Al Jazirah NewsPaper Thursday  12/02/2009 G Issue 13286
الخميس 17 صفر 1430   العدد  13286
إضاءات نفسية
الوقاية من الأمراض النفسية
د. محمد بن عبد العزيز اليوسف

 

زاوية تهتم بكل ما يتعلق بالطب النفسي والتنمية البشرية وتطوير الذات.. نستقبل كل أسئلتكم واقتراحاتكم..

* الأخ العزيز الدكتور محمد

أشكرك على تواصلك مع القراء من خلال جريدة الجزيرة الرائدة، وعندي لك سؤالان عامان لا يتعلقان بمشكلة شخصية لي.

أولاً: ما هي أسباب الإصابة بالأمراض النفسية، وهل المرضى النفسيون يجب أن تظهر عليهم الأعراض منذ وقت مبكر في حياتهم أم يمكن أن تظهر فجأة؟

ثانياً: هل هناك طرق معينة للوقاية من الإصابة بالأمراض النفسية؟

شاكراً ومقدراً لك استجابتك السابقة وطرحك المتميز للقضايا النفسية والاجتماعية المهمة.

* أخي العزيز شكراً لتواصلك مع الزاوية وللتساؤلات المهمة التي بعثت بها.

دعنا نتفق أولاً أنه لا يوجد شخص أو إنسان على وجه الأرض ذكراً كان أو أنثى لديه حصانة كاملة من الإصابة بالمرض النفسي لأننا كلنا كبشر معرضون لذلك.

أذكر هذا لأن هناك من يظن أن المرضى النفسيين هم فئة استثنائية وربما قادمة من كوكب آخر غير الذي نعيش فيه، وهذا بالتأكيد غير صحيح لأن غالبية المرضى النفسيين كانوا قبل ذلك بصحة جيدة ولم يظهر عليهم أي علامات تدل على بوادر ظهور مرض نفسي أو عقلي بل إن بعضهم قد يكون شديد التميز والنبوغ في أحد المجالات ويشاء الله سبحانه وتعالى أن تصيبه وعكة من الناحية النفسية مثلما يحدث ذلك من الناحية العضوية أيضاً.

المرض العقلي يتشابه والمرض العضوي في تعدد المسببات وكونها تنتمي إلى عدة عوامل منها العوامل الوراثية (الجينات) والتي تجعل الشخص أكثر عرضة من غيره للإصابة بأنواع معينة من الأمراض العقلية كالفصام والاكتئاب الحاد والاضطراب الوجداني ثنائي القطب وغيرها. ثم بعد ذلك تأتي العوامل البيئية الاجتماعية وتحديداً الضغوط النفسية التي تساهم في ظهور الأعراض للمرة الأولى وكذلك تزيد احتمالية الانتكاسة عند المصابين بأمراض نفسية مزمنة.

كذلك تلعب طبيعة الشخصية ومكوناتها دوراً في تفاعل الشخص مع ضغوط الحياة، فكلما كانت الشخصية أكثر نضجاً ومرونة وواقعية كلما كان استعداد الإنسان للتأقلم والتكيف مع متغيرات وضغوط الحياة أكبر.

هذا يقودنا إلى الإجابة على السؤال الثاني والمتعلق بأساليب الوقاية، فإذا كنا كبشر لا نملك تغيير طبيعتنا الوراثية إلا أننا نستطيع في المقابل تطوير أساليب استجابتنا للضغوط وزيادة وسائل التكيف مع متغيرات الحياة، وهذا الأمر يعني أن يسعى كل فرد لتطوير نفسه وتنويع أساليبه في التكيف مع المتغيرات بحيث تجده عندما يقع في مشكلة معينة تكون لديه حصيلة وافرة من الحلول الممكنة بدلاً من تسرب الشعور بالعجز وضعف الحيلة الذي يقود عادة إلى القلق الشديد والتشاؤم والسلبية وبالتالي الوقوع فريسة سهلة للأعراض النفسية التي قد تشتد لتصل إلى مرحلة المرض النفسي.

لذلك يطلق على أحد فروع علم النفس الحديثة مسمى علم النفس الإيجابي Positive Psychology وهو يدور بشكل أساسي حول تطوير وتنمية الذات، ورفع مستوى النضج النفسي وتزويد الإنسان بالمزيد من الصفات الشخصية الإيجابية التي تساهم بإذن الله ليس فقط في وقايته من الوقوع في المرض النفسي، بل -وهذا هو الأهم- رفع معدل إنتاجيته وقدرته على الارتقاء بنفسه وبمجتمعه بشكل أكبر.

التحول من السلبية إلى الإيجابية والمبادرة، ومن التنظير وإلقاء اللوم على الآخرين إلى تحمل المسؤولية الشخصية والقدرة على مواجهة الذات، ومن الإسقاط إلى شجاعة الاعتراف بالخطأ والبحث عن حلول متنوعة وناجحة، ومن ضيق الأفق والتفكير الحدي بطريقة أما أبيض أو أسود أما معي أو ضدي إلى سعة الأفق والتفكير بمرونة أكبر، ومن التمركز حول الذات والأنانية المفرطة إلى التعاطف مع الآخرين وتفهم احتياجاتهم، ومن التشاؤم إلى التفاؤل، ومن العزلة والانطواء إلى التواصل والتعاون المثمر مع الآخرين، ومن ضعف الإيمان إلى قوة الإيمان وحسن الظن بالله.

كل هذه مراحل مهمة ومستويات متدرجة من النضج العقلي النفسي كلما تحققت بشكل أكبر كلما كان الإنسان أكثر استقراراً نفسياً وأقل عرضة للإصابة بالمرض العقلي بإذن الله تعالى.

إضاءة

كن أكثر تعاطفاً وتفهماً للآخرين تصبح أكثر سعادة واستمتاعاً بحياتك.

دكتوراه في الطب النفسي كلية الطب ومستشفى الملك خالد الجامعي - الرياض


e-mail : mohd829@yahoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد