Al Jazirah NewsPaper Monday  06/04/2009 G Issue 13339
الأثنين 10 ربيع الثاني 1430   العدد  13339
تقرير حقوق الإنسان.. جرأة موضوعية
د. عبدالرحمن الحبيب

 

في الأسبوع قبل الماضي صدر التقرير الثاني لأحوال حقوق الإنسان بالمملكة للجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، وكان التقرير الأول صدر عام 2006م، وقد تركَّز على الجانب النظري والتوعية بالحقوق والقوانين والأنظمة المحلية والاتفاقات الدولية، إضافة لرصد الوضع الحقوقي بالمملكة..

أما التقرير الثاني فقد تركز على التشخيص المباشر للواقع والتعرف على ما حدث من تطورات في بعض المجالات التي تم التطرق لها في التقرير الأول وتحديد مدى التحسن أو التراجع أو بقاء الوضع على ما هو عليه. والتقرير مبني على وثائق أو مستندات مسجلة عبر حالات وقفت عليها الجمعية من خلال الرصد الميداني أو الشكاوى، إضافة إلى ما تبثه وسائل الإعلام..

وتوزع التقرير في ثلاثة أقسام رئيسة؛ بحث الأول في الأنظمة والتشريعات المتعلقة بحقوق الإنسان، والحقوق الغائبة التي تحتاج إلى تشريع لحمايتها. وقد تناول نظام القضاء وديوان المظالم ونظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية ونظام المرور. وتناول الثاني الأجهزة الحكومية ذات العلاقة بالحقوق؛ وهي مجلس الشورى والجهاز القضائي ووزارة الداخلية وهيئة التحقيق والادعاء وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهيئة حقوق الإنسان. فيما تطرق الثالث إلى الواقع والممارسات في القضايا الحقوقية كحقوق المرأة والطفل والحق في المشاركة وفي التعبير عن الرأي ومكافحة الفساد والأوضاع المعيشية والصحية والتعليمية والسجون والسجناء.

وفي القسم الأول أشاد التقرير بظهور أنظمة لحماية وتعزيز حقوق الإنسان خصوصاً نظام القضاء ونظام ديوان المظالم اللذين عدهما من الطفرات التنظيمية بالمملكة، موازية بذلك صدور الأنظمة العدلية الثلاثة قبل بضع سنوات (الإجراءات الجزائية، المرافعات الشرعية، المحاماة). إلا أنه انتقد العديد من التفاصيل الإجرائية في بعض مواد الأنظمة مثل تلك المتعلقة بالتفتيش القضائي وآلية اختيار القضاة التي يعيب عليها التقرير عدم خضوعها لقواعد واضحة تضمن العدالة والموضوعية والكفاءة في الاختيار.

وبالنسبة للقضاء في القسم الثاني، لاحظ التقرير وجود بطء في التنفيذ لمشروع تطوير وتحديث الجهاز القضائي المدعوم من خادم الحرمين الشريفين، مقارنة بتطور ديوان المظالم. ودعت الجمعية إلى مزيد من الضمانات اللازمة لاستقلال القضاء وتطويره كماً وكيفاً.. وقد رصدت الجمعية استمرار بعض الانتهاكات لضوابط المحاكمة العادلة، مثل عدم التقاضي العلني، ومثل عدم حصول المرأة في بعض الحالات على حقها بالتقاضي بسهولة، بسبب عدم حمل بعض النساء لبطاقة الأحوال، أو عدم اعتراف بعض القضاة بها.

وأشاد التقرير بوزارة الداخلية وعدها أكثر الجهات تواصلاً مع الجمعية، لكنه أيضاً أشار إلى وجود شكاوى عن تجاوزات مثل انتزاع الأقوال بالإكراه، وخلص إلى ضرورة وجود جهة محايدة للتحقيق في هذه الدعاوى.. وقد رصد التقرير تجاوزات كثيرة لنظام الإجراءات الجزائية.. وأشاد التقرير، أيضاً، بهيئة التحقيق والادعاء، ولكنه أيضاً أوضح تلقيه لشكاوى مثل عدم تمكن المتهمين من لقاء أعضاء الهيئة، وعدم التمكن من توكيل محام، ورأى التقرير أن ذلك قد يرجع إلى قلة عدد موظفي الهيئة.

أما هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقد لا حظ التقرير أنها تتمتع بسلطات واسعة غير محددة مما يخشى من ارتكاب تجاوزات على حقوق الأفراد، وهذا ما حدث فيما رصده التقرير من حالات نتج عنها وفيات وقيام دعاوى على منسوبي الهيئة أمام المحاكم؛ كما رصدت وسائل الإعلام الكثير منها. وقد غطت الجمعية الكثير من التجاوزات مثل الاعتداء وانتزاع الاعترافات بالإكراه أو الإغراء وتفتيش الممتلكات الخاصة.. الخ، وذكر التقرير أنه عندما تكررت هذه الحوادث صدر تعميم يحدد صلاحيات منسوبي الهيئة والالتزام بنظام الإجراءات الجزائية، كما أصدرت رئاسة الهيئة تعليمات تشدد في ذلك.. ولكن يرى التقرير أن كل ذلك رغم أهميته غير كاف دون تعديل لنظام الهيئة بما يضمن صيانة حرية الناس وحقوقهم..

في القسم الثالث ابتدأ التقرير بموضوع المرأة وأعطاه أكبر مساحة مقارنة بالمواضيع الأخرى، وأشار التقرير أن هناك تحسنا واضحا في وضع المرأة في المملكة.. وأوضح أن الأنظمة التي تكفل حقوقها موجودة غالباً إلا أن الخلل في التطبيق أو في سوء التفسير لها خصوصاً التي تنتقص من أهلية المرأة ومن شخصيتها القانونية بشكل يخالف الشريعة الإسلامية، خاصة استئذان وليها في مسائل ليست من حقوقه، مثل جميع أشكال الولاية في المعاملات المالية، أو طلب موافقة الولي للسماح لها بالتعليم أو العمل..

ورأى التقرير ضرورة تحديد بعض المصطلحات وفقاً للرأي الراجح في الفقه الإسلامي، منعاً للتجاوزات التي تتعرض لها المرأة مثل مصطلح الاختلاط، الخلوة غير الشرعية، الحجاب الشرعي، الحالات التي تتطلب وجود ولي للمرأة.. ونوه التقرير إلى أهمية تعديل بعض الأنظمة التي بها نزعة تمييزية ضد المرأة وانتقاص لشخصيتها القانونية مثل اشتراط موافقة ولي الأمر للحصول على بطاقة الأحوال المدنية وجواز السفر وفتح حساب في البنك، مما يعني حرمانها من مباشرة حقها في التصرف.

وفي موضوع الطفل أوضح التقرير أن حقوقه الأساسية محمية، لكن بعض حقوقه الأخرى لا تزال تتعرض للانتقاص مثل تلك المتصلة بأسرته أو والديه وحقه في الحصول على الجنسية منذ ولادته. كذلك عدم تحديد سن الرشد أو الأهلية، خصوصاً المسؤولية الجنائية، ورأى التقرير أن الأنسب هو 18 سنة وفقا لاتفاقية حقوق الطفل..

وفي قضايا الإصلاح والمشاركة كالمجالس البلدية المنتخبة وهيئة الصحفيين ومركز الحوار الوطني..الخ، ذكر التقرير أن العام المنصرم لم يشهد تطورات تذكر.. وشكر التقرير خادم الحرمين الشريفين وولي عهده على دعمهما للجمعية واستقلاليتها مما مكنها القيام بمهامها.. وأشاد التقرير بالتطورات الإيجابية في الإعلام وتنامي الشفافية، ولكنه تأسف بما حدث بمن بعض الإجراءات المتشددة التي حدت من حرية التعبير، مثل إيقاف صحف لأيام أو منع صحفيين من الكتابة..

وبعد تعرض التقرير لبقية المواضيع التي أشرنا إليها في البداية، يصل إلى الخاتمة موضحاً أن حال حقوق الإنسان في المملكة شهد نوعاً من التطورات الإيجابية إلا أن ذلك لم يمنع من وجود تجاوزات في التشريع أو الإجراء أو الممارسة، ثم طرح التقرير توصياته متمنياً من الجهات الحكومية ذات العلاقة الأخذ بها..

اتسم التقرير بالوحدة المنهجية والترابط الموضوعي. فالمقدمة تضمنت كل عناصرها المنهجية من خلفية سابقة ومبررات وطريقة العرض. وتوزيع الأقسام الثلاثة في التقرير كان منطقيا موضوعيا، لأنه بدأ بالقاعدة وهي الأطر التشريعية والأنظمة، ثم انتقل لما يبنى عليها وهو بناء هذا الأنظمة داخل مؤسساتها كالجهاز القضائي، ثم انتهى إلى الواقع العملي عارضاً ومحللاً الممارسات مثل تلك التي تتصل بموضوع المرأة. وداخل كل قسم وزعت المواضيع بطريقة منطقية سلسة. إذن، التقرير التزم الضبط المنهجي. وهذا الضبط - ككل ضبط منهجي- ساعد التقرير على أن يتصف بصفات أساسية تجعل التقرير يفي بأغراضه كالموضوعية والمصداقية والشمولية.



alhebib@yahoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد