحال ببريطانيا وأمريكا والعديد من الدول التي تعلن عنه باستمرار، ونتج ذلك عن تراجع أسعار النفط وأسعار السلع بشكلٍ حاد فاق 65 بالمئة بالمتوسط لأغلبها، ولكن هل سيستمر هذا التحسن بأرقام التضخم إلى أن تعود الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل ثلاث سنوات أم أن المسألة مؤقتة ومقرونة بحالة الاقتصاد العالمي السيئة حالياً وضعف الطلب العالمي على السلع عموماً وتوقف العديد من المشاريع نتيجة تباطؤ حركة الائتمان عالمياً بسبب الخلل الكبير الذي أصاب النظام المالي ومحاولة إصلاحه حالياً قبل أن يعاود نشاطه من جديد كمحرك أساس لبيئة الأعمال.

ولكن يبقى هاجس التضخم مربكاً للمستثمرين بأسواق المال في ظل الأزمة الحالية، فمن المعروف أن حفظ القيمة للنقد في أوقات ارتفاع التضخم يتطلب توجيهها نحو استثمارات تستوعب التغير السلبي بقيمة العملة فبعضهم يتوجه للذهب وآخرون يتوجهون للعقار كأصول حقيقية ولكن ما هو الحال بالنسبة لأسواق المال فلا يمكن أن تضع مالكاً بورقة مالية إذا لم يكن عائدها بنهاية السنة يفوق معدل ارتفاع التضخم مما يعني أنك لو وضعت مئة ريال بورقة مالية وكان عائدها 10 بالمئة وارتفع معدل التضخم بنسبة 6 بالمئة فإن مكسبك الحقيقي هو 4 بالمئة فقط ولو كان استثمارك عبر تمويل تترتب عليه فائدة بمقدار 2 بالمئة فإنها ستضاف لفارق معدل التضخم مما يعني انخفاض مكاسبك إلى 2 بالمئة بتلك الورقة المالية مما يضعف من جاذبية أسواق المال لحساب أدوات أخرى أكثر حفظاً لقيمة العملات ولكن مع التراجع المستمر لأسعار السلع ووضع الاقتصاد العالمي الذي هبط بشكلٍ حاد تراجعت أرقام التضخم بشكل متسارع، ويتوقع أن تهبط بشكل أكبر خلال العام الحالي مما يعني أن الفائدة المرجوة من الاستثمار بأسواق المال بدأت تعود بقوة لتنافس باقي الأدوات الأخرى خصوصاً أن أسعار الأسهم هبطت بشكل كبير جداً، فالسوق السعودي خسر بالعام المنصرم 56 بالمئة مما أعاد مكررات الربحية للعديد من القطاعات والشركات الرئيسة لمستويات دون 10 مضاعفات، وهذا يشكل عامل جذب للاستثمار بصورته الحالية، ومع تراجع معدلات الفائدة إلى مستويات متدنية جداً تصبح عمليات التمويل للاستثمار مجدية خصوصاً للمدى المتوسط والبعيد إلا أن ما يقلق المستثمرين حالياً ويجعلهم يترقبون استقرار الأسواق وعدم الاندفاع للاستثمار بها على الرغم من انخفاضها الحاد هو عدم اليقين بالتوقعات المستقبلية لنتائج الشركات ومدى التأثر السلبي الذي سيلحق بها خصوصاً شركات التصدير ومن يرتبط بالعالم الخارجي بنسب متفاوتة، وفي مثل هذه الحالات فإن الطابع الذي يطغى على تعاملات السوق هو مضاربات محمومة هدفها تحقيق مكاسب رأسمالية سريعة لا تمت لواقع أداء الشركات التشغيلي بأي صلة، وهذا ما نلحظه بتعاملات السوق حالياً، حيث حققت العديد من الشركات المتوسطة والصغيرة وبعضها خاسرة أو لم تبدأ عملياتها التشغيلية بعد ارتفاعات بالأسعار فاق بعضها 200 بالمئة من قيعانها المسجلة بشهر نوفمبر الماضي وهنا تكمن الخطورة، فالأزمات الاقتصادية الكبرى لا تعيد الأسعار لمستوياتها العادلة بل تهبط بها إلى ما دون ذلك بحيث تشكل فرصاً لا تتكرر إلا كل عدة عقود مرة واحدة فما الذي سيحدث لأسعار الشركات الضعيفة التي ترتفع بشكلٍ حاد دون مبرر مستقبلاً، بينما رأينا بعض الشركات التي أعلنت عن توزيعات نقدية تعادل 10 بالمئة أو ما يقارب هذه النسبة من السعر السوقي شهدت تحركاً إيجابياً مما يعني أن معايير التعامل مع السوق المالية تحددت باتجاهين إما مضاربة على شركات ضعيفة عموماً ومحدودة الحجم أو التي أقرت توزيع عوائد مجزية مقابل سعرها السوقي وسنجد مستقبلاً أن الشركات ذات العائد الجيد ستبقى محافظة على أسعارها بحدودها الحالية ما لم تتضخم بشكل كبير يفقدها الميزة الاستثمارية نظير عائدها المميز أما الشركات الضعيفة فستتراجع أسعارها بسرعة كما ارتفعت لأنها غير مدعومة بأي محفز إيجابي يساعدها على التماسك.

قد يكون التضخم آخر اهتمامات صنّاع السياسة النقدية حالياً لأنهم مشغولون بتحفيز الاقتصاد العالمي وعودته للنمو ومع نفاد ذخيرة البنوك المركزية لمجابهة أي تضخم قد يحصل مستقبلاً نظير الإنفاق الحكومي لدعم الاقتصاد وعودة الروح له هل يمكننا الجزم بأن التضخم لن يعود للارتفاع بشكلٍ حاد خصوصاً من العام القادم فكيف سيكون واقع التعامل معه وما الذي سيحدث لأسواق المال هل ستندفع بقوة لتكون أول أبراج التضخم الهلامية التي سيتطلب الأمر ضرورة كبح جماحها من جديد مما يعني عودة لدوامة الانهيارات أم سيتم تدارك الأمر مبكراً والتعامل معه بشكل يبقيها ضمن أسعار استثمارية مقبولة تسمح للاقتصاد بالنهوض دون مصاعب أو تحديات تؤثر في الاقتصاد الكلي والجزئي وتستدعي اتخاذ إجراءات تكبح التضخم ولكنها تطيل أمد الأزمة وآثارها السلبية لفترة زمنية أطول من المتوقع.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد