Al Jazirah NewsPaper Tuesday  10/03/2009 G Issue 13312
الثلاثاء 13 ربيع الأول 1430   العدد  13312
شيء من
الترجمة والتواصل مع الآخر
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

 

في العرس الثقافي الذي تمر به المملكة هذه الأيام، والذي جاء مواكباً لمهرجان الجنادرية ومعرض الكتاب، أعلنت يوم الأحد الماضي أسماء الفائزين بجائزة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للترجمة في دورتها الثانية، وذلك في مقر (مكتبة الملك عبدالعزيز العامة في الرياض)، كما جاء هنا في الجزيرة.

الترجمة من أهم وسائل التواصل مع الآخر والانفتاح على ثقافات الشعوب الأخرى، وبالذات الثقافات التي سبقتنا في ميادين العلم والمعرفة، والعطاء الحضاري، وسبق أن قلت إن علاقة التنمية الثقافية وكذلك الانفتاح بالترجمة علاقة طردية، فكلما ارتفعت أرقام الأعمال الفكرية والعلمية التخصصية المترجمة، كانت مؤشراً على ارتفاع معدلات التنمية الثقافية والانفتاح الثقافي، والعكس صحيح. أن نحتفي بالترجمة، ونعيد لها اعتبارها، معنى ذلك أننا نحفز وسائل التواصل مع الآخر، ونخرج بلادنا من (التقوقع) في الثقافة الموروثة، إلى آفاق الاستفادة من الثقافات العالمية الأخرى، فالثقافة عملية تراكمية، بقدر ما تأخذ من الآخر، وتضيف إلى الموروث، تستطيع أن تنتج، وإذا توقف الاتصال والتواصل مع الآخر، تتحول الثقافة إلى حالة من حالات (الاجترار)، ويتوقف الإبداع والإنتاج والعطاء الجديد، ومن يرصد ثقافتنا عندما سيطر (التقليديون) على المشهد الثقافي خلال العقدين الأخيرين من القرن المنصرم، يجد أن أس (الركود) الثقافي، والتقوقع في التراث، الذي صبغ بصبغته ماضينا القريب سببه رفض الاستفادة من منتجات الثقافات الأخرى، والإصرار على الثقافات التراثية الموروثة، تحت حجج مهترئة مثل شعار رفض (التغريب)، أو البراءة من الكفار وعلومهم، أو ذلك الفكر السخيف الذي يدعو إلى رفض (الحداثة) القادمة من الآخر، ويدعو ضمناً إلى التقوقع في الموروث.

الخليفة العباسي (المأمون) هو أول من أشعل ثورة الترجمة، عندما أنشأ (بيت الحكمة) في بغداد الذي وضع أساسه الخليفة العباسي (هارون الرشيد) عندما جمع فيه كتباً مهمة من الهند والروم والفرس وغيرها، فجاء المأمون وحول الاستفادة من علوم الآخر إلى مشروع ثقافي كبير، فقد جاء في كتاب (الترجمة: تاريخها.. نظرياتها.. تطبيقاتها) ما نصه: (فبالإضافة إلى ما كان يغدقه على مترجميه (أي المأمون) من رواتب خيالية، كان يوزّع كل يوم ثلاثاء جوائز تبلغ وزن الكتاب إن استحسنه ذهبا)، ولم يستفد من قرارات المأمون أهل عصره فحسب، وإنما استفاد منها على المستوى المعرفي كل القرون التي جاءت بعده من المسلمين، حتى أصبح هذا الخليفة العظيم بمثابة أب العلم والمعرفة والفلسفة في تاريخنا، وعندما توقفت الترجمة، والتواصل مع الثقافات الأخرى، وعاد العرب إلى اجترار ثقافتهم، ورفض الثقافات الأخرى، بدأت عصور الانحطاط.

ولكي نعرف مدى انغلاقنا، وتقوقعنا، وعدم قدرتنا على التواصل مع ثقافات العالم، خذ هذه المعلومة الذي أوردها الكاتب محمد محفوظ في مقال له بعنوان (العلم أولاً ودائماً) يقول: (الوطن العربي وتعداد (250) مليون نسمة يصدر في السنة ما يقارب (6759) مطبوعة بين تأليف وترجمة منها (548) فقط في العلوم، بينما إسبانيا تعدادها (39) مليوناً فإنها تصدر حوالي (41816) مطبوعة منها (2512) في العلوم، وإجمالي الكتب المترجمة في كامل الوطن العربي، منذ ما بعد عهد الخليفة المأمون، وحتى تسعينيات القرن العشرين، لا يصل إلى (15) ألف عنوان، أي ما يساوي ما ترجمته إسرائيل في أقل من (25) سنة، أو ما ترجمته البرازيل في أربع سنوات، أما اليابان فهي تقوم بترجمة ما يزيد على ثلاثين مليون صفحة سنوياً)! إلى اللقاء.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد