Al Jazirah NewsPaper Friday  20/03/2009 G Issue 13322
الجمعة 23 ربيع الأول 1430   العدد  13322
(عريف الوحدة).. شخصية فذة خدمت المجتمع المكي
حظي بثقة (الفيصل) حتى أصبح أميناً للعاصمة

 

بقلم/ أ.د. عمر المروعي(*)

* لست كاتباً متمرساً ولم يسبق لي الخوض في طرق باب الكتابة لغرض الوفاء والعرفان وإن كنت حملتهما سراً وعلانية بين جوانحي وأحاسيسي طوال مراحل حياتي وما زلت وسأظل.

ولحسن الحظ فأنا بالذات أدين للكثيرين بكثير من الفضل والاحسان ولذلك آثرت السكينة وعدم الكتابة علناً لئلا أشير إلى بعضهم وأنسى آخرين بغير قصد فأقع في مطب التقصير أو غيهب النكران، ونظراً لأن الانسان بصفة عامة يكون واحداً من بين مجموعة أفراد المجتمع بأكمله، وأنا حقيقة كذلك في جميع الحالات والأحوال جزء من كل وفرد في مجتمع وبرغم امكانية اكتساب هذه الفرصة إلا أنني وجدت نفسي مثل كثير غيري ممن تجاهلوا بقصد أو بغير قصد أناساً كان لهم فضل العطاء بإخلاص ودور إيجابي في النجاحات الكبيرة في حياتهم العملية خلال فترة تحملهم مختلف الأعباء والمسؤوليات التي كلفتهم بها الدولة الكريمة واضعة فيهم ثقتها بتوفيق الله ثم بحسن الاختيار فكانوا مثالاً للعطاء بلا ملل وقدموا لمجتمعهم بلا كلل لذلك المجتمع الذي كنت وما زلت جزءاً لا يتجزأ منه إلا نني وقعت في الفخ الذي وقع فيه كثيرون غيري ألا وهو (فخ التواكل) وبكل أسف فقد ساهم كل منا في قتل الوفاء وباعتقاده أن غيره يجيد طرق ذلك الباب بشكل أفضل أو أن هناك من سيفعل حتى وقع كل منا في الخطأ نفسه بحسن ظنه في الآخر نحو الوفاء لأهل العطاء والله أعلم بالقصد ولكن صحيح أهل الخير بخير.

فمنذ أيام تلقيت مكالمة هاتفية من أخي الزميل خالد الدوس من جريدة الجزيرة.. الخ ومن خلال الحديث تطرقنا إلى أيام زمان عن نادي الوحدة ولما عرف أنني منتم لنادي الوحدة منذ عام 1384هـ وجدها فرصة لينتقم للوفاء ولكن بطبيعته وأريحيته وعتابه الجميل في صورة طلب ليضمني إلى قائمة الأوفياء الذين إذا سمح لي أن أقول: بأنه عميدهم كما يروق لي أن أدعوه حيث أنه يرى أننا كمكيين مقصرون تجاه كثير من شخصياتنا المكية العريقة وبالذات من كان لهم دور بارز بجانب مهامهم العملية ومسؤولياتهم المناطة بهم فقد قدموا الكثير للرياضة والرياضيين في مكة المكرمة حيث نشأت كرة القدم والرياضة في المملكة بصفة عامة وفي نادي الوحدة بصفة خاصة وتجاهلنا الكبير للدور البارز الذي قام به معالي الأستاذ (عبد الله عريف) أمين العاصمة المقدسة ورئيس نادي الوحدة في الثمانينيات الهجرية وحتى 1395هـ أيام سطوع شمس لاعبيها ومدربيها في مختلف الألعاب والمسابقات إذ إنه كان واحداً من النماذج العملية التي يجب عدم اغفال ما قدمته في تلك الحقبة وهم كثر -رحمهم الله- فمن يذكر أو يعرف (عريف مكة) ونادي الوحدة من أبناء اليوم.

نعم يا عزيزي الأستاذ خالد صدقت ومعك الحق وسأخبرك بما أعرفه حقاً وما لا أعرفه ستأتيك تفاصيله تباعاً ويسعد بها القراء من أصحاب الشأن الذين عاشوا قريباً من الأستاذ (عبد الله عريف) ودونوا عنه الكثير من المناقب في مواقف مختلفة يعلمونها تماماً وأكثر من غيرهم.

أما أنا يا عزيزي فأعرف من هو وشاهدته كثيراً وتشرفت بالسلام عليه مراراً وتكراراً منذ زمن بعيد عندما كنت (لاعباً) في نادي الوحدة، وذات يوم وبعد أن أصبحت مدرساً ومدرباً للعبة الجمباز تمكنا من مقابلته في منزله بمرافقة الأستاذ محمد بن شاهين - رحمه الله- مع أخي الأستاذ محمد المروعي والأستاذ عبد الله محمد والعميد محمد الجندي والاستاذ صالح إمام بغرض ادخال لعبة الجمباز والكاراتيه والجودو بالنادي ليكون لنا السبق كناد عريق في إدخال هذه الألعاب وشرف نشرها في الوطن الغالي وقد رأينا منه كل حفاوة وتشجيع وبث فينا روح الثقة ووعدنا بالمساندة والوقوف إلى جانبنا لتحقيق أرقى المستويات في خدمة شباب هذا الوطن وقد كان قولاً وفعلا وذلك في عام 1394هـ حيث تم تسجيل هذه الألعاب رسمياً قبل أن يكون لبعضها اتحادات مستقلة آنذاك، وهكذا كان دوماً عملاقاً في عمله عملاقاً في تعامله قليل الكلام كثير الفعل وكيف لا فهو من رجال الوطن الذين اختارهم الفيصل -رحمه الله- ووضع فيهم ثقته وهذا أكبر شاهد ودليل على مكانة هذا الرجل في قلوب المسؤولين قبل المواطنين.

لهذا السبب ولثقتي شخصياً بأن هناك أشخاصاً أكفأ وأعرف مني بهذه الشخصية الفذة فقد طلبت من الاستاذ (عبد الحميد كاتب) الذي كان مساعداً لمعالي الأستاذ عبد الله عريف آنذاك ونائباً له في مجلس إدارة نادي الوحدة مساعدتي في طرق هذا الباب إلا أنه ورغم كونه يعتبر الأستاذ عبد الله عريف وبالحرف الواحد كما يقول كان لي بمثابة الأب الروحي لي ولكثير غيري ولكن هناك من كتب الكثير عن العريف وجمع حتى مقالاته اليومية التي كان ينشرها منذ زمن بعيد عندما كان صحفياً قبل أن يتولى أمانة العاصمة (انه سعادة الدكتور زهيركتبي) فهو واحد من كثر يعرفون الكثير ويجيدون مغازلة الحرف وهم أجدر بذلك وإنها فرصة جميلة لنتمكن من إعطاء هذا الرجل حقه كواحد من أبناء هذا الوطن المخلصين وهنا أقول بارك الله فيكم جميعاً والباب مفتوح على مصراعيه لأصحاب السعادة اخواني الافاضل من هم أكبر مني سناً وأكثر مني مستوى وأقدم مني معاصرة لنجمنا الآفل.

* فما تختزن ذاكرتي عن الرمز الرياضي والثقافي والاجتماعي (عبد الله عريف).. لا يمكن أن أسرده عبر هذه الأسطر.. ولكن ما يجول في خاطري ووجداني انني عرفت عن الفقيد حبه للأعمال الانسانية والجوانب الخيرية فهو بحق كان رائداً للأعمال الإنسانية حيث ساعد كثيرا من لاعبي الوحدة ومنهم من أمن لهم وظيفة ومنهم من خصص له مكافأة شهرية تقديراً لظروفهم المادية والمعيشية والأسرية هذا فضلاً عن مواقفه البطولية مع بعض لاعبي المنطقة الغربية لأنه وبكل اختصار رجل جبل على حب الخير والاعمال الصالحة بعيداً عن الأسماء والألوان والشعارات هكذا كان الانسان (عبد الله عريف) مجبولاً على تكريس اهتمامه في هذه الجوانب الانسانية!

* (عبد الله عريف).. الرمز الرياضي الكبير كان أحد رجالات الحركة الرياضية بالعاصمة المقدسة ومن رموزها الأفذاذ الذين ضحوا بالكثير والكثير وقدموا أدوارا جسمية وعطاءات سخية خدمة للرياضة ولشباب المنطقة.. شأنه في ذلك شأن رواد الحركة الرياضية بالمملكة.. الشيخ عبد الرحمن بن سعيد والشيخ محمد عبد الله الصائغ وعبد الله بن أحمد والشيخ عبد الحميد مشخص وحمزة فتيحي وعبد الله بن حسين وناصر القلاف وصالح ظفران وحسن صيرفي ورموز كبار خدموا رياضة الوطن عشقاً وانتماء واخلاصاً لهذا الكيان الشامخ بقيادته الحكيمة.

* هكذا كان (عريف) رجلا فذا ورمزا كبيرا ساهم بفكره الإداري وفلسفته البارعة.. في صناعة وحدة زمان.. وحدة الانجازات والبطولات.. وحدة جيل الذهب.. جيل عبدالرحمن الجعيد وحسن بصري وحسني باز وحسن دوش وسعيد ولطفي لبان وعلي داود وأسعد ردنة وبقية الأسماء الرنانة التي كانت تعج بهم خارطة وحدة الثمانينيات الهجرية.. جيل كتب سطور الذهب في صفحات المسيرة الكروية (لفرسان مكة) بقيادة رمزهم العملاق (عبد الله عريف).. الذي قاد هذا الكيان المخضرم في عهد رئاسته الذهبية إلى ساحة المجد والذهب وسطر نجومه أروع ملحمة كروية شهدها التاريخ الرياضي للفريق الوحداوي العريق.

* وحين رحل الرمز العملاق أطفئت شموع الذهب وقناديل الفرح للفريق الأحمر وتوارى عن ساحة التتويج ليسكن في مقر الحرمان والجفاف.. عقوداً من الزمن ولا يزال الفريق المخضرم حتى الآن عاجزاً عن الصعود لمنصات التتويج في ظل عدم توفر مقومات النجاح التي تكفل في صياغة وصناعة فريق قادر على استعادة أمجاده الغابرة.. التي شهدت في عهد الرئيس الراحل طفرة نوعية قادت وحدة زمان إلى بوابة الذهب.

* (عبد الله عريف) كشخصية اجتماعية ورياضية معروفة بأخلاقياتها العالية والطيبة المتناهية والالتزام الديني والعفة والعطف والصلاح كانت متوفرة في هذه الشخصية الاحادية تميز -رحمه الله- بتفانيه وعرف بتنازله عن حقوقه إذا كانت من أجل الصالح العام مع احتفاظه بحق النادي.. كما كان رجلاً محبوباً من الكبار والصغار وجلالة الملك فيصل - رحمه الله - كان يقدره كثيراً لعدة أسباب أولاً لإخلاصه وأمانته في عمله الحكومي باعتبار أنه كان أمين العاصمة المقدسة وثانياً لأخلاقه وطيبته وكذا محبته الصادقة للوطن والمواطن.. كما أن رائد الرياضة الأول الأمير عبد الله الفيصل كان يرى في (العريف) المواطن الصادق المحب لوطنه لما كان يقدمه لرياضة العاصمة المقدسة تحديداً.. من دعم مادي ومعنوي وحرصه على تنمية روح المنافسة الشريف بين أبناء المنطقة بعيداً عن التعصب والاحتقان والممارسات السلبية بل كان -رحمه الله- من الشخصيات الرياضية الناضجة والواعية التي فرضت احترامها على القيادة الرياضية ولا غرو من ذلك - فابن مكة - لم يكن رياضياً فقط.. بل كان شاعراً وأديباً ومثقفاً واجتماعياً مرموقاً.. بحكم موقعه الوظيفي كأمين للعاصمة المقدسة آنذاك.

* ولاشك أن الرمز الراحل بسماته القيادية وادارته الحكيمة وفكره النير.. وتعامله الرفيع استطاع أن يصنع لذاته شخصية كاريزمية أبقت اسمه محفوراً في الذاكرة التاريخية وأخاديد الزمن فكسب صفة التميز والريادة في المجالات الرياضية والاجتماعية والانسانية.

* رحمه الله من لاعبي الوحدة ومنسوبيها وكذلك الادباء والكتاب والمؤرخين الذين لهم باع طويل في تقصي وتتبع أخبار ومناقب ومآثر العظماء والمخلصين وهم كثر في وطني الغالي..

ويسعدني أن انضم إليك يا أخي العزيز في هذه المهمة ولكل من يملك القدرة على الوفاء لأهل العطاء بالكلمة الحسنة والذكر الحسن وألا يبخل بطرق هذا الباب المفتوح على مصراعيه الذي تعمدت أن أتركه للأكفأ والأقدر من أصحاب الدلاء المليئة بالجواهر الثمينة ودرر الكلام ورحم الله أستاذنا (عبد الله عريف) وكافة أموات المسلمين وشكراً للأيادي البيضاء التي وعدت وهي قادرة على الوفاء..

وشكراً أيضاً (للجزيرة) الوفية التي انتصرت للوفاء وأعادت سيرة رمز كبير وعلم رفيع.. خدم وطنه في المجالات الرياضية والاجتماعية والثقافية والأدبية سنوات وسنوات ولكون رصيده الكبير من حب الناس في بنك العلاقات العامة.. الذي لم يأت من فراغ إنما من واقع مستند على الخبرة والفكر والثقافة وحسن الخلق وترك لنا بعد رحيله سمعة نيرة وسيرة طيبة تستحق السرد والقراءة التاريخية.. في حياتنا المعاصرة.

(* ) أستاذ علم وظائف الأعضاء وفسيولوجيا التدريب والتمرينات
بقسم التربية البدنية بجامعة أم القرى بمكة المكرمة لاعب الوحدة في الثمانينيات الهجرية



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد