Al Jazirah NewsPaper Saturday  18/04/2009 G Issue 13351
السبت 22 ربيع الثاني 1430   العدد  13351
 
بين الكلمات
تم استنساخ جمل عربي
عبد العزيز السماري

 

نستحق أن نكون الشاهد الأهم في تاريخ البشرية على أحداث العصر وثوراته العلمية بمختلف اتجاهاتها، ونستحق أن ندخل موسوعة جينيس التي ترصد الأرقام القياسية في التاريخ، فنحن أكثر أمة أصدرت أحكاماً وفتاوى في كل ما يستجد في العلم الحديث، بدءاً من الميكروفون والراديو والتلفاز والصعود إلى القمر، وانتهاءً بالإنترنت والبث الفضائي والاستنساخ ...

دائماً ما يؤدي الجدل حول شرعية الإنتاج والاكتشاف العلمي الجديد إلى مواقف اجتماعية ورسمية متباينة، يتخللها خطب ومعارك كلامية، ثم ينتهي الأمر بدخول المستجد إلى المجتمع من خلال النافذة في أغلب الأحوال، وليس عبر أبواب الحضارة التاريخية، ومع مرور الأيام يصبح شيئاً رسمياً ومعتاداً عند الناس .. لكنه يظل محصوراً تطوره في اتجاه الاستهلاك، وليس في فلسفة الإنتاج، إذ لا أذكر أن شاهدت منتجاً تقنياً مستنسخاً في السوق المحلية، أو دعاية تروّج لراديو أو سيارة أو حاسب آلي تم صناعته بأيدٍ وطنية بالرغم من تخرُّج عشرات الآلاف من التقنيين من كليات التدريب المهنية..!

لكن شيئاً مغايراً لذلك تم الإعلان عنه مؤخراً في دبي، وكان من خلال ظاهرة الاستنساخ، التي أحدث الإعلان عن اكتشافها دوياً وصخباً في المجتمع العربي، وكان الاختلاف كالعادة في حكمها الشرعي، وليس في كيفية الاستفادة منها، فقد نشرت صحيفة (ذا ناشيونال) الإماراتية خبراً بالأمس عن جمل وُلد في الثامن من شهر إبريل الجاري عن طريق الاستنساخ ...

اختيار الجمل كأول كائن يتم استنساخه في البيئة العربية له دلالات ثقافية، فالجمل يمثل رمزاً للأصالة العربية، وعنواناً للصحراء وللقبيلة اللتين تمثلان حجريْ الزاوية في العروبة بمفهومها التقليدي والصحراوي..، لكن ليس الجمل هو أول (شيء) تم استنساخه في دبي، والتي حسب وجهة نظري قدمت أهم مشروع حضاري للاستنساخ الاجتماعي في التاريخ، وفي أقصر فترة زمنية ممكنة، إذ تم نقل ثقافة الغرب الاستهلاكية إلى دبي دفعة واحدة، قدمت من خلالها كل مستلزمات الحضارة الغربية الترفيهية البريئة وغير البريئة .. بكل ما تحمل من عادات وتقاليد غربية، ومن ثقافة وسياحة وتقنية وأنظمة حديثة..

كان الفشل الوحيد في ظاهرة الاستنساخ الاجتماعية في دبي في تحويل أهالي دبي إلى غربيين منسجمين مع ثقافة السياحة الغربية بكل ما تحفل به من تحرر وإباحية إن صح التعبير، عند مقارنتها بقيمهم الأصيلة،، فقد قاوم أهالي دبي الأصليون التغيير القسري، وفشلوا ولم يكن لهم خيار إلاّ بالرحيل خارجها أو العيش في المحميات العربية حول دبي، لكنهم تركوا أراضيهم العربية بلا هوية، تتكلم الأوردو والفارسية والإنجليزية، وتستقبل المنتجات والأخلاق والمفاهيم الغربية التي لا تكترث كثيراً بقيم وأخلاق العرب والمسلمين..

سيتردّد العرب كثيراً في استنساخ إنسان عربي في الزمن الحاضر، فالوضع العربي لا يشكو من الكثرة، ولكن يئن من رداءة النوعية، فالأمّة في الوقت الحاضر تفتقر للعقول الإدارية المبدعة، مما أدى إلى تضخم للصفات السلبية في ثقافتها الإدارية كنتيجة لافتقارها للمحاسبة، وإلى تواضع الموارد البشرية في الإنتاج، يرافق ذلك استمراية مطلقة للجمود الإداري الذي تنتعش فيه المصالح الشخصية لتقتل الطموح، وتفترس الإبداع، وكثيراً ما نسمع عن الهجرات العربية عبر البحار إلى أوروبا بحثاً عن الأمل وعن الفرص غير المحكومة بالعلاقات الاجتماعية، و ترد الأخبار الحزينة عن الذين لم يحالفهم الحظ في عبور البحر، إما بسبب غرق القارب أو نتيجة القبض عليهم قريباً من شاطئ الأمان، ثم إرجاعهم إلى بلادهم خاسئين، بينما يسارع الناجون من ظلمات البحار في الاندماج مع ثقافة العمل الغربية بحثاً عن النجاة من جمود وتخلف الجنوب..

لا يمكن بأي حال أن نرجع هذا التخلف لعوامل وراثية، فالعرب يتميزون بأصولهم العريقة في الحضارة الإنسانية، كما هو الحال بالإبل العربية التي تنحدر من سلالات نادرة وقوية وقادرة على تجاوز الصعوبات في الصحراء، وخير دليل على ذلك نجاحات مهاجريهم في الغرب، وإبداعهم في العلوم والطب والاقتصاد والسياسة وغيرها من مجالات الإبداع الإنساني .. بينما يعاني أولئك الذين اختاروا الصمود في وجه البيروقراطية الجامدة من الأمرّين، فالأمر يحتاج إلى معجزة لكي يجدوا فرصة تنقلهم إلى سماء الإبداع، وأحسب أنّ العرب بعد نجاحهم الأخير في استنساخ أول جمل عليهم التفكير جيداً في الخطوة المقبلة، وهي العمل مخلصين من أجل استنساخ أجواء الإبداع في مجتمعهم وجامعاتهم ومصانعهم ومستشفياتهم .. والله على ما أقول شهيد.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6871 ثم إلى الكود 82244
التعليق

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد