Al Jazirah NewsPaper Tuesday  10/02/2009 G Issue 13284
الثلاثاء 15 صفر 1430   العدد  13284
بنك المبادرات الاجتماعية
فضل بن سعد البوعينين

 

أعادني الدكتور يوسف العثيمين، وزير الشؤون الإجتماعية، بوعده إطلاق (بنك) المبادرات الإجتماعية، إلى فحوى مقالة تحدثت فيها عن مسؤولية أمراء المناطق، والمحافظين، والجمعيات الخيرية تجاه حصر حاجات الفقراء لتسهيل عملية الوصول إليهم، وإعداد برامج تنمية المجتمع وتقديمها للمهتمين بتنفيذها وفق الأولوية. أذكر أنني تحدثت عن وجوب خلق قائمة بيانات متقدمة، تحدث بانتظام، من أجل تنفيذ المشروعات الإجتماعية الملحة، و تسهيل عملية توجيه الأموال لمستحقيها.

المسؤولية الاجتماعية تحتاج إلى حصر حاجات المجتمع التنموية الشاملة، وذات العلاقة بمكافحة الفقر على وجه الخصوص، وترجمتها إلى برامج تنموية متكاملة، وإلزام القطاع الخاص بالمساهمة في تمويل بعضها من أرباحه السنوية.

كان من الممكن للجهات الرسمية حصر حاجات القرى والأحياء الفقيرة بكل يسر وسهولة، ووضع برامج تنموية شاملة لها، خاصة مشروعات الإسكان، وتوفير الغذاء والمراكز التعليمية و الصحية، والبدء بتنفيذ بعضها في المناطق الأكثر حاجة وفق خطط محددة.

على سبيل المثال، ما زالت إحدى القرى الفقيرة التي نقل عن بؤسها الإعلام الكثير منذ العام 2006، على وضعها المحزن حتى اليوم!.

في إحصائية تقريبية يُعتقد أن أهل تلك القرية لا يتجاوز عددهم 5000 نسمة، وبحسبة بسيطة يمكن بناء قرية نموذجية تستوعب أولئك الفقراء، و تتكون من 700 وحدة سكنية بتكلفة إجمالية لا تتجاوز 180 مليون ريال.

يمكن لأموال «المسؤولية الاجتماعية» أن تبني أكثر من خمس قرى نموذجية كل عام بكل يسر وسهولة شريطة تحصيل 1 في المائة من أرباح الشركات المساهمة الرئيسة المدرجة في السوق السعودية.

أرباح قطاع البنوك، وأكبر شركتين في قطاع البتروكيماويات، وقطاع الاتصالات حققت العام 2008 أرباحا صافية قاربت 90 مليار ريال سعودي.

لو أن هذه الشركات ساهمت في دفع 1 في المائة من أرباحها لخدمة المجتمع لتوفر لدينا ما يقرب من 900 مليون ريال، وهو مبلغ ضخم يمكن، في حال تحصيله سنويا، أن يقضي على مشكلة إيواء الفقراء، وإطعامهم، وتنمية قراهم، وأحيائهم خلال خمسة أعوام، بإذن الله.

هناك أسباب مختلفة تدفع بالمنشآت الخاصة نحو تفعيل دورها الاجتماعي، وهذه الأسباب تحتاج من المجتمع التعامل معها بذكاء للوصول إلى تلبية الحاجات المشتركة، تفعيل مشروعات خدمة المجتمع، وإشباع حاجات المنشآت الخاصة الإعلامية.

هناك منشآت أخرى لا تؤمن أصلا بفلسفة المسؤولية الإجتماعية، يساعدها على ذلك تدني مستوى ثقافة المجتمع، وضعف الأنظمة والقوانين الإجتماعية، وهذه تحتاج إلى أنظمة تلزمها بالمساهمة الاجتماعية.

بعض المؤسسات الخاصة تجد في دفع «الزكاة» أداء تاما لمسؤوليتها الاجتماعية، وهو أمر لا يمكن القبول به، على أساس أن الزكاة ركن من أركان الإسلام فرضها الله على عباده المسلمين؛ وهي (الزكاة) لا تميز بين الأموال الجامدة (المدخرة) والأموال المتحركة (عروض التجارة) في وجوبها إذا ما بلغت النصاب، وبذلك يتساوى المتاجر المنتج، مع اليتيم القاصر الذي تجب في ماله الزكاة.

مسؤولية القطاع الخاص الاجتماعية لا تقف عند التبرع بالمال فحسب، بل تتعداه إلى الشراكة الشاملة بين البيئة الحاضنة ومكوناتها، وشركات الإنتاج في كل ماله علاقة بالتنمية الإجتماعية، وخلق وظائف محددة لقاطني البيئة المحيطة بالشركة أو المصنع، وأن تكون لهم أولوية التوظيف خاصة لدى الشركات والمصانع التي تؤثر عملياتها الإنتاجية، واحتياجاتها اللوجستية على البيئة الحاضنة.

وأضرب مثلا بشركات ومصانع مدينة الجبيل الصناعية وتجاهلها لمسؤوليتها الاجتماعية تجاه طالبي الوظائف من سكان مدينة الجبيل المتضررين بيئيا من مجاورتهم مصانع البتروكيماويات، واقتصاديا بسبب تغذية الشركات والمصانع موجة الغلاء المستعرة خاصة في القطاع العقاري، واجتماعيا وأمنيا بسبب إغراقها المدينة بالعمالة الوافدة، وتسببها في تغيير التركيبة الاجتماعية وظهور مشكلات أمنية لا حصر لها.

ومع كل ذلك لا يستطيع سكان الجبيل توظيف أبنائهم، أو الحصول على أراض سكنية في الجبيل الصناعية لتغيير أماكن سكناهم المتضررة من سلبيات عمالة الشركات الوافدة، ومشكلاتهم الإجتماعية، والضغط على الخدمات، والمحافظة على أسرهم وأطفالهم من الأخطار الاجتماعية.

ماذا لو خُصصت أحياء سكنية في مدينة الجبيل الصناعية لأهالي مدينة الجبيل المتضررين من سلبيات المنطقة الصناعية منذ إنشائها وحتى اليوم؟.

يمكن تنفيذ ذلك بكل يسر وسهولة خاصة مع توفر الفوائض المالية.

يمكن إكتشاف عقوق القطاع الخاص ببيئته الحاضنة، وتنكره لمسؤولياته الاجتماعية بكل يسر وسهولة في مدينة الجبيل التي يفترض أن تكون من أفضل المدن تطورا ونموا وتنظيما، وتوفيرا للخدمات، وحظوة فيما يتعلق بتوظيف أبنائها في شركات، ومصانع الجبيل الصناعية.

من أعظم العقوق أن تنعم الجبيل الصناعية بأفضل ما وصلت إليه المَدَنِية والتقنية والخدمات، في الوقت الذي تقبع فيه شقيقتها مدينة الجبيل بوضعها الخدمي والإجتماعي المنكمش مقارنة بالجبيل الصناعية.

فجوة تنموية كبيرة لا يمكن القبول بها يتحملها المُخطط، المُشرع، والمنظم، إضافة إلى القطاع الصناعي والمدني في مدينة الجبيل الصناعية.

هذه الفجوة يمكن ردمها بقرارات رسمية تدمج من خلالها المدينتان تنمويا في مدينة واحدة تشرف عليها الهيئة الملكية للجبيل وينبع التي أثبتت نجاحا باهرا في الإدارتين المدنية والصناعية.

إضافة إلى إلزام الشركات الصناعية بتفعيل دورها الاجتماعي التنموي في المدينة.

عوداً على بدء، فقد كشف الدكتور يوسف العثيمين عن أن وزارة الشؤون الاجتماعية ستعهد إلى بيوت خبرة بمسألة تحديد أولويات المجتمع السعودي لتبني مبادرات اجتماعية لخفض نسبة البطالة والتعليم والتدريب، ووعده بإطلاق بنك للمبادرات الاجتماعية لتقديم مشروع مجتمعي متكامل، يمثل اساس العمل الإجتماعي المنظم الذي يفضي إلى تنمية المجتمع ومعالجة أخطاء الماضي.

***



f.lbuainain@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد