Al Jazirah NewsPaper Saturday  04/04/2009 G Issue 13337
السبت 08 ربيع الثاني 1430   العدد  13337
التربية البدنية والرياضة المدرسية لكلا الجنسين.. إلى أين؟!
د. فوزية البكر

 

تأمل الموقف الاجتماعي من ما نسميه تبسيطا رياضة وبمختلف أشكالها والذي سيقودنا إلى طرح تساؤلات مثيرة تفتح نوافذ تعليمية وثقافية أكثر مما قد نتصور. اسال نفسك: ماذا تعني الرياضة لك؟ سيرد معظمنا أنها تعني تشجيع الهلال أو النصر أو الاتحاد أو الأهلي أو الشباب وغيرهم من أندية المناطق. أنها قد تعني أيضا لقسم من الشباب الذكور ممارسة لعبة كرة القدم مع مجموعته في إحدى

الاستراحات، أو إذا كثرنا في أحد الأندية التي تتواجد لبعض الفرق الرياضية في المدن الرئيسية. خلاف ذلك فالرياضة مغيبة من حياتنا اليومية إلا من خلال قدرة الأشخاص من سكان المدن الكبيرة على دفع الرسوم العالية (نسبياً) لبعض الأندية الخاصة رجالاً ونساء، وهو ما نفعله (نحن من نستطيع) لممارسة بعض أنواع الرياضات متى ما تهيأ لنا ذلك وقتاً ومالاً، لكن ما نتحدث عنه هو أعمق من ذلك بكثير.. إنها عالم كامل من التربية البدنية والأنشطة الرياضية يتداخل مع البيئة المدرسية ومع المجتمع المحلي ويصبح مركز الاستقطاب لكل فعاليات المدرسة والأسرة والمجتمع على مستوي الحي والمنطقة ثم الدولة كما هو موجود فعلا في كل أنظمة التعليم المتقدمة.

المشكلة، أن الحديث حين يتناول الرياضة في المدارس، وخاصة حين نكتب عنها نحن النساء فهو يتناولها فقط من حيث غيابها بالكامل عن مدارس البنات لتفسيرات ثقافية محملة بإرث قبلي وتقليدي لا علاقة للدين به.. وهو أمر صحيح، ويجب أن نستمر في مناقشته حتى سقوط الأقنعة، لكن في ذات الوقت لنتذكر أن الرياضة وحتى في مدارس البنين لا تعني أكثر من حصة واحدة أسبوعياً (وربما أكثر قليلاً في بعض المدارس) كما أنها قد تعني بعض الأنشطة لبعض الطلبة من الذكور صباح يوم الخميس لكنها ليست قضية جوهرية توفر لها المدرسة جزءا أساسيا من ميزانيتها، وتعمل على إشراك الطلبة والمعلمين والأهالي، كما أنها ليست ثقافة متكاملة تبني عليها الأسرة حياة طفلها بعد عودته من المدرسة..

لدي صديقة فلبينية عادت إلى بلادها بعد سنوات من وجودها في المملكة، وتكتب لي من هناك كيف أن ابنتها لا تعود من المدرسة إلا في وقت متأخر جداً نظرا للأنشطة الممنهجة اللاصفية التي أشركتها فيها وتتيحها المدرسة وترعاها كجزء من نشاطها التربوي؛ فتمارا (وهذا اسم الابنة) وهي في المرحلة المتوسطة دخلت في نشاطات لعب الكرة التي تعني منافسات على مستوى المدرسة ومستوى الحي ثم الأحياء الأخرى ثم المدن الأخرى، وربما تتمكن المدرسة من عقد منافسات مع دول أخرى، وكل ذلك برعاية المدرسة وجمعية الأهالي النشطة داخل المدرسة، ثم رعاية وزارة التربية؛ حيث إن كل ذلك جزء من النظام المدرسي، كما أن الابنة تمارا إلى جانب كل ذلك نشطة في جمعية المناقشات Debate group داخل المدرسة والذي يعني بتنمية مهارات الحوار والاستماع وكتابة الملخصات وعرض القضايا وتعلم نظام الأمم المتحدة ونظام الجمعية العامة فيه وحصة الدول ووقتها عند عرض قضايا وهي كذلك عضو في جمعية طلاب الأعمال التي تمارس خيالياً بعض الأنشطة التجارية من عقد عقود ودراسة الأنظمة واستدانة من البنوك وفهم لنظام الفوائد والضرائب في البلد كما أنها عضو في جمعية الدراما للتمثيل لتعلم أهم مسرحيات شكسبير وتعلم فنون الإخراج والإضاءة والديكور وهي بعد كل ذلك لا تزال تذهب بعد عودتها من المدرسة إلى دروس خاصة للتدرب على البالية ودروس أخرى في السباحة المهارية للدخول في مسابقات على مستوي المنطقة!!

وهكذا: كيف سيجد طفل في بيئة ثرية كهذه وقتاً للبقاء أمام البلاي ستيشن أو النت أو الدخول في المخدرات أو الإرهاب كما: هل سيحتار حين يكون في المرحلة الثانوية في ماذا يختار من تخصص وهو قد مر بكل هذه التجارب. وبالطبع ما تذكره هذه الصديقة ليس وقفا على مدارس دولة محدودة في إمكاناتها المادية، مثل الفلبين ، بل هو حقيقة وجزء من النظام المدرسي في كل أنحاء العالم المتقدم.

ممارسة الرياضة البدنية والنشاطات المدرسية المصاحبة يجب أن تكون جزءا أساسيا من العملية التعليمية داخل المدرسة، وليس كما نسميها أنشطة لا صفية أي ليست بأهمية مادة الرياضيات أو اللغة أو الدين. هي بذات الدرجة من الأهمية كالمواد الأساسية لما تحققه من فوائد أساسية تشمل كافة العمليات الجسمية والعقلية والوجدانية. وفي دراسة أخيرة نشرتها مجلة البحوث في المجالات التربوية (Research Papers in education) عدد مارس 2009 رقم 24 وأجراها عدد من الباحثين البريطانيين لمراجعة نتائج بحوث كثيرة حاولت تتبع أثر التربية البدنية والمدرسية، وهو ما يعرف اختصارا، ب PESS على نمو التلاميذ الجسمي والاجتماعي والعاطفي والعقلي والأكاديمي حيث ظهر من الدراسة المذكورة أن التربية البدنية تؤثر بشكل كبير على هذه النواحي لنمو التلميذ وخاصة للصغار واليافعين ذكوراً وإناثاً. ومن حيث أثرها في النمو الجسمي والحركي، فمن غير المستغرب بالطبع أن تثبت البحوث أثر التربية البدنية والرياضات المختلفة على نمو وتدريب المهارات الحركية والقدرات الجسمية بشكل عام والتي هي أساسية لنمو الإنسان كبالغ من الناحية الجسمية.

من الناحية الاجتماعية وجد أن الرياضة البدنية تساعد على تنمية العديد من المهارات الاجتماعية مثل مهارات القيادة ومهارات صنع القرار والقدرة على إقامة علاقات اجتماعية ومعالجة المشكلات المرتبطة بهذه العلاقات بشكل إيجابي ومن الناحية العاطفية أظهرت الدراسات أن الانغماس في ممارسة الأشكال المختلفة للتربية البدنية والرياضات المدرسية يؤثر بشكل إيجابي على النمو النفسي والعاطفي للتلميذ رغم أن البحوث لم توضح بطريقة كافية الكيفية التي تتحقق بها أوجه النمو المذكورة، كذلك على مستوى النمو العقلي والأكاديمي (cognitive) وجد أن التربية البدنية تساعد الأطفال على تحقيق درجة أعلى من التركيز والقدرة على الوصول للنتائج مما ينعكس بشكل إيجابي على مهاراتهم وأدائهم الأكاديمي.

على أية حال، فإن الكثير من هذه الفوائد لا تتحقق فقط من خلال توفير أنواع مختلفة من الرياضات وإنما و-كما ظهر من الدراسة المذكورة- فهي تعتمد بشكل كبير على المفاهيم والفلسفة التربوية المرتبطة بالبرامج التعليمية المطروحة في المدرسة والمجتمع المحلي، وكيف ترتبط بعضها ببعض وما يترتب على ذلك من تطبيقات.

مالذي نحاول أن نقوله هنا؟

إن التعليم لا يكون بوجود الطالب في الفصل الدراسي لتعلم المهارات المعرفية المختلفة رغم أساسيتها لعملية التعلم والتعليم.. لكن بجعل المدرسة هي المحور الذي تدور حوله حياة الطالب والأهل والحي الذي توجد فيه المدرسة عن طريق خلق هذا النظام المتكامل من الأنشطة الرياضية والمدرسية التي تلبي احتياجات الطلاب والطالبات المتنوعة وهو الأمر الذي أرى أنه يمثل أحد الأذرع المكسورة لنظامنا التربوي الذي لم يستطع حتى الآن أن يستجيب للاحتياجات المتغيرة لهذه الأجيال، ولفكرة التغير الدائم في الرؤى الفلسفية لعملية التعليم التي تقتحمنا من كل حدب وصوب.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد