Al Jazirah NewsPaper Friday  20/02/2009 G Issue 13294
الجمعة 25 صفر 1430   العدد  13294
استشارة...

 

* ماذا أفعل إذا أمرني والدي بمعصية كأن يأمرني أن أناوله العصا وفي ظني أنه سيضرب بها الخادم أو العامل أو أن يأمرني بمعصية أخرى؟!

الجواب:

الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:

فإن الله سبحانه وتعالى قرن شكر الوالدين بشكره، فقال تعالى: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ) وقرن طاعتهما والإحسان إليهما بعبادته وتوحيده، فقال: (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) وقال: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) فبر الوالدين وطاعتهما والإحسان إليهما من أوجب الواجبات، وأعظم القربات، وعقوقهما والإساءة إليهما من أكبر الكبائر، حيث جاء في المرتبة الثانية بعد الشرك بالله، فالإحسان إلى الوالدين واجب مطلوب في كل الأحوال، وأما الطاعة فإنها مقرونة بطاعة الله حيث لا طاعة لمخلوق، وإن كان أحد الوالدين في معصية الخالق؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)، وقال صلى الله عليه وسلم: (إنما الطاعة في المعروف)، وقال تعالى في حق الوالدين: (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا)، ثم قال: (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ).

ويبقى النظر في الطريقة التي يتعامل بها الولد مع والديه أو أحدهما إذا أمره بما فيه مخالفة شرعية حيث يجب عليه التزام الأدب والإحسان إليه، وسلوك طريقة الدعوة إلى الطاعة المقابلة للمعصية التي أمره بها، ولنا في نبي الله إبراهيم -عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام- أسوة حسنة، وهو يدعو والده حيث قال: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا).

فانظر إلى أسلوب الحوار المؤدب من الولد على الرغم من تعنيف والده له وهو يقول له (يا أبت)، ويقول: (يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا)، ويقول: (قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا).

إذا علمت ذلك -وفقك الله- فإن طلب والدك منك أن تناوله العصا وفي ظنك أنه سيضرب الخادم أو العامل فهذا يتوقف على ملابسات القضية وواقع الحال، فإن كان والدك في حال غضب وبين يديه العامل فهنا يقوى ظنك أنه سيضربه بهذه العصا، وهنا يأتي دورك في التعامل الحسن مع هذه الحالة، وذلك بصرف الوالد عن ذلك بالحسنى دون إظهار عصيانك له وعدم تنفيذ طلبه.. بارك الله في السائل، وجعله قرة عين والديه.. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

د. عبد الله بن حمد



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد