Al Jazirah NewsPaper Thursday  26/03/2009 G Issue 13328
الخميس 29 ربيع الأول 1430   العدد  13328
مكانة الشيخوخة في المجتمع!!
د. زيد بن محمد الرماني

 

يتجه مفهوم المسنين في الوثائق الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة إلى التعبير عن عملية مستمرة من التغيُّرات التي تصاحب المرحلة الأخيرة من حياة الإنسان، أكثر منها تعبيراً عن فترة ثابتة محددة من حياته.

ويشير الاتجاه العام إلى أن المسنين هم فئة السكان التي تبلغ ستين عاماً فأكثر، والتي ترتبط في كثير من الأحوال ببداية التقاعد الرسمي عن العمل.

بَيْد أنه يلاحظ أن تحديد فئة المسنين، وبالتالي البيانات الإحصائية الخاصة بهم، قد يبدأ في بعض الدول النامية ومنها غالبية الدول العربية، بستين عاماً فأكثر، بينما يبدأ في كثير من دول العالم بخمسة وستين عاماً، وهو العمر الذي تستند إليه المقارنات الدولية.

لقد ظلت فئة المسنين إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية لا تجد اهتماماً كافياً على مستوى البحوث العلمية من ناحية، والسياسات والبرامج الاجتماعية من ناحية أخرى.

ومع إدراك بعض دول العالم، وبخاصة الدول الصناعية المتقدّمة، لتزايد أعداد هذه الفئة، وبالتالي تزايد نسبتها في الهيكل السكاني والتداعيات الاجتماعية والاقتصادية لهذا الوضع، تصاعد الاهتمام بالمسنين، وهذا الاهتمام كان له مظاهره على مستوى البحوث والدراسات الاجتماعية وعلى مستوى السياسة الإنسانية.

إنّ الطرح المعاصر لقضايا المسنين، لا يستند إلى اعتبارات إنسانية فحسب، وإنما يستند إلى اعتبارات تتعلَّق بعملية التنمية الاجتماعية والاقتصادية بالأساس.

يترتب على ذلك أن الاهتمام بالمسنين ليس مجرد اهتمام بفئة عمرية أو اهتمام بدراسة تغيّرات ديموغرافية واحتياجات سكانية، لكن أبعد من ذلك بكثير.

إذ نحن نتحدث عن ظاهرة متحرِّكة ودينامية، تترتب عليها مسؤوليات اجتماعية واقتصادية تنعكس على عملية تخصيص الموارد، كما تترتب عليها آثار عميقة على عملية التنمية؛ وذلك بخروج شريحة سكانية من سوق العمل وتداعيات ذلك على الموارد البشرية والاقتصادية.

إن علماء الاجتماع لا يهتمون عادة بالنمط الفردي للشخصية إلا في إطار التفاعل الاجتماعي الكلي للجماعة الإنسانية.

يقول الدكتور يحيى الحداد أستاذ الاجتماع بجامعة البحرين في ورقة بحثية له بعنوان (التخطيط الاجتماعي لرصد وتلبية احتياجات كبار السن: المسن سوسيولوجياً هو مكانة لها حدودها في سياق الجماعة يمارس أو لا يمارس أدواراً معينة يحكمه دوماً ما يعرف بالفعل الجمعي والعلاقات الاجتماعية.

ثم إن الشيخوخة هي ظاهرة اجتماعية نبعت من الجماعة، فهي التي أطلقتها بمواصفات معينة على أفراد عجزوا عن أداء أدوارهم الاجتماعية، ليتّسم طابع حياتهم بما أسماه بارسونز بالاغتراب الاجتماعي، أو ما أسماه كولي بالهوامش الاجتماعية.

وللأسف فإن الشيخوخة عند بعض علماء الاجتماع المحدثين هي نوع من الإعاقة الاجتماعية والتي لا بد أن تفتقد الشعور بالقيمة والمساواة والمكانة في سياق تجمع تحكم معايير القوة والكفاءة وتعتمد على ما بقي في المجتمع من قيم وعادات وتقاليد أو ما يسميه تونيز بالنسق القيمي.

بيْدَ أننا نؤكِّد أن المسن في شريعتنا السمحة جَدَّاً كان أو أباً أو أخاً أو عماً أو خالاً كائناً ما كان له من المهابة والتقدير والاحترام والإجلال والبرِّ والإحسان الشيء الكثير والقدح المعلَّى حقاً واجباً.

ونصوص القرآن الكريم وأحاديث رسولنا صلى الله عليه وسلم الرحمة المهداة شواهد حق ونبراس عدل على مكان الشيخ والمسن.

واقرأ إن شئت قوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُف وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا} (سورة الإسراء 23).

واسمع إن شئت قوله عليه الصلاة والسلام: (ليس منا من لم يوقِّر كبيرنا ويرحم صغيرنا) حديث شريف، بل لقد جعل الله عزَّ وجلَّ الجنة تحت أقدام الأمهات، لفضلهن وشرفهن ومكانتهم. فالله الله في المسنين.

- عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد