Al Jazirah NewsPaper Monday  06/04/2009 G Issue 13339
الأثنين 10 ربيع الثاني 1430   العدد  13339
بين الكلمات
واحلل عقدة من لساني..
عبد العزيز السماري

 

أمر يدعو للمراجعة والتأمل في واقعنا التعليمي، أن يعتقد المسؤول أن التقدم والتطور مرتبط بتعليم العلوم والرياضيات باللغة الإنجليزية في المراحل الإعدادية، وأن الطالب الذي يتحدث اللغة الإنجليزية بطلاقة هو المثال الجيد على الطالب المثالي في المدرسة، والمؤهل لإقتناص الفرص في التعليم المتقدم، وفي فرص العمل، في حين أن هناك دولاً عربية تراجعت عن تدريس العلوم الحديثة بلغة أجنبية في المراحل الإعدادية والمتوسطة، وأجلت تدريس اللغة الأجنبية إلى المرحلة الثانوية.

تونس التي تعرضت تحت الاحتلال للتفرنس قسراً تقف الآن بقوة في صف التعريب والترجمة، فالطالب التونسي منذ سنوات لم يعد يتعلم اللغة الفرنسية في المراحل الأولية، وتنصب الجهود التربوية هناك إلى الاعتماد على اللغة العربية فقط لتعليم مختلف العلوم في مدراسها الأولية والمتوسطة والثانوية، ويبدأ الطلبة في تعلم اللغة الأجنبية في المرحلة الثانوية، هذا بالإضافة إلى إعادة إحياء بيت الحكمة البغدادي في تونس وبدء عملية الترجمة من وإلى اللغة العربية.

لا يعني إتقان الطالب التحدث اللغة الإنجليزية بطلاقة وبلكنة أمريكية أنه أصبح مؤهلاً للإبداع أكثر من غيره، فموهبة تعلم اللغات وإتقانها لا تعني أكثر من قدرة محدودة في الدماغ، وأن الكثير من المبدعين في التاريخ أجادوا لأنهم كانوا يفكرون من خلال لغتهم الأم التي كانت تنصهر فيها العلوم بمختلف تخصصاتها.

تساعد الترجمة الفورية لمختلف العلوم أيضاً على فتح المجال للإنسان العربي للإطلاع على آخر المستجدات في إختصاصه ومصدر رزقه، ولوعي أكثر بصحته وحقوقه وبالظواهر العلمية التي لا تتوقف عن التطور والتقدم بصورة يومية.. كذلك تساعد ترجمة العلم الحديث على تسهيل مهمة تطوير المناهج العلمية باللغة العربية في المدارس، وإلى توحيدها في مختلف المدراس لئلا تتحول مخرجات التعليم إلى عملية فرز طبقي.. تعليم خاص متطور لأبناء النخب، وتعليم عام رديء لأبناء أولئك الذين لا يستطيعون إرسال أبنائهم إلى المدارس الأجنبية داخل المملكة.

تؤثر هذه الفجوة المعرفية سلباً على المزارع والمعلم والمهني والتقني، وأيضاً على المريض الذي يفتقد تماماً حقوق معرفة ما يستجد من علوم عن تلك الأدوية التي يصفها له الطبيب بلغة غير مفهومة، أو تلك الجراحة التي سيجريها له الجراح وغيرها من الإجراءات.. غياب هذه المعلومة يقلل من فرص إكتشاف الأخطاء الطبية، فالمريض مغيب تماما عن المعلومة، والطبيب لا يستطيع أن يؤدي مختلف الأدوار في قضية هو طرف فيها.

تؤدي ترجمة العلوم بكافة بمستجداتها الحديثة إلى اللغة العربية إلى تطور اللغة وإلى إتساع آفاقها، وإلى جعلها لغة مرنة وقادرة على استيعاب كل جديد، وهي بهذا التطور تفتح آفاقاً في عقل الإنسان العربي، فاللغة وعاء حضاري، ويكمن فيها السر الحقيقي وراء تفوق دول مثل كوريا والصين واليابان. والجدير بالذكر أن معظم الدول المتطورة يتم تناول العلم في مجتمعاتها بلغتهم الأولى.

كذلك يؤدي حصر اللغة العربية فقط بتعليم الدين والشريعة إلى تقسيم وعي المجتمع إلى ديني وغير ديني، وهو حاصل بالفعل، فالمغيبون عن العلوم الحديثة بسبب الفجوة اللغوية يظلون متقوقعين في ثقافة محدودة، وعاجزين عن فهم النخب الاجتماعية في المجالات الأخرى، والتي تلقت تعليمها الحديث باللغة الإنجليزية داخل أو خارج الوطن، وهو ما قد يؤدي إلى الانقسام، وإلى وجود طبقية معرفية، لا تلتقي إلا في أشياء محدودة، لكن تختلف في الرأي بشدة؛ نظراً لاختلاف المرجعية اللغوية أو الحضارية.

الإنسان العربي يعاني من عقدة في لسانه إذا أراد الحديث عن آخر ما يستجد في اهتماماته وتخصصه، ويعاني المتخصص من التأتأه عندما يشرح وجهة نظره من خلال منطق علمي بحت، ولن يكون حل هذه العقدة بتحويل المجتمع بمختلف أطيافه إلى ناطق باللغة الإنجليزية، لأن ذلك ينافي طبيعة الأشياء.

المجتمع العربي في أمس الحاجة لتوحيد الجهود العربية لإحياء بيت الحكمة من خلال منظومة عربية موحدة ومؤهلة للقيام بترجمة فورية لمختلف العلوم، ثم تقديمها للعامة وللمتخصصين بلغة عربية سلسة، وخصوصا ما يستجد في العلوم الأساسية في مختلف التخصصات العلمية، وأكاد أجزم أن تلكفتها المالية ستكون أقل بكثير مما يصرف على كثير من الأمور الثانوية والترفيهية في حياة الإنسان العربي.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد