Al Jazirah NewsPaper Saturday  07/02/2009 G Issue 13281
السبت 12 صفر 1430   العدد  13281
القرارات المصيرية للاقتصاد الوطني... إبقاء أم انفكاك عن الدولار؟

 

د. حسن الشقطي

من أكثر الجوانب المصيرية العالقة في الاقتصاد الوطني أمران في غاية الأهمية، هما: هل بقاء أم انفكاك الريال عن ارتباطه الطويل مع الدولار؟ ثم هل بقاء أم انفكاك الإيرادات الحكومية عن إيرادات المورد الوحيد وهو النفط؟ أو بالأحرى كيف يمكن تحقيق التنويع الاقتصادي الذي يقضي على أحادية الإيراد في الاقتصاد الوطني؟

فالارتباط بالدولار أصبح يتسبب في خسائر ملموسة نتيجة ارتباط العملة المحلية القوية بعملة مترهلة وضعيفة وهي الدولار؛ فالاقتصاد الأمريكي ككل أصبح غير قادر على مساندة نفسه؛ فهو السبب الرئيسي وراء أزمة الاقتصاد العالمي بأزمة رهونه العقارية المفاجئة وهو السبب في انسياق العالم ككل إلى ركود أصبح حتمياً الآن وهو غير قادر على مساندة الأفراد والمواطنين في السوق المحلي الذين أصبحوا يتعرضون لفصل أو إيقاف أو فقدان وظائفهم بسبب ودون سبب؛ فلا نمو ولا موارد، كما في الماضي. إن الاقتصاد الأمريكي لولا استمرار احتفاظه بالتفوق التكنولوجي على المستوى العالمي ربما كان قد انتهى من خريطة الدول الكبرى حالياً، بل حتى هذا التفوق ربما يصف البعض أجزاءه الرئيسية بأنها أصبحت تتركز في المجال العسكري أكثر منها لخدمة المجال الإنتاجي المدني.

وإذا كان هذا هو حال الاقتصاد صاحب العملة (الدولار)؛ فكيف يكون ثقل الدولار في أعين الآخرين؟ الدولار منذ بدء إطلاق اليورو ترنح عرشه تأثراً بمشاركة اليورو له في عرش المبيعات الدولية.. ولعل تقييم الكثير من الصادرات والواردات الدولية حالياً باليورو أضاف ضغوطاً جديدة على الدولار نتيجة حدوث استقلالية للكثير من الاقتصادات عن الدولار تلقائياً. وتعتبر المملكة من هذه الدول التي تقيم غالبية وارداتها باليورو نتيجة استيرادها تلقائياً من مصادر أوروبية إلا أن الصادرات النفطية وهي أساس الإيراد للمملكة لا تزال تقيم بالدولار.

أي أن القضيتين هما في الأصل قضية واحدة.. الارتباط بالدولار والارتباط بالنفط، فبينهما رابط قوي، وربما الارتباط بالنفط هو الدافع الرئيسي للإبقاء على الارتباط بالنفط؛ فارتباط الريال السعودي بالدولار له مساوئ كثيرة ومتعددة، ولا يوجد له منفعة يمكن الاهتمام بها سوى أنه يحافظ على الإيرادات النفطية السعودية لاحقا من أي خسائر بها.

إلا أنه على الجانب الآخر فإن استمرار ارتباط الريال بالدولار يتسبب في خسائر كبيرة للاقتصاد الوطني، وخصوصاً على مستوى الرفاهية الاقتصادية للمواطنين؛ فلو تصورنا أنه قد تم رفع سعر صرف الريال مقابل الدولار لكي يستحوذ الريال على قيمته العادلة أمام الدولار، ماذا يمكن أن يحدث؟ وما المنافع؟ وأيضاً ما المساوئ؟

- بداية رفع سعر صرف الريال أمام الدولار سيعني انخفاض قيمة الواردات السعودية بشكل سيخفض من تكاليف واردات المدخلات المستوردة للشركات، بما يعني انخفاض أسعار المنتجات في السوق المحلي، وأيضاً زيادة مستوى رفاهية الأفراد الذين يحصلون على سلعهم بأسعار أقل، بل سيساعد ذلك على تقليص معدلات التضخم في السوق المحلي؛ أي يتوقع أن تعزز مقدرة الشركات وأيضاً تزداد رفاهية الأفراد. أما الخسارة الرئيسية فتتمثل في انخفاض قيمة الصادرات النفطية، وأيضاً خسارة في قيمة احتياطات المملكة المقيمة بالدولار إلا أنه ينبغي القول إنه يمكن الترتيب لتلافي آثار مساوئ رفع قيمة الريال بشكل كلي إذا تم التخطيط للأمر على مدى فترة زمنية غير قصيرة، يعني إذا كان معداً لصدور مثل هذا القرار من قبل. إلا أن هذا الرفع يمكن ألا يكون له تأثير بالمرة إذا نجح الاقتصاد الوطني في إحداث التنويع الاقتصادي المطلوب وانفك عن المورد الواحد وهو النفط.. وذلك لا يعني إهمال قطاع النفط، ولكن يلزم المسؤولين ببحث كيفية تنويع موارد الاقتصاد الوطني باستغلال فترة الطفرة النفطية؛ فهذه الطفرة لن تدوم وترتبط بحسابات للنضوب والتي تشير في أعلى تقديراتها إلى أن النفط لن تزيد فترته على 100 عام تقريباً.. ماذا بعد النفط؟ كيف سيكون الاقتصاد الوطني؟ إذا كان المبرر لعدم فك ارتباط الريال بالدولار هو الخوف من تحقيق بعض الخسائر في الإيرادات النفطية المقيمة بالدولار، فيكف سيكون الحال إذا اختفت هذه الإيرادات بعد فترة من الزمن؟ نعم قد لا يكون أي منا موجوداً حينها، ولكن ماذا عن الأجيال القادمة؟

إن الناتج المحلي الإجمالي الآن موزع بشكل يقول إن النفط هو المصدر الرئيسي بنسبة 27% يليه قطاع المال والتأمين والعقارات والأعمال بنسبة 12.6% يليه القطاع الصناعي بنسبة 12.1% ثم تجارة الجملة والتجزئة بنسبة 8.2% (بحسب إحصاءات 2007)؛ أي أن توزيع الناتج هو: نفط بنسبة 27%، ثم القطاع المالي ثم القطاع الصناعي بنسب متساوية عند 12%.. وهنا ينبغي أن يختار الاقتصاد الوطني ما بين هذين القطاعين الأخيرين ليضع خطة استراتيجية ومصيرية للتنويع ولتحديد هويته في المستقبل، هل يكون مركزاً مالياً أم مركزاً صناعياً؟

محلل اقتصادي


Hassan14369@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد