Al Jazirah NewsPaper Tuesday  10/03/2009 G Issue 13312
الثلاثاء 13 ربيع الأول 1430   العدد  13312
ضابط من الحرس الوطني يقدم (ملحمة المجد الخالدة) إلى كليات الحرب
اللواء الركن د. محمد بن فيصل أبو ساق

 

انظر حواليك؛ حيث تكون الآن؟ قد تكون في طريق سفرك أو عودتك على أحد الطرق بين مدن المملكة. وقد تكون مع أسرتك تؤدي العمرة وتستمتع بجوار الكعبة المشرفة في أمن واطمئنان. أو أنك في رحلة قطار قادم من الدمام إلى الرياض, أو فوق السحاب على ارتفاع 31 ألف قدم في رحلة جوية متجهة من جدة إلى نجران.

وحتى إذا كنت الآن مرتاحا في منزلك في مدينة حائل تفكر باستكشاف الأرض نحو الشمال الغربي في رحلة إلى تبوك ثم ضبا حيث البحر ومنها تتجه جنوبا إلى مدينة الرسول وما بينهما. وقد تكون في رحلة من الطائف عبر جبال السروات باتجاه قرى ومدن الجبال حتى أبها وخميس مشيط وما حولها. أو أنك الآن متجها إلى الجنوب بمحاذاة ساحل البحر الأحمر حيث جازان, أو عبرها في رحلة بحرية إلى فرسان. وحتى إن كنت وسط رمال الربع الخالي أو صحراء الدهناء التي غدت مقصدا لمحبي الرحلات البرية الآمنة. وإن كنت أيضا في احد الأسواق الحديثة في أية مدينة بالمملكة, أو تتناول أطراف الحديث في قاعة أحد الفنادق العالمية والنزل المريحة التي تنتشر في كل جزء من بلادنا. أو لعلك الآن مشارك في مؤتمر أو ندوة أو ورشة عمل في شأن اقتصادي وتنموي في مدينة جدة أو بين تلال الظهران الغنية. وأينما تكون الآن فأنت محاط بكل ما له علاقة بثمار تلك الملحمة التاريخية لاستعادة الرياض قبل 11 عقداً من الزمن.

هذه النهضة العملاقة, التي تشهدها بلادنا في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز, نهضة تبرهن عنها الفعاليات التي لا تتوقف ليل نهار؛ وهي تسابق الزمن بشواهدها الواثقة والمطمئنة. نعم, هذه النهضة المباركة, وما قبلها من تراكمات في البناء والوحدة الوطنية, في أكثر من (110) سنوات, تجعلنا ننظر باهتمام كبير, إلى ذلك الحدث الأكثر تأثيرا, في تاريخ المملكة العربية السعودية؛ وهو استعادة الملك عبدالعزيز للرياض في عام 1319 هـ. وعن ذلك الحدث, صدرت دراسة تحليلية جديدة بمنظور عسكري, تستحق الإشادة والعرض, ونخصص لها هذه المقالة.

فالأحداث العظام التي تغير مجرى التاريخ, تستوجب استمرار دراستها وتحليلها, لاستخلاص العبر منها, بما يلائم مواقف وشؤون تتكرر سياسيا وعسكريا. وقد كانت ولا زالت دراسة الحرب عامة, والمعارك الفاصلة خاصة, من أبرز محاور الاهتمام في المدارس العسكرية المتقدمة وكليات الحرب, التي تخصص لها نصيباً وافراً من مناهجها السياسية والحربية.

وهنالك من الحملات الحربية الفاصلة في التاريخ, ومن سير مشاهير القادة, ما هو جدير باستمرار الدراسة واستخلاص العبر, السياسية والحربية والإدارية والقيادية وغيرها. ولا تزال المدارس والكليات العسكرية بمختلف مستوياتها, بما فيها كليات الحرب والأركان والمعاهد العليا, تعتمد في تحليلاتها لدراسة الحروب والأزمات على برامج تحليل الحملات الحربية المتميزة عبر التاريخ.

ويعتمد تعليم القادة من المدنيين والعسكريين, في شؤون إدارة الدولة, وترسيخ أصول أمنها, على البحث والتقصي في عدد من الحملات الحربية, التي كانت نتائجها من مسببات التغير التاريخي. ففي شؤون الحملات الحربية والمعارك الفاصلة, تتم دراسة الأوضاع العالمية والإقليمية والمحلية, ودراسة الأحوال الاجتماعية والسياسية. تتم دراسة مواقف الأطراف وإمكاناتهم, ثم تطور مراحل نشوء الأزمة, ومراحل اندلاعها, وإدارتها, وجوانب دقيقة في نجاحها, أو تعثرها. وهذا النوع من التحليل الدقيق, والعرض الشامل للحرب والسلام عبر الحملات الحربية, يكسب المخططون مهارات سياسية وحربية وإدارية ثمينة؛ يصعب تصورها والإفادة منها افتراضيا.

كان دهاء الملك عبدالعزيز, وشخصيته الفذة, محل اهتمام مبكر ومستمر, لأولئك الذين عرفوه حق المعرفة. وقد نشر الكثير من الكتب والبحوث العلمية, عن منجزات الملك عبدالعزيز, وعن زعامته ورؤاه السياسية وتصوراته, التي حققت للمملكة مكانتها الفاعلة في المسرح العالمي. وجاءت مئوية البناء والتوحيد قبل عقد من الزمان, فسخرت فيها الإمكانات للبحوث والدراسات, بما يحفظ للملك عبدالعزيز ورجاله تاريخ ما سجله تاريخهم من منجزات. ونظرا لكون دراسة وتحليل الحملات الحربية يعتمدان في تأليفهما على منهج عسكري يعتمد على الوصف والتحليل الموجز, كتلك المفاهيم التي تشتهر بها المدارس العسكرية الغربية, فقد كنا, ولا زلنا, في حاجة إلى إعادة بحث وتحليل وعرض الحملات العسكرية, التي خطط لها, وقادها الملك عبدالعزيز في مسيرته السياسية والحربية لتوحيد المملكة.

ففي مسيرة الملك عبدالعزيز وحملاته, وفي شخصيته من المواقف والأمثلة, ما يفوق ما يعرض اليوم, عن بعض أهم الحملات الحربية, المعتمدة في الكليات السياسية والعسكرية. ولكوني من المهتمين بهذه الشؤون, فإنني أشعر بسعادة غامرة, وأنا أتصفح الطبعة الأولى من دراسة سعودية متميزة, لتحليل حملة الملك عبدالعزيز لاستعادة الرياض في عام 1319هـ. إنها دراسة عسكرية استراتيجية, تستحق الإشادة والاحترام, لما فيها من عناصر تضعها في مصاف تلك الدراسات التحليلية عن الحملات الحربية الشهيرة.

معد هذه الدراسة هو العميد الركن خالد بن ناصر بن مرعيد, ضابط في الحرس الوطني السعودي. ابتعث مبكراً للتدريب والدراسة, في مدارس عسكرية متقدمة, في الولايات المتحدة الأمريكية. وقد كان ابتعاثه سبباً في إثارة اهتمامه لقضية ارتبط بها عاطفياً. فأخذ يقارن بعض تلك الحملات الشهيرة, ليجد نفسه مقتنعا بأن حملة استعادة الرياض, في مضامينها الكثير من الدروس السياسية والحربية. فهو يرى أنها مركز الثقل, الذي انتصر فيه الملك عبدالعزيز, وانطلق عبره من نصر إلى نصر مؤزر. وحين أكتب مشيداً بهذه الدراسة, فإنني أنطلق من معطيات أبرزها قناعتي بأن هذه الدراسة التحليلية, إن لم تكن هي الأولى من نوعها, فهي تعد مبادرة موفقة لتحليل ما تم في استعادة الرياض, قبل مئة وعشر سنوات تقريبا.

كما أنني على ثقة, بأن هذه الدراسة تعد إضافة جديدة مهمة, في مضمونها وشكلها, لصالح المكتبة العسكرية السعودية. ونحن في الواقع, نحتاج إلى مثل هذه الدراسة, لتحليل ورصد تجاربنا السعودية؛ وإعادة صياغتها, واستخلاص عبرها, بما يلائم هذا الزمن, في شؤون فن الحرب والسياسة, وفن إدارة الأزمات. وقد تضمنت الدراسة نبذة عن شخصية الملك عبدالعزيز, مشتملة على تحليل عن أهم مميزات وصفات شخصيته, مع لمحات عن صفاته القيادية العسكرية. ولم تقتصر هذه الدراسة على معركة استعادة الرياض في المحاولة الثانية, فقد وضع لنا المؤلف قبل ذلك تصوراً عن الموقف السياسي قبل استعادة الرياض؛ مستخلصا الدروس المستفادة من المحاولة الأولى لاستعادة الرياض.

ثم تمكن المؤلف من وضع تحليله الشخصي لمراحل حملة استعادة الرياض. فتضمن التحليل خطة الملك عبدالعزيز الحربية التي قسمتها الدراسة إلى ثلاث مراحل رئيسية. تشير المرحلة الأولى إلى, إعداد القوة وتنفيذ الغارات الهجومية. وفي المرحلة الثانية, عرض للتمويه الاستراتيجي, والتحضير النهائي للمعركة. بينما خصصت المرحلة الثالثة للهجوم الخاطف على الرياض. وتمكن المؤلف من صياغة هذه المراحل بطريقة تسلسلية, تضمنت سيناريو الأحداث مدعما بالتواريخ والأماكن والأسماء. وقد حاول المؤلف أن يعيد صياغة خطة المعركة الفاصلة, وما سبقها من ترتيبات ومواقف أثناء سير الحملة الحربية من الكويت, وحتى إعلان الانتصار في الرياض

وفي تحليل عسكري غير مسبوق, عن هذه الحملة الحربية الفاصلة في تاريخ المملكة, وتاريخ جزيرة العرب, وظّف المؤلف خبرته العسكرية وسجله الأكاديمي, ليستخلص مبادئ الحرب التي طبقت في هذه الحملة. وحدد كذلك عدد من المفاهيم الحربية الحديثة, التي طبقها الملك عبدالعزيز في سعيه للنصر. ومن تلك المفاهيم, ما يسمى بنظرية الحرب الخاطفة, ومركز الثقل, وأنظمة إدارة المعركة, ونظام القيادة والسيطرة, ونظام التموين والإمداد, ونظام الاستخبارات, والبُعد الإنساني في القتال.

ثم تمكّن المؤلف من تحديد المميزات الهجومية, التي طبقها الملك عبدالعزيز. وكذلك استنتج المؤلف بعضا من الدروس المستفادة المحددة من هذه الحملة الحربية, التي جاءت طريقة عرضها من بدايتها بمثابة الدروس المستفادة؛ لما فيها من نقاط بارزة وعرض شيق. ولم ينسَ المؤلف رجال الملك عبدالعزيز الرواد, حيث قدّم لأسمائهم بعرض موجز قال فيه: (إن أي باحث لا يجد بُدّا من الحديث عن تلك الثلة الطيبة.. ودور أفرادها مع قائدهم العظيم الذي حدد لكل واحد منهم دورا ومهمة حسب ما يرى بعقلية القائد العارف بطبيعة المعركة.. فقاسموه قسوة الصحراء وشظفها أثناء فترة الإعداد وتجهيز القوة لليوم الحاسم لاستعادة الرياض).

ويعود الفضل بعد الله, للقيادة الحكيمة في الحرس الوطني السعودي, الذي يؤهل رجاله, ويتيح لهم الفرص للتعليم المهني الاحترافي, العسكري والمدني, كما تعلم مؤلف هذا الكتاب. لكني أجده أيضا, مدفوعاً بعاطفة شخصية, تعد قوة مضافة, باعتباره من أحفاد الرواد المرافقين للملك عبدالعزيز في هذه الحملة مجال الدراسة. وقد كرمه الأمير سلمان بن عبدالعزيز بإلقاء كلمة أحفاد الرواد, في احتفال أهالي الرياض لبيعة خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - في عام 1426ه. وقد كان ذلك التكريم بوقوفه بين يدي الملك عبدالله بن عبدالعزيز حافزا آخر دفعه للقول: (فقد رأيت أنه من حق الملك عبدالعزيز - يرحمه الله - علينا, وحق هذا الوطن وقادته ورجاله. وحيث إنني حفيد لماجد بن مرعيد, وهو من الرواد المشاركين مع الملك عبدالعزيز.. ولكوني رجلا عسكريا.. رأيت أن أقوم بالمشاركة بالكتابة, فيما يخدم الوطن العزيز, وقادته الكرام).

والمؤلف يؤكد حاجته للمزيد من المعلومات, والملاحظات, وللتصويب أيضا؛ خاصة وهذا الكتاب يصدر في طبعته الأولى. ومن الطبيعي جدا أن يستفيد المؤلف من كل مقترحات مناسبة, يستوعبها في الطبعة القادمة إن شاء الله. وحتى ذلك الوقت, فإنني سعيد بأن قدم زميل لنا هدية ثمينة تضاف إلى مكتبات الكليات العسكرية, ومدارس الحرب العليا. وبعد, فلن نتحرج بعد اليوم, حين يسألنا أحد المهتمين في شؤون فن الحرب, عن كتاب عسكري سعودي يثري ثقافته, أو يكون ضمن مقتنياته الفكرية؛ سوف نذكر له (ملحمة المجد الخالدة: استعادة الرياض 1319هـ, من المنظور العسكري, تأليف العميد الركن خالد بن ناصر بن مرعيد).

وختاماً, فإنني أعرف حاجة المكتبة العسكرية الغربية لمثل هذه الدراسة؛ خاصة أن هنالك الكثير اليوم ممن يهتمون بشؤون الشرق الأوسط وحروبه وشخصياته التاريخية. وتحظى المملكة بصدارة هذا الاهتمام, عن واقعها وتاريخها وشخصياتها. وأتمنى أن يعمل المؤلف على ترجمة هذه الدراسة, وتصديرها باللغة الإنجليزية, وسوف تلقى رواجاً كبيراً, نظرا لكثرة المهتمين بينهم بالفكر العسكري وبسجل الحملات الحربية. وأرجو أن يكون اقتناؤها, من قبل المؤسسات العسكرية السعودية, سببا وحافزا, لمزيد من مبادرات الضباط السعوديين, لنشر دراساتهم العسكرية في شؤون بلادنا. ففي صفوف العسكريين السعوديين, الكثير من القادرين على إثراء مكتبتنا العسكرية, في مجالات الشؤون العسكرية, وفن الحرب, وإدارة الأزمات, وفن القيادة, من منظور وتجارب وبيئة عسكرية سعودية. فنحن أفضل من يمكن أن يكتب عن موروثنا وواقعنا. والله الموفق.

* عضو مجلس الشورى


mabosak@yahoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد