Al Jazirah NewsPaper Thursday  09/04/2009 G Issue 13342
الخميس 13 ربيع الثاني 1430   العدد  13342
لما هو آت
طرفا المنحدر للنبع..!
د. خيرية إبراهيم السقاف

 

المنعرَجُ للنَّبْعِ منحدِر في يباب، الفلاّحة الصينية تحمل جرتين للسقيا، تستعين لحملهما على ضعف بنيتها، وطول المسافة بقطعة خشبية مستطيلة تصل كتفها الأيمن بالأيسر، وبحبل سميك تلفه حول عنقي الجرتين وتدليهما بالحبل الموثق بطرفي الخشبة على كتفيها.. تذكرانني بالسقّاء الذي يجلب المياه من الآبار في الحواري الكثيرة المتاخمة لبيوت الجيران في الأحياء السكنية في حياة أجدادنا، عندما كانوا يجلسون إلينا ونتحلق من حولهم فيقصون علينا التاريخ في شبه حكايات وقصص مختصرة، لكنها لا تزال تعلق بالذاكرة نتعرف فيها حياتهم وأساليب معاشهم، ووسائلها, غير أن الاختلاف بين الفلاحة الصينية والسقاة في مكة هو البيئة وتركيبة الأبنية ولون الفضاءات من حول الساكنين، فبينما يعبر سقاة مكة بشوارع ضيقة متعرجة تفضي فيها البيوت إلى (البازانات) أي الآبار، يمتد المنحدر الهضبي بالفلاحة الصينية من مفرق المرتفع لفسحة النبع ذي الروافد الملتفة من حوله بالأعشاب الخضراء تمتد تداعب بسطة المعابر من حولها..

تنبهت الفلاحة الصينية إلى أن واحدة من جرارها مثقوبة تقطر الماء طيلة دربها من بؤرة الماء إلى بيتها الجبلي، لم تتخل عن جرتها المثقوبة، وداومت على السقيا..

وذات يوم سمعت جرتها المثقوبة تحدثها، حزينة تقول لها: أنا مثقوبة، ولست مؤهلة بما يجعلني أنقل الماء الذي أودعتني تاما بكل قطراته من النبع لحيث تريدين، هناك جرتك الأخرى تفي لك بكل قطرة، أنا أتعبك في حملي على كتفك، وثقتك في حفظ مائك، لكنني حزينة لا أستطيع إصلاح ما بي، لكن الفلاحة التي كانت تذهب وتعود عن طريق جاف يبابي لا مسحة خضرة فيه، أشارت لجرتها المثقوبة تطلبها أن تنظر للطريق الذي عند يمينها وهي عائدة كيف تبدل، اخضر وأينع بالزهور الملونة والثمار المختلفة، بينما الطريق عند عودتها على الجانب الأيسر لا يزال جافا لا نبتة فيه ولا زهرة ولا ثمرة..، تعجبت الجرتان، من الأمر، جلست الفلاحة الصينية تقول لهما: لا تحزني يا جرتي المثقوبة فأنت تمنحينني في الدار نصف الماء الذي أستقيه، وتنثرين بقيته قطرات أروت الجانب اليمين للطريق، لذلك بذرته بحبوب الزهور والنبات الذي ترين فأينع، أما أنت يا جرتي العزيزة السليمة من الثقب فتمدينني بكمية الماء الذي استقيه موفورا لبيتي، وقد تعادلتما في العطاء، وتساويتما في الكفاءة.

***

هذه القصة وردتني بمؤثرات الصورة الملونة والكلمة المعبّرة ضمن رسائل صديقاتي.. أعدت صياغتها لكم..

***

ماذا يحدث إن فعلنا ووضعنا قصصا مماثلة للأطفال، تتضمَّن كل قيمة نحرص على ألا يأخذها التيار الجارف، من قيم العطاء والتفاؤل والثقة والعمل والإثمار، تلك التي هي محور التنشئة ومدار التركيبة الإدراكية لحوافز الإنسان ومهاراته العديدة..

***

ترى، هل فعل القدماء وزرعوا دروب السقاة التي كانت تندى بما يلفظه الدلاء وهي تلقي بمائها في مستودعاتهم؟... وهل اخضرت دروبهم أم بقيت فيها مسحة الطين... وغروبية الرؤية..؟




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد