Al Jazirah NewsPaper Monday  06/04/2009 G Issue 13339
الأثنين 10 ربيع الثاني 1430   العدد  13339
كوريا الشمالية ونوبة الغضب الصاروخية
يانغ سونغ تشول* - سول

 

مرة أخرى تعود التوترات إلى الارتفاع في مختلف أنحاء آسيا بشأن برنامج الصواريخ الكوري الشمالي. ولكن خلافاً لعمليات إطلاق لصواريخ (المفاجئة) السابقة، فقد قرَّرت حكومة كوريا الشمالية هذه المرة إخطار الهيئات الدولية مسبقاً بأنها سوف تطلق (قمراً صناعياً) في وقت ما بين الرابع والثامن من إبريل - نيسان. والسؤال المطروح أمام العالم الآن ليس ما إذا كان النظام الكوري الشمالي سوف يطلق صاروخه، ولكن ماذا قد يحدث بعد ذلك.

سارعت الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية إلى إدانة عملية إطلاق الصاروخ باعتبارها (عملاً استفزازياً) وانتهاكاً لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1718، الصادر في أكتوبر - تشرين الأول 2006م، بعد خمسة أيام من اختبار كوريا الشمالية لسلاح نووي.

ولكن بدلاً من التصريحات الساخنة، فإن المطلوب الآن هو التقييم الرزين للآثار العسكرية المترتبة على إطلاق الصاروخ. فإذا ما حاولت اليابان أو الولايات المتحدة أو غيرهما اعتراض الصاروخ فمن المرجح أن يؤدي ذلك إلى توترات عسكرية - بل وربما حرب محتملة. وعلى هذا فإن الشغل الشاغل لحكومات المنطقة الآن لا بد أن يتلخص في التفكير في كيفية منع التدابير العسكرية والتدابير المضادة غير الضرورية. وفي المقام الأول من الأهمية، لا ينبغي لنا أن نسمح للمحادثات السداسية (بين الصين، والولايات المتحدة، واليابان، وروسيا، وكوريا الجنوبية، وكوريا الشمالية) الرامية إلى إنهاء البرنامج النووي الكوري الشمالي بالتحول إلى ضحية لإطلاق الصاروخ.

في التعامل مع كوريا الشمالية، يتعين علينا أن نتناول قضيتين أساسيتين. أولاً، ورغم أن الحكومات لديها ما يبرر انتقادها لسلوك كوريا الشمالية المتهور الهدّام المدمر للذات على مدى سنوات عديدة، بما في ذلك العديد من الأعمال غير الإنسانية التي ارتكبت ضد شعبها، إلا أن كوريا الشمالية ليست وحدها المسؤولة عن (غضبتها الصاروخية).

الحقيقة أن سلوك إدارة بوش الأحادي، بما في ذلك تفكيك إطار العمل الذي تم الاتفاق عليه في جنيف في عام 1994 مع كوريا الشمالية والمبالغة في تضخيم صفقة اليورانيوم المخصب وخطاب (محور الشر) السيئ السمعة، كان سبباً في استفزاز جنون النظام المصاب بجنون الشك والاضطهاد بالفعل. وكذلك لا بد أن تتحمل السياسة الخارجية التي انتهجها الرئيس السابق بوش في التعامل مع كوريا الشمالية، وخاصة أثناء ولايته الأولى، نصيبها العادل من المسؤولية عن الفوضى الحالية.

لا ينبغي لنا أن نتصور أن النظام الشيوعي الشمولي في كوريا الشمالية قد يتغير بين عشية وضحاها. وليس بمقدور أحد في الداخل أو الخارج أن يزيل نظام شيوعية السلالة الحاكمة هناك، وليس لأحد من الخارج أن يحلم بالتعديل السريع للسلوك السياسي لبيروقراطييها المتحجرين سواء في المؤسسة العسكرية أو الحزب الشيوعي أو الإدارة ككل. وهذه هي الحقائق الباردة في كوريا الشمالية اليوم.

ولكن الحقائق الباردة ليس بالضرورة أن تتحول إلى حرب ساخنة. والحقيقة أن فكرة اندلاع حرب في شبه الجزيرة الكورية لا بد أن تكون غير واردة على الإطلاق، وذلك نظراً للمستويات المروّعة من الخسائر في أرواح البشر والتي من المرجح أن تسفر عنها حرب كهذه. وحتى مجرد التفكير في مثل هذا الاحتمال يشكل دليلاً دامغاً على فشل الدبلوماسية وليس انتصاراً للزعامة الحقيقية.

فضلاً عن ذلك فإن عدم توافق الزعامات كان دوماً من العقبات الرئيسية التي حالت دون التوصل إلى حل لمشكلة أسلحة الدمار الشامل التي تمتلكها كوريا الشمالية، ناهيك عن الإجابة على السؤال الحاسم بشأن إمكانية توحيد الكوريتين. فمنذ نشوء نظامين منفصلين في شبه الجزيرة الكورية في عام 1948م، لم تتعامل كوريا الجنوبية والولايات المتحدة (حليفتها الدفاعية الوحيدة) إلا مع (زعيمين مطلقين) فقط، كيم إل سونج وكيم جونج ايل. وأثناء نفس الفترة تعاقب على رئاسة كوريا الجنوبية عشرة رؤساء وعلى رئاسة الولايات المتحدة أحد عشر رئيساً.

وعلى مدى الأعوام العشرة الماضية ظل ثلاثة من رؤساء كوريا الجنوبية وثلاثة من رؤساء الولايات المتحدة يبذلون المحاولات للتعامل مع نفس الزعيم (الأبدي) - كيم جونج ايل. ومن منظور كيم فإن مواجهة مثل هذه التغير في الزعامات، وما يترتب على ذلك من التضارب في المخططات والسياسات، أمر محير ويصعب استيعابه. فعلى الجانب الكوري الجنوبي فقط كان عليه أن يتعامل مع (سياسة الشمس المشرقة) التي تبناها كيم داي جونج، ثم مع دبلوماسية روه مو هيون المترددة، ثم موقف المواجهة الذي يتبناه الرئيس الحالي لي ميونج باك. وعلى جانب الولايات المتحدة عاصر كيم جونج ايل سياسة التواصل التي تبناها بِل كلينتون، وسياسة المواجهة الأحادية التي تبناها جورج دبليو بوش، والسياسة الناشئة القائمة على (التواصل المستند إلى مبادئ محددة) والتي يتبناها باراك أوباما حالياً.

وكان هذا النوع من عدم الاتفاق بين القيادات من الأسباب التي أدت أيضاً إلى تعكير صفو العلاقات بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة. كما كان التضارب بين فترتي رئاسة مدة كل منهما أربعة أعوام في الولايات المتحدة وبين فترة رئاسة واحدة مدتها خمسة أعوام في كوريا الجنوبية سبباً في بعض الأحيان في إثارة المشاكل، وكانت السياسات المتعاقبة في التعامل مع كوريا الشمالية من جانب الإدارات المختلفة في الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية تتضارب في كثير من الأحيان. وفي أعقاب كل تصادم كان على كل من الجانبين أن يهدر قدراً عظيماً من الوقت والجهد في التوصل إلى الإجماع على سياسة مشتركة في التعامل مع كوريا الشمالية، الأمر الذي كان يعني تصور النظام المعزول في الشمال لكافة أشكال نظريات المؤامرة. وتتزايد المسألة الكورية إرباكاً واستعصاءً حين يحدث تغيير في قيادات أطراف أخرى معنية في المنطقة، مثل الصين واليابان وروسيا، كلما دخلت في المعادلة السياسية.

كانت النتيجة بعيدة الأمد التي ترتبت على كل هذا التأرجح بين الانخراط في الحوار والوصول إلى طرق مسدودة، وهو ما أدى إلى فترات من المشاركة غير المؤكدة أو المواجهة الساخنة. ولكسر هذه الحلقة المفرغة العقيمة فإن الأمر لا يتطلب المزيد من التصريحات الساخنة بشأن صواريخ كوريا الشمالية، بل الالتزام بالدبلوماسية الثابتة الصبورة القادرة على التغلب على التغيرات الطارئة على الدورة السياسية. ولا ينبغي لنا أن نتخيل وجود علاج سريع لتشابك العقدة الكورية، بل بالمثابرة والالتزام فقط تتحقق الغايات.

***

يانغ سونغ تشول رئيس اللجنة الاستشارية لمؤسسة كيم داي جونغ للسلام، والسفير الكوري السابق إلى الولايات المتحدة، وهو مؤلف كتاب (النظام السياسي في كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية: تحليل مقارن).

خاص (الجزيرة)



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد