Al Jazirah NewsPaper Tuesday  10/03/2009 G Issue 13312
الثلاثاء 13 ربيع الأول 1430   العدد  13312
هل العراق آمن الآن؟
لويل شوارتز

 

كان القرار الذي اتخذته إدارة أوباما بسحب القسم الأكبر من قوات الولايات المتحدة من العراق في غضون الأشهر التسعة عشر القادمة سبباً في إثارة المخاوف بشأن احتمالات انغماس العراق من جديد في حالة من العنف المدمر الواسع النطاق التي استمرت منذ عام 2004 إلى عام 2007م. والحقيقة أن أغلب هذه المخاوف مبالغ فيها. وهناك من الأسباب الوجيهة ما يجعلنا نعتقد أن مستوى الاستقرار الذي تحقق في العراق من الممكن أن يستمر حتى في غياب وجود عسكري أمريكي واسع النطاق. ولكي نفهم السبب وراء ذلك فمن الأهمية بمكان أن نفهم أولاً ماذا كان يجري داخل العراق في عام 2007، حين أمر الرئيس جورج دبليو بوش بإرسال قوة إضافية قوامها عشرين ألف جندي إلى العراق، وبعد أن عَمِد الجنرال ديفيد بترايوس إلى توجيه قوات الولايات المتحدة نحو استراتيجية أكثر عدوانية. ورغم أهمية تعزيز القوات آنذاك إلا أن عاملين آخرين لعبا دوراً حاسماً في إنقاذ العراق من الانزلاق إلى الهاوية. أولاً، تحولت بغداد إلى مدينة يهيمن عليها الشيعة. ورغم صعوبة التحقق من الإحصائيات إلا أننا نستطيع أن نقول إن 35% تقريباً من سكان بغداد في عام 2003 كانوا من السُنّة. واستناداً إلى نتائج الانتخابات المحلية التي عقدت مؤخراً، فإن سكان بغداد من السُنّة الآن لا يتجاوزون 10% إلى 15% من إجمالي سكانها. وهذا يعني أن حوالي المليون أو المليون ونصف المليون من السُنّة فروا من العاصمة. وأغلبهم الآن من اللاجئين في الأردن وسورية، ومن غير المرجح أن تكون عودتهم موضع ترحيب في المستقبل المنظور من جانب النخبة الشيعية الجديدة التي تحكم البلاد الآن. كانت عمليات التطهير العرقي التي جرت في العديد من أحياء بغداد أثناء العامين 2006 و2007 باعثة على الأسى والخزي، ولكنها جعلت من الصعب على الثوار السُنّة أن يختبئوا أو يختلطوا بسكان بغداد، وحرمتهم من الدعم اللوجيستي والمادي. كما وفرت درجة من السلامة والأمن للحكومة التي يقودها الشيعة، وهو الهدف الأساسي لهذه الحملة المنظمة في المقام الأول. أما العامل الحاسم الثاني في تحقيق الاستقرار في العراق فإنه يتلخص في اعتراف البلدان المجاورة بحكومة رئيس الوزراء نوري المالكي، بل وتقديم الدعم لها في بعض الأحيان. وكان هذا بمثابة تغيير كبير عن الفترة التي امتدت بين العامين 2003 و2005، حين كان جيران العراق من السُنّة يعارضون الاحتلال الأمريكي بشدة، خوفاً من تثبيت أقدام النخبة الشيعية الجديدة في البلاد. كانت حركات التمرد المتعددة التي نشأت في العراق أثناء العامين 2003 و2004 مدعومة جزئياً على الأقل بأموال ومواد ومقاتلين من الخارج. وكان العديد من المفجرين الانتحاريين من مختلف بلدان العالم العربي يعبرون إلى البلاد عبر الحدود السورية والأردنية التي يسهل اختراقها. وربما لم تدعم الحكومات الإقليمية المتمردين علناً، إلا أنها كانت تتجنب بوضوح فرض إجراءات صارمة على الجماعات الجهادية العاملة داخل حدودها. ثم بدأت الحكومات الأجنبية في تغيير هذه السياسات بعد أن أقدم تنظيم القاعدة في العراق على تفجير ثلاثة فنادق في عمان بالأردن في شهر نوفمبر - تشرين الثاني 2005، وهي التفجيرات التي أسفرت عن مقتل ستين شخصاً. ولقد أدركت الحكومات المرتعبة في المنطقة أن ذلك النوع من العنف الذي يحدث على نحو شبه يومي في العراق بدأ يمتد إلى خارج حدود البلاد. بعد هذه الواقعة مباشرة، سارع جهاز الاستخبارات الأردني إلى مساعدة الحكومة العراقية في ملاحقة أفراد شبكة تنظيم القاعدة في العراق. وبحلول شهر يونيو - حزيران 2006، بدأت الجهود تؤتي ثمارها. ولقد لعب عملاء الاستخبارات الأردنيين دوراً على قدر كبير من الأهمية في تقديم المعلومات الاستخباراتية التي مكنت قوات الولايات المتحدة من قتل أبو مصعب الزرقاوي، العقل المدبر لتفجيرات عمان. كان التقدم مطرداً على الرغم من بطئه، وعلى مدى العامين 2006 و2007، نجحت الاستخبارات الأردنية، بالعمل مع القبائل السُنّية العراقية، في خلخلة تنظيم القاعدة. فضلاً عن ذلك فقد بُذِلت جهود هادئة في بلدان العالم العربي للحد من تجنيد وتمويل المفجرين الانتحاريين المتوجهين إلى العراق.

كما تغير دور إيران في العراق أيضاً. إذ كانت الحكومة الإيرانية تشكل سنداً رئيسياً للمليشيات الشيعية، بما في ذلك جماعة جيش المهدي التي يتزعمها رجل الدين المتشدد مقتدى الصدر. ولكن الإيرانيين كانوا أيضاً على صلة وثيقة منذ البداية بعناصر من حكومة الائتلاف التي يقودها الشيعة. وفي عام 2008، وفي أعقاب العملية العسكرية التي شنها المالكي لتطهير البصرة من الميليشيات المقاتلة، بدا قادة إيران وكأنهم أدركوا أن هذه الاستراتيجية ذات الوجهين قد استنفدت الغرض منها. ثم ساعدت إيران في التوسط من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار، الذي كان في مصلحة المالكي إلى حد كبير، وساعد في ترسيخ موقفه القيادي داخل حكومة الائتلاف العراقية. ولا شك أن موقف المالكي المتشدد في إصراره على وضع جدول زمني صارم لانسحاب قوات الولايات المتحدة من العراق كان حاسماً في تحريك قرار إيران بتقديم الدعم له بكل ثِقَلها. كان تحول بغداد إلى مدينة شيعية واعتراف جيران العراق بالنظام السياسي الجديد في البلاد من العوامل التي ساعدت في تحقيق الاستقرار في البلاد. ومن المرجح أن تكون هذه التغييرات دائمة، وأن تعزز الأمل في عدم عودة العنف الواسع النطاق الذي ابتليت به البلاد أثناء الفترة بين العامين 2003 و2007 بعد رحيل قوات الولايات المتحدة.

***

أستاذ العلوم السياسية بمؤسسة راند، وهي مؤسسة فكرية غير ساعية إلى الربح وتتخذ من سانتا مونيكا بكاليفورنيا مقراًَ لها.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت2009 .
www. project-syndicate. org خاص الجزيرة



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد