Al Jazirah NewsPaper Friday  20/02/2009 G Issue 13294
الجمعة 25 صفر 1430   العدد  13294
الأوامر الملكية: حكمة القرار.. وتميز الاختيار.. وطموح نحو آفاق التقدم والازدهار
د. سليمان بن عبدالله أبا الخيل

 

الحمد لله على نعمه العظيمة، وآلائه الجسيمة، والصلاة والسلام على مَنْ بعثه الله للعالمين رحمة، وعلى الخلائق حجة، وعلى آله وصحبه ومَنْ اقتفى نهجه، وبعد:

فإن كل مَنْ يعيش على هذه الأرض المباركة، والثرى الطاهر، والبقعة المقدسة ويشرف بالانتماء إلى مملكة الحب والإنسانية، ومهوى الأفئدة، ليدرك عظيم ما أفاء الله به علينا من نِعم عظيمة، أعظمها وأتمها نعمة التوحيد الخالص، وإخلاص العبادة لله جل وعلا، والأخذ بما هو سبيل النجاة مما سار عليه سلف الأمة، ثم نعمة الولاية الراشدة، والقيادة الحكيمة، التي جعل الله قدرها ورسالتها أن تتحمل مسؤولية أشرف بقعة، وأغلى وطن، (والله أعلم حيث يجعل رسالته)، كان هذا الاصطفاء والاختيار لهذه الدولة المباركة التي قامت على نصرة التوحيد، وإقامة شرع الله، والأخذ بالمصدرين الأساسين والمنبعين الصافيين (كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم)، وذلك منذ تأسيسها على يد الإمامين الجليلين الإمام محمد بن سعود، والإمام محمد بن عبدالوهاب، ويأتي عهد الملك المؤسس الباني الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود طيب الله ثراه، وجعل الجنة مثواه، ليقيم هذه الدولة المباركة على أساس متين وأصول راسخة، وصورة مثالية جمعت بين الأصالة والمعاصرة، بين الثبات على الأسس والمبادئ والأخذ بكل تطور مفيد نافع، يرقى بالبلاد، ويجعلها في مصاف الدولة المتقدمة، واستمر على هذا النهج السديد، والصراط السوي، والتوازن المحكم، أبناؤه البررة، ورجال الوطن الأوفياء، الذين جعلوا رضا الله غايتهم، وخدمة الدين والوطن هدفاً لهم، واستبطنوا اللحمة التي هي من أجلّ النِّعم، وأعظم الميزات بينهم وبين الرعية والشعب لتكون منطلقاً لكل عمل صالح يصب في خدمة الدين والوطن، فأثمرت جهودهم مكتسبات عظيمة، ومنجزات للوطن والمواطن تسطر بأحرف من نور، وتسجل بمداد من ذهب، ولست بصدد رصد تلك المنجزات، فهي تحكي وقائعها، وتسطر شواهدها من خلال القفزات الحضارية التي أعجزت لغة الأرقام، وفاقت وسائل الرصد، وهذا كله بفضل الله ومنته، ثم بما انتهجوه من نهج أصيل، لا يعرف إلا في هذه البلاد ولله الحمد، ولهذا لما صدقوا الله صدقهم الله وعده، وحقق لهم التمكين والاستخلاف، كما قال سبحانه{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}، وقال جلّ شأنه {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}

أما عهد ملك الإنسانية ورجل السلم والسلام، وقائد الإصلاح والتغيير الإيجابي، مليكنا المحبوب خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - وأمد في عمره، فقد رسمت سياسته المحنكة، ومواقفه الفذة وقراراته الحكيمة، وأوامره السامية صورة فريدة لمملكة السلم والسلام على كافة الأصعدة وفي شتى المناحي، نقلت مملكتنا الحبيبة إلى موقعها اللائق بها، وأكسبتها الاحترام والتقدير من القريب والبعيد، والصديق والشقيق، والقاصي والداني، وأصبحت مواقفه ومبادراته منطلقاً لكل عمل يخدم البشرية جمعاء، إنها أعمال دءوبة، وجهود موفقة، ومواقف فذة تحكي أفعال ملك محنك شجاع، متحصن بعقيدته، مؤمن بربه، محب للجميع، مدرك أن كل النِّعم التي نتقلب فيها ما هي إلا ثمرة من ثمار الثوابت التي قامت عليها هذه البلاد، فها هو يقول - سدد الله قوله - (إننا في هذا الوطن الحبيب لم نحقق ما حققناه إلا بفضل العقيدة الإسلامية، ثم بفضل تمسكنا بوحدة هذا الوطن، وإيماننا بالمساواة بين أبنائه)، ولو تحدث المتحدث عما حصل من إنجازات في عهده على كافة الأصعدة لما استطاع ذلك إلا بشق الأنفس، لكن يكفي للتدليل على ذلك في المجال الإسلامي والسياسي تفاعله مع قضايا المسلمين ونوازلهم، ومشاركته في كل ما يخفف مصابهم، وأمَّا في الشأن الدولي فإن مبادراته الرائدة التي انطلقت من أقدس بقعة من مكة المكرمة بالحوار البنّاء، والتفاهم والاجتماع مع أتباع الديانات من خلال القيم المشتركة وذلك لتحقيق السلام العالمي، ونبذ كل صور العنف والإرهاب التي عانت منها البشرية، ثم تواصلت هذه الدعوة لتشهد عقد مؤتمر مدريد، وتستمر حتى يكون إمامنا وولي أمرنا وقائدنا في هيئة الأمم المتحدة لتعزيز هذا المبدأ، وتفعيل التعاون الدولي. إن هذه الدعوة والمبادرة الرائدة من أعظم المنجزات، فقد رسمت في الأفق البعيد آمالاً للشعوب الإنسانية لتجنب الصراعات والعنف والدموية، أفلا يحق لنا أن نفخر بهذا المنجز الذي يقف على رأس المنجزات الملكية في الشؤون الخارجية، أما في الشأن الداخلي فإن الإصلاح والتطوير سمة من أبرز سمات عصر خادم الحرمين الشريفين، تجسداً في أعماله وقراراته وتوجيهاته - أيده الله - ويكفي للتدليل على هذا الهمّ الذي يحتل مكانة عالية في قلب مليكنا توجيهاته - يحفظه الله - في مناسبات متعددة من مناسبات الوطن، تؤكد على اللحمة والترابط والوحدة الوطنية، وتذكر بأهمية الإصلاح ومحاربة كل فساد، فها هو يقول في كلمة افتتاحية لجلسة مجلس الشورى ويؤكد على مخافة الله تعالى، والحرص على العدل ومحاربة الظلم، والعمل على عدم وجود ظالم أو مظلوم بيننا، أو قوي أو ضعيف، وهذا الهاجس تجسد في صور عديدة، لعل آخرها وليس لها آخر ما صدر من أوامر ملكية، وقرارات سامية في يوم السبت الماضي، تضمنت تشكيلاً متميزاً لقطاعات مهمة، في القضاء والتعليم، والحسبة والفتيا، وهيئة كبار العلماء والشورى، والصحة والاجتماع وغيرها من الشأن العسكري، وهذا التعديل هو الأول والأكبر منذ تولي إمامنا للحكم، ومما لا شك فيه أنه تغيير إيجابي، اعتمد الصلاح والإصلاح، والتقدم والبناء، والتطوير والتغيير الذي يحصل به التمسك بالثوابت، ومواكبة كل تطور، ولذا فإنه يعد نقلة نوعية في تاريخ هذه البلاد المباركة ضمن المنظومة التطورية التي يقودها خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - لتشهد مرحلة جديدة ينعم فيها المواطنون بالرخاء ويدركون تجدد النعم واقعاً ملموساً ويرون هذا الوطن عالمياً يعيش مراحل التقدم والنماء، والتطور والبناء التي تحصل في شتى أقطار الأرض، مع المحافظة على الأصول والثوابت التي هي أساس العز والتمكين والاستخلاف في الأرض.إن هذا التطور الذي تمثل في صدور ثلاثين مرسوماً ملكياً بتعيين وتجديد مناصب ومسؤوليات لكفاءات متميزة مشهود لها بالتميز في المجال الذي اختيرت له، مع أمانة وقوة ومخافة من الله عز وجل، وفي قطاعات مهمة، ومرافق حيوية وجهات خدمية، ليبرهن بصدق ويدل بجلاء على الاهتمام والرعاية والعناية من إمامنا ومليكنا بالشأن الداخلي الذي يمس المواطنين في شؤونهم الحياتية، وحرصه - أيده الله - على أن يحقق ما وعد به في مناسبات عديدة من تطوير وتجديد الكفاءات المشرفة على تلك المرافق؛ لتكون أكثر كفاءة وقوة، وليشهد أداؤها تميزاً مؤثراً في الإصلاح الكبير الذي نطمح إليه.وإنني أغتنمها فرصة، وأجدها مناسبة رائعة لأعبر عن مشاعري كمواطن في بلدي الحبيب، وكمسؤول مشارك في هذه المنظومة الرائدة التي يقودها خادم الحرمين الشريفين، فنحمد الله تعالى على ما وفّق له إمامنا وولي أمرنا، ونسأل الله تعالى أن يجعل هذا التغيير تأكيداً وتفعيلاً للانطلاقة إلى العالمية والتقدم، ونبارك لمن شرفوا بهذا الاختيار وتحملوا هذه المسؤوليات، كما أننا نشكر سلفهم الذين قدموا وأعطوا وشاركوا وساهموا، وأذكر الجميع بأن تكون هذه التشكيلة المباركة دافعة للجميع للعطاء والبذل والمساهمة، والتعاون والتكاتف والتعاضد والوحدة مع ولاة الأمر؛ لتحقيق الآمال والطموحات، وقطع الطريق على كل مغرض ومفسد، فليس ذهاب شخصية إيذاناً بانتهاء دورها، ولا نهاية عملها، وإنما هي مسؤوليات متفاوتة، والجميع مسؤول أمام الله ثم أمام ولاة الأمر ليكون عضواً فاعلاً وناصحاً أميناً، مساهماً في خدمة بلد الإسلام والسلام، والله هو المسؤول أن يحفظ علينا ديننا وأمننا، وأن يديم لنا مليكنا وولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين، وأن يمده بتوفيقه، ويحفظه بحفظه ويكلأه برعايته، ويديم عليه نعمه، ويسبغ عليه فضله، وأن يوفق من تحملوا المسؤوليات الجديدة ومن كانوا على مسؤولية صغرت أم كبرت، إنه سميع مجيب، والحمد الله رب العالمين، وصلى الله على نبيا محمد وآله وصحبه أجمعين.

* مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد