Al Jazirah NewsPaper Thursday  12/02/2009 G Issue 13286
الخميس 17 صفر 1430   العدد  13286
مبنى ومعنى
النص الذي لا تاريخ له..؟! 2-2

 

كلما تضمن النص الفكرة الفريدة الجديدة، اللغة الجميلة، المعنى العميق، والصورة الشعرية المبتكرة، الخيال الخصب، الأسلوب السلس في بناء فني متكامل لا ينفرد أحد هذه العناصر عن العناصر الأخرى وترابطت عناصر النص، كان تأثيره أكبر وأوقع في النفس، والعكس صحيح كلما ضعفت هذه العناصر كان سببا مباشرا في تردي النص وضعفه. ومعرض لضياعه وانصراف الناس عن شعره. فمتى يكون الشاعر متميزا ويكون شعره محفوظا في الذاكرة؟ فلو تتبعنا مسيرة الشعر الشعبي للاحظنا أن في كل جيل يبرز عشرة شعراء تقريبا فهؤلاء الذين برزوا كان نتاجهم الشعري أرقى وأجود من غيرهم، فلابد أن هناك أسلوبا ونهجا أتبعوه كي يعبر بهم إلى أنحاء الجزيرة العربية ويجعلنا نتداوله ونحفظه!!.. فكيف إذا وصل إلينا شعر عبدالله بن السبيل مثلا وهو يعيش في قرية صغيرة في عالية نجد قبل سبعين سنة تقريباً.

وغيره من الشعراء التي تجبرنا قصائدهم الوقوف لها احتراما وتقدير في كل العصور وعلى مر الأيام.. فللثقافة وسعة الاطلاع دور مهم في تخطي الدائرة التي يعيشها الشاعر في عصره وتساعده للوصول للشهرة والتفوق على أقرانه الآخرين. فهي ذلك المخزون الهائل الذي يحسب في ذات الشاعر في توظيف المفردة والخبرة بمدلولات الألفاظ شكلا ومضموناً. فالثقافة لها دور كبير في التأثير على دقة الحدس ولاستنباط والذي بدوره سيفتح مجالا أرحب للخيال واقتباس المعنى وتوظيفه في بيت شعري جميل لم يتطرق إليه أحد فأضاف لشاعريته فصاحة وفعالية أكثر عمقا، حيث إنه يسعى للكشف والتجديد ويبتكر صورا وأفكارا جديدة، ويصحب هناك تماسك بين التفكير الفني والتفكير الفلسفي عنده، فالشاعر المتفرد دوما تستطيع أن تعرف مدى نموه الثقافي من معطيات نصه، لأنه يكتب على إيقاع ذاكرة ثقافية بوعي شعري يميزه عن غيره.

والشاعر المبدع يجب أن يتميز بخصائص عقلية معرفية (ثقافية) وخصائص شخصية انفعالية تميزه عن غيره.. فالسطحية تتبخر مع مرور الزمن، والرمزية المبهمة التي لا تترك منفذا يصل القارئ إلى الهدف المنشود منه تميت النص. مبتعدا عن إحداث فجوة بين قطبي القصيدة الشاعر، كما أن ذائقة المتلقي لا تبحث عن الشيء العادي المكرر المسبوق.. فطبع الإنسان يحب التجديد المرتكز على أسس ومبادئ صلبة. بصور وأخيلة جديدة وبفكرة لم يسبقه إليها أحد من الشعراء وبأسلوب جمالي بديع وبتوظيف المفردة في سياق شعري أخاذ.. فالشاعر المتميز لديه ناقد بداخله استطاع أن يعبر بشاعريته مستوى القصائد الأخرى أو على الأقل نفس مستوى القصيدة السابقة من حيث القوة والتميز ومن حيث التشويق والامتاع والإبداع عنده. فهذه الخصائص تكفل لشعره التفوق والنجاح. فالشاعر الذي يريد أن يبقى شعره عصور وأزمنة طويلة يمنح قصيدته بعدا جديد بحيث يسقط اللفظ عن المنى بفكرة جديدة واعية متزنة.. والشاعر الذي تموت قصيدته قبل موته هو الذي يتمحور حول نفسه ومن سبقوه في هذا المجال.. فلا يريد أن يحسس نفسه بأنه قادر على ابتكار الجديد وتكوين أسلوب خاص به. ولم يمنح نصوصه بعدا فلسفيا وحسا داخلي ولم يطلع على نتاج غيره ليستفيد منهم برسم خط يميزه وينفرد به عنهم. أي أن هناك جمودا ملازما لنصوصه من حيث الأسلوب والنهج الذي ينتهجه في بنائه للقصيدة، كذلك أغلب الشعراء يكون لديهم حساسية مفرطة من النقد . إن النقد هو أسلوب للإطاحة بالقصيدة وتعريتها أمام العامة واستنقاصاً لذاته، ناسياً ومتجاهلاً أن النقد هو السبيل للرقي والتقدم، فالشاعر الذي يريد أن يتقدم ويتميز في تجربته لابد أن يطور نفسه ويُخضع تجربته إلى أدوات النقد البناء ليتبين من خلالها بواطن الخلل في طريقته وأسلوبه، ومتى أفاق هؤلاء من موقفهم اتجاه النقد أثق أنه سيكون هناك تقدم ملحوظ بطرحهم الشعري. كما لا يفوتني أن أشيد بظاهرة صحية ألاحظها ألا وهي إخضاع بعض الشعراء قصائدهم وبكل ثقة للنقد، وذلك ينم عن وعي تام وأنهم يريدون أن يختصروا الزمن ليرتقوا نحو الأفضل في نتاجهم الشعري.. وتخطي ما وقع به الغير من عيوب.

إبراهيم الشتوي


mim-150@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد