Al Jazirah NewsPaper Monday  06/04/2009 G Issue 13339
الأثنين 10 ربيع الثاني 1430   العدد  13339
الرئة الثالثة
ماذا يأخذُ الموظفُ.. وماذا يُعطي؟!
عبدالرحمن بن محمد السدحان

 

الحديثُ عمَّا يعطي الموظف وما يأْخذُ، أمرٌ لا تكاد تملُه الألسنُ والأسماعُ ولا يغادرُ ذكرهُ أعمدة الصحف، البعض يتحدث أو يكتب عن الموضوع بلغة يخالطها شيء من الحقِّ والعَدل، والبعضُ الآخر يرهقُ نفسه، ناهيك القارئ أو المستمع، بالغلوِّ آحادياً، إما انحيازاً للموظف أو تحاملاً عليه، بلا حقّ ولا عدل في كلا الحالين!.

**

* وأتذكر في هذا المقام سؤالاً طرحه عليّ ذات مرة صَحفي مجتهدُ، تشف نبرة سؤاله عن نزعة الغلوِّ في نصرة الموظف، فكتبتُ له رداً طويلاً أقتبس منه بعض الفقرات، حيث قلتُ (مع شيء من التصرف):

* يفْتقرُ السُّؤالُ بدْءاً إلى شيءٍ من الانصاف، صيَاغة ومضموناً، حين يُوردُ ألفاظاً ذات دلالات متعددة، تعبر عن موقف موظفٍ ساخطٍ افترض واضعُ السؤال أنه (يعطي) الكثير، و(يأخذ) القليل لقاءَ عمله، وهو يوعزُ بوجود (تقصير) من نوعٍ ما في معاملة الموظف.. من طرفٍ واحد، ويتجاهل في الوقت نفسه مهمة البحثِ عمَّا إذا كان شُعورُ الموظف بالغبن أو (عدم الرضى) أمْراً يرتبطُ به شخصياً، أمْ بمنْظومة العمل الذي ينْتَمي إليه، أمْ بالأنظمة والإجراءات والقواعد المقننة لوضْعه، أخْذاً وعَطَاءً!

**

* إذاً، فعلّة هذا السؤال تكْمن في غيابِ الحَيْدةِ الموضوعيةِ فيه، وقبْلَ أن أخوض في متاهة الردِّ عليه، أودُّ أن أقررَ أمرين:

أولهما: لا مجال لرفض المقولة بأن هناك موظفين (يعطون) استثناءً أكثر مما (يأخذون)، والعكس صحيح! أما إذا سيقتْ هذه المقولة بقصد (التعميم) لفرضيةٍ تمسُّ في الأصل فَرْداً أوْ أفراداً من الناس، فإنّ في ذلك (تفريطاً) ينكرُه الحسُّ القويم!

**

* وثانيهما: أن مقولةَ (الرّضى الوظيفي) مسألةٌ نسبية القياسِ، متفرعةُ الظواهر، مخْتلفةُ النتائج.. تَبَعاً لاختلاف الافرادِ أنفسهم. فما (يرضي) زيْداً من الموظفين قد (يُشقي) عمْرواً، وما (يُشبعُ) وجدان نفرٍ منهم قد يحبط وجدان قوم آخرين، هناك مثلاً من قد (يوظفُ) الزلفىَ بالقول أو العملِ تقرباً من ذي جاه كي يحرزَ منه منافع عاجلةً أو آجلةً، في وقت يُنْكرُ آخرون هذا الصِّراط، ويرون فيه هّدْراً لكبرياء الإنسان، مُصطفين الاعتماد بعد الله على أدائهم، وعلى حكمة وعدل من بيده القرار في التعرف على هذا الأهداء شكلاً ومضموناً، وتحديد صيغة (الجزاء) الملائم لذلك الأداء.

**

* أعودُ الآن إلى مضمون السؤال الذي بدأتُ به هذه المداخلة فأقول: إن بعضَ الناسَ يظلمون الوظيفةَ والموظفَ معاً، إذا قرنوا عائد (الثواب فيها بمعيار المال فقط، واعتبروه سبب رضى الموظف أو شقائه. وأتساءل بدوري: هل المالُ وحده هو المسيرُ للأداء المتميز في كل حال، أم أن هناك اعتباراتٍ أخرى لا تُشترى بالمال ولا تفتدى به تدخل في صَياغة الأداء وفاعليّته؟

**

* ألا يمكنُ النظر مثلاً إلى ارتباط الموظفِ بعملٍ يوقظ فيه الشعورَ بالإبداع، والرغبة فيه، والتوْق إليه؟ ويوفرُ له الحد الأدنى من احترام الذات، وتقدير الآخرين؟!

**

* لستُ (رُومانسياً) إلى الحد الذي يدفعني إلى (تهميش) قيمة العائدِ المادي في حياة الموظف، راتباً كان أمْ حافزاً مادياً، وتأثيرهما على أدائه سلباً أو إيجاباً! لكنني أعترضُ على منح المال سلطة (عصا موسى) التي فلقت البحر بأمر ربها إعجازاً!

**

أخيراً.. احْسَبُ أنَّ الموظف الكفء يفرضُ وجوده، والكسولَ لا يأتيه من كسله سوى كساد اليدِ، وافلاسِ النفسِ! والأصلُ الثابتُ هو أن المغانم المشروعة لا تؤخذ إلا غلاباً، عبر الجهد المنظم، والعقلانية الجادة، والنفسِ الآمرة، ما هو فاضل وجميلُ، وما عدا ذلك فاستثناءُ لا ينفي القاعدةَ ولا يضيرُها!




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد