Al Jazirah NewsPaper Saturday  07/02/2009 G Issue 13281
السبت 12 صفر 1430   العدد  13281
محيياً نخبة المثقفين السعوديين.. د. القشاط:
طارق الإفريقي (ليبي المولد).. ورأي السماري هو الأقرب

 

الأخ الأستاذ خالد المالك المحترم..

رئيس تحرير صحيفة الجزيرة الغراء..

السلام عليكم..

اطلعت في جريدتكم الموقرة على المقالات التي تفضل بها الأساتذة الأجلاء الدكتور العتيبي والأستاذ عبدالقادر القويعي والأستاذ محمد بن عبدالله الحمدان والدكتور فهد السماري وذلك عن المجاهد طارق الإفريقي. وأنا هنا إذ أحيي هذه النخبة الطيبة من المثقفين العرب في هذا القطر الحبيب إلى قلب كل مسلم أردت أن أوضح بعض الأشياء عن هذه الشخصية المهمة.

فالعظماء دائماً في مختلف الفنون تسعى الأمم لضمهم إلى صفوفها وتفتخر بهم، فنحن نجد ابن منظور على سبيل المثال ينسبه الليبيون إليهم لأن جده كان قاضياً بطرابلس وقد ولد العالم ابن منظور بها.. والتونسيون ينسبونه إليهم فيسمونه ابن منظور القفصي نسبة إلى مدينة قفصة التونسية، والمصريون ينسبونه إليهم ويسمونه ابن منظور المصري.. والمهم أنه عربي يمثل الجميع وينتسب للجميع ويحق أن يفتخر به الجميع.

وابن خلدود عالم التاريخ والاجتماع الشهير بالرغم من أن أسرته قدمت من حضرموت اليمن إلى الأندلس إلى الشمال الإفريقي إلا أن التونسيين ينسبونه إليهم إذ بها نشأ وترعرع.. والجزائريون ينسبونه إليهم لأن مقدمته الشهيرة كتبها بإحدى مدن الجزائر.. والمغاربة ينسبونه إليهم لأن كتابه الشهير في التاريخ قدمه للسلطان المغربي المريني.. إلى غير ذلك من مشاهير الأدب والتاريخ والعلوم والسياسة من ابن سينا إلى الفارابي إلى الفراهيدي وغيرهم.

وطارق الإفريقي مثل هؤلاء.. أو أشبه بهم كل يحاول نسبه إليه وذلك لنبوغه العسكري وشجاعته الفائقة وتضحيته المستمرة من أجل الإسلام وحروبه التي ساهم فيها من البلقان إلى روسيا إلى ليبيا إلى الحبشة إلى فلسطين.

وكتبت في جريدتكم الغراء موضوعاً يوضح أنه ليبي الجنسية والإقامة والمولد. ونشر الأستاذ الحمدان صورة لكتاب ألفه طارق يقول فيه إنه (نيجيري) واعتبر ذلك دليلاً قاطعاً. وقال الأستاذ السماري إن والده النيجيري أرسله لصديق له في طرابليس ليتعلم مع أبنائه.

وأنا هنا أوضح للإخوة الأفاضل أن طارق الإفريقي من أصل إفريقي وذلك واضح في بشرته. وقد جاء جده أو أحضر إلى طرابلس أيام التجارة باليد العاملة. وولد والده عبدالقادر بطرابلس كما ولد طارق -واسمه محمد- والأتراك لقبوه بطارق على طريقتهم في جعل اسمين للشخص الواحد.

وكان الأتراك يطلبون من العائلات أولادهم للجندية، وكان الأثرياء يقدمون عمالهم لأداء الخدمة العسكرية بدل أولادهم. وكان محمد طارق من بين هؤلاء. تعلم في بداياته في طرابلس الغرب، ثم اسطنبول، والتحق بالكلية العسكرية، مثل آلاف الليبيين الذين دافعوا عن تركيا في البلقان وفي روسيا وغيرها من الحروب التركية.

وعندما غزت إيطاليا ليبيا قدم طارق الإفريقي إلى طرابلس وقاتل الإيطاليين ولم يكن مع أنور باشا ونوري باشا اللذين قدما إلى ليبيا في بداية عام 1916 أما طارق فقد جاء إليها منذ بداية الحرب 1911. وله صورة منشورة مع المجاهد سليمان باشا الباروني نشرت في كتاب (صفات خالدة من الجهاد الليبي) جمعته وأعدته للنشر الأستاذة زعيمة سليمان الباروني وذلك في منطقة زواره في غرب ليبيا.

وأوضحت في مقالي السابق أنه بعد الحرب العالمية الأولى تسلل عبر الحدود التونسية فقبضت عليه فرنسا وأودعته السجن لمدة ثلاث سنوات ثم سلمته إلى تركيا، حيث تطوع لقيادة أحد الجيوش الحبشية ضد إيطاليا في أواخر ثلاثينيات القرن الماضي 1936. وقد ذكر ذلك في مقابلة له مع صحيفة الأيام السودانية عام 1945م. وبعد انفجار الأحداث في فلسطين تطوع لقيادة المجاهدين وخاض عدة معارك وصفها في أحد كتبه عن فلسطين.

ثم رجع إلى الشام (دمشق) حيث تزوج هناك من سيدة دمشقية وأنجب منها ابنتين وأسس مع مجموعة من المهاجرين الليبيين (لجنة الدفاع الطرابلسي البرقاوي) برئاسة المجاهد بشير السعداوي, كما قام مع مجموعة من العرب الليبيين والسوريين والفلسطينيين والمصريين بتأسيس (المكتب العربي). ولما جاء المجاهد بشير السعداوي إلى السعودية وأصبح مستشاراً للمرحوم الملك عبدالعزيز أشار عليه بإحضار طارق الإفريقي لتأسيس الجيش وإدارته وهكذا حدث.

أما أن طارق ينسب نفسه إلى (نيجيريا) فهو في هذه مثل (كنتي كيتا) الأمريكي، في المسلسل التلفزيوني (الجذور) ولغة الهوسا التي يتقنها لا شك أنها لغة والده ووالدته وجده. وأن مئات الأسر الليبية في مدن غذامس، وغات، ومرزق، المدن التي في طريق القوافل تتكلم الهوسا حتى هذه اللحظة، وكذلك العائلات التي كانت تتاجر مع إفريقيا في طرابلس وبنغازي.

و(لجنة الدفاع الطرابلسي البرقاوي) تأسس من الليبيين فقط، ولو لم يكن طارق ليبياً لما انتسب إليها ولما ضمه بشير السعداوي، وعمر شنيب وغيرهما إليها. ونحن نجد هنا في المملكة أشخاصاً وعائلات من أصول إفريقية مثل الفلاتي نسبة لقبيلة الفلات المشهورة في غرب ووسط إفريقيا، والبرناوي نسبة إلى بلاد برنو في شمال نيجيريا أو كما يسميها المؤرخون العرب برنوح، والهوساوي نسبة إلى قبيلة الهوسا ومع ذلك يفتخرون بانتسابهم للسعودية لأنهم ولدوا بها وعاشوا بها فلا يعرفون غيرها. وطارق الإفريقي نظراً لبروزه العسكري أراد أن يضع لونه في مكانه الصحيح بدلاً من انتسابه لمربيه، ولنا مثل قريب جداً من مثل طارق، فالشاعر (محمد الفيتوري) هو ليبي من مدينة (زليطن) على الساحل الليبي ومن قبيلة الفواتير هاجر والده مفتاح عام 1924 من ليبيا هروباً من الغزو الإيطالي رفقة مئات العائلات الليبية من منطقته، وسكنوا مصر في الفيوم والعامرية والمتراس وواحات الخارجة وواحات الداخلة، وسيوة وولد محمد في مصر، وتعلم بها، ولما وصل إلى الثانوية العامة كان هنالك الطلاب السودانيون يتلقون منحة من مصر، فانتسب إليهم، وبقي معهم حتى إتمام دراسته الجامعية، وصار معروفاً بأنه سوداني (الجنسية).

والشاعر محمد الفيتوري ليبي، ويحمل الجنسية الليبية ويحمل جواز سفر ليبي وموظف لدى الدولة الليبية ومع ذلك يتحدثون عنه بأنه شاعر سوداني وهو أيضاً يقول ذلك.

والمجاهد بشير بك السعداوي من قيادات الجهاد الليبي، ساهم في قيادة المجاهدين الليبيين من سنة 1911 - 1924 حيث هاجر إلى مصر ومنها إلى تركيا إلى بلاد الشام إلى السعودية حيث اشتغل مستشاراً للمرحوم الملك عبدالعزيز.لبشير ابن اسمه عبدالحميد عاش في السعودية واكتسب جنسيتها وصار موظفاً لدى الدولة السعودية، فإن قلنا إنه ليبي فهو صحيح، وإن قلنا إن جنسيته سعودي فهو صحيح أيضاً.وعليه فإن ما أورده الأستاذ الحمدان من أنه دليل قاطع، لا أراه قاطعاً، وإنما هو انتساب طارق إلى أرض أجداده الذين قدموا منها إلى طرابلس. وإن ما ذكره الدكتور فهد السماري من أن طارق (نيجيري الأصل ليبي التبعية) هو أقرب لواقع الرجل. ونحن هنا ندعو له بالرحمة والمغفرة وللأساتذة الكرام بالشكر والتقدير.

د. محمد سعيد القشاط
أمين مكتب الأخوة الليبي (السفير) – الرياض



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد