Al Jazirah NewsPaper Thursday  26/03/2009 G Issue 13328
الخميس 29 ربيع الأول 1430   العدد  13328
إضاءات نفسية
فقدان شريك الحياة
د. محمد بن عبد العزيز اليوسف

 

زاوية تهتم بكل ما يتعلق بالطب النفسي والتنمية البشرية وتطوير الذات.. نستقبل كل أسئلتكم واقتراحاتكم.

سعادة الدكتور - محمد بن عبد العزيز اليوسف - سلمه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

* أنا عمري 40 سنة وشبه انطوائي وأيضاً قد يكون عندي بعض الحساسية من بعض المواقف وتجنب الاختلاط بالاجتماعات العامة يعني قد يكون بي مرض رهاب اجتماعي.. لذا أعرض عليك أخي الكريم حالتي النفسية التي أمر بها هذه الأيام وأرغب أن تفيدني؟

توفيت زوجتي قبل حوالي سبعة أشهر وهي أم أبنائي الغالية، هي كل من لي في الحياة الله يجمعنا بها في الجنة ولم أستطع البكاء عليها لا أدري لماذا رغم أنني حزنت حزناً كبيراً فهي كانت تقف معي في جميع أمور الحياة وتساعدني بأمور كثيرة وهي صابرة معي على ضغوط الحياة المتعبة وتربية الأولاد وووو... إلخ، لكن بعد وفاتها اسودت الدنيا بوجهي مع العلم بأن لدي زوجة أخرى لكن كأنني غير متزوج بعد وفاتها -رحمها الله تعالى-.. كذلك لم أستطع تربية الأبناء بالشكل الصحيح مثل ما كانت موجودة فابني الأكبر ترك الدراسة بالمعهد المهني قبل التخرج بأسبوع وأصبح ينام خارج المنزل ويخالط الأشرار ولا يهتم بأي توبيخ أو توجيه، أما البنات فلا اهتمام لديهن بل أغلب وقتهن في النوم، كذلك بدأت أكتب قصائد الرثاء والمدح بها والمقالات الأدبية، وتزوجت بامرأة أخرى غير التي معي لكنني أقارن بين زوجاتي الحاليات وزوجتي المتوفاة، نعم يوجد فارق شاسع من جميع الجهات والتصرفات.. إذا أتيت بالمحبة يوجد اختلاف كبير، إذا أتيت بالصبر هناك اختلاف كبير، إذا أتيت بالجمال كذلك هناك اختلاف كبير.. يعني الله المستعان.. كذلك كرهت الذهاب لأي مكان فقط ركزت على العمل والجلوس في البيت أمام الحاسب الآلي والتلفزيون وتركت القراءة وحلقات العلم واكتفيت بالذهاب إلى الوالدة فقط.. هناك أماكن كنت أحب الذهاب إليها أنا وزوجتي المتوفاة وأولادي مثل مكة المكرمة والمنطقة الشرقية وأماكن كثيرة في بلادنا، كل ما حاولت الذهاب لها مرة أخرى هذه الأيام أتاني خوف شديد بأنني ممكن ألا أشعر بالانبساط ويضيق صدري إذا ذهبت إلى هذا المكان بدون أم عبد الله - رحمها الله-.. لقد تقوقعت حول نفسي في الرياض منذ وفاتها وأيضاً ظلمت نفسي وأولادي معي.. مع العلم أنهم أحسن مني حالاً بنسيان أمهم.. لذا أتمنى أن تساعدني بعد الله وتدلني على العلاج والتصرف الصحيح.. أتمنى أن أبكي وأخرج العبرات المكنونة في صدري وأعيش حياتي الطبيعية وما تبقى من أيامي في هذه الدنيا على خير.

جزاك الله عني ألف خير وتقبل مني فائق الاحترام والتقدير.

- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..

أخي العزيز عظَّم الله أجرك وأعانك على مصابك، لا شك أن فقدان زوجة بمثل المواصفات التي ذكرتها يُعتبر حدثاً ليس من السهل تجاوزه والطبيعي في مثل هذه الحالة ليس فقط أن تشعر بالحزن بل وتعبر عن حزنك بشكل تلقائي.. فالحزن هو شعور إنساني أصيل ولنا في سيد البشر رسول الله صلى الله عليه وسلم نموذج أعلى نقتدي به، فقد حزن عندما فقد ابنه وعبَّر عن هذا الحزن بشكل واضح (إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون).

تقول أخي الكريم في رسالتك تعليقاً على وفاة زوجتك إنك لم تستطع البكاء عليها وإنك تتمنى أن تبكي وتخرج العبرات المكنونة في صدرك، كما أن حياتك بعدها لم تعد إلى سياقها الطبيعي فأنت تجد في نفسك حرجاً مثلا من الذهاب إلى الأماكن التي سبق أن ذهبت إليها معها أو العودة إلى ممارسة بعض أنشطتك السابقة كحضور حلقات العلم، وهذا برأيي يعود إلى عاملين أساسيين:

الأول: إحساسك بأنك أصبحت المسؤول الأول وربما الوحيد عن رعاية أبنائك، وأنك فقدت الشريك المساعد في رعايتهم ساهم في تعطيل انسيابية مشاعر الحزن لديك ومنعك من التنفيس الكامل عنها. وهنا يأتي دور الدعم الاجتماعي سواء من الأقارب أو أصدقاء تثق بهم وترتاح لهم بحيث تستطيع التعبير بوضوح عن كل ما يختلج صدرك من مشاعر وهموم متفرقة.

ثانياً: يبقى لدى الإنسان أحياناً بعض مشاعر الذنب أو التقصير في حق شخص يكن له حباً حقيقياً وصادقاً.. وحين يفقد هذا الشخص فإنه إذا لم يتعرف على هذه المشاعر ويتعامل معها بصدق قد يبدأ نتيجة ذلك باتخاذ بعض القرارات غير الصحية من الناحية النفسية.. فالانطواء أو التقوقع على نفسك كما وصفته.. وتجنب الذهاب للأماكن التي زرتها سابقا مع زوجتك -رحمها الله- بسبب خوفك من أنك ستشعر بالحزن وعدم الارتياح وقتها، قد يشير أيضاً إلى خوفك من حدوث العكس، بمعنى ماذا لو شعرت بالارتياح والسعادة وقتها.. ما الذي يعنيه هذا لك؟! هل يعزز الشعور بالتقصير تجاهها لأنك شعرت بنفس مشاعر الراحة والانبساط التي كنت تشعر بها مع أبنائك في نفس هذه الأماكن رغم عدم وجودها.. لهذا ربما أنت تتجنب الذهاب لهذه الأماكن لأنك تخشى المشاعر التي يمكن أن تعتريك وقتها أياً كانت طبيعتها.

كل هذا المزيج المتراكم من المشاعر وما سببه لك من ألم نفسي وتأثير على سلوكك يحتاج منك إلى استكشاف ومراجعة للتغلب عليه بشكل تدريجي، وأحياناً تكون البداية المناسبة هي أن تجبر نفسك على مواجهة المواقف أو السلوكيات التي تخشاها كالترتيب للسفر مع أبنائك إلى مكة مثلاً.. أو المنطقة الشرقية ومواجهة مشاعرك وقتها أياً كان نوعها، وهذا من شأنه أن يطرح عن كاهلك عبئاً نفسياً ثقيلاً، كذلك العودة إلى ممارسة حياتك الاجتماعية كما كنت في السابق، وليس الاكتفاء بالبقاء وحيداً أمام شاشة تلفاز أو كومبيوتر لأنك بذلك تصبح متلقياً سلبياً وتحرم نفسك من التفاعل الاجتماعي الحقيقي بكل مكاسبه النفسية.

أما إذا لم تتمكن من إجراء هذه التعديلات السلوكية أو استمرت معاناتك رغم ذلك كما هي فإنني أنصحك عندها بالاستعانة بمتخصص وإن كنت متفائلاً بقدرتك -بإذن الله- على تجاوز هذه الأزمة مع الوقت شيئاً فشيئاً دون الحاجة إلى زيارة عيادة متخصصة.

أعانك الله ودعواتي لك ولأبنائك بالتوفيق.

إضاءة

تعرَّف على نقاط قوتك لتعزيزها.. وتعرَّف على نقاط ضعفك لتصحيحها.

دكتوراه في الطب النفسي
كلية الطب ومستشفى الملك خالد الجامعي - الرياض


e-mail:mohd829@yahoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد