Al Jazirah NewsPaper Saturday  18/04/2009 G Issue 13351
السبت 22 ربيع الثاني 1430   العدد  13351
 
الدولار بين ضعف الاقتصاد الأمريكي وانعدام البديل

 

يعاني الاقتصاد الأمريكي من عجز مستمر ومتزايد في الميزانية الحكومية الأمريكية، مما جعل الدين العام الفيدرالي المتراكم يساوي أو يزيد على الناتج المحلي الأمريكي. كذلك يعاني الاقتصاد الأمريكي من عجز مستمر في الميزان التجاري مع الانخفاض الكبير في قيمة الدولار (على سبيل المثال قيمة الدولار مثمّنا بالين الياباني حوالي 40% من قيمته في 1986م). وهذا راجع إلى ضعف المقدرة التنافسية للاقتصاد الأمريكي مقارنة بالعالم الخارجي.

ولقد شكل ضعف الدولار في أوائل 2008 عاملاً أساسياً في الارتفاع الكبير في أسعار الطاقة والسلع والمواد الغذائية التي أثقلت كاهل ذوي الدخل المحدود والفقراء، كما سمح النظام الذي يهيمن عليه الدولار للولايات المتحدة بتمويل العجز في الميزانية الحكومية وفي الميزان التجاري بتكلفة رخيصة، الأمر الذي عزز الخلل في التوازن العالمي مساهماً في إحداث الأزمة المالية العالمية. فبسبب هذه الأزمة المالية العالمية والتي تحولت إلى أزمة اقتصادية عالمية يعيش العالم اليوم تحت وطأة أسوأ ركود اقتصادي منذ الثلاثينات. ويعود سببه بالدرجة الأولى إلى القيادة الأمريكية الخاطئة للاقتصاد والتي ولدت ضغطا متزايداً على الدولار.

ودعما لسياسة الإنعاش الاقتصادي أعلن البنك الفيدرالي الأمريكي في 18-3-2009م انه سيقوم بشراء سندات حكومية طويلة الأجل خلال فترة الستة أشهر القادمة بقيمة تبلغ 300 مليار دولار كخطوة جديدة تهدف إلى إخراج الاقتصاد الأمريكي من الركود العميق الذي يعاني منه منذ تداعيات الأزمة المالية العالمية. ولقد بدأ هذا الركود فعلا في نهاية ديسمبر عام 2007م ونتج عنه فقدان 4,4 مليون مهنة و12.5 مليون باحث عن العمل. وتهدف هذه السياسة النقدية أيضا إلى تخفيض معدلات الفائدة على الرهون العقارية وعلى ديون الاستهلاك الأخرى. ولقد أبقى الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي معدلات الفائدة قصيرة الأجل عند معدل منخفض يتراوح بين 0.25 وصفر. ومن المتوقع استمرار المعدل في هذا النطاق خلال هذا العام والعام القادم.

إن شراء السندات الحكومية بواسطة البنك المركزي الأمريكي يؤدي إلى زيادة المعروض النقدي ويترتب على ذلك:

أ- انخفاض العائد على السندات.

ب- ارتفاع أسعار السندات.

ج- انخفاض العائد على الأصناف الأخرى من الديون.

د. ارتفاع المستوى العام للأسعار نتيجة لزيادة نمو عرض النقود والذي يقابله انكماش للاقتصاد الحقيقي الأمريكي.

هـ - وهذا بدوره سيؤدي إلى تدهور قيمة الدولار والعملات المرتبطة به.

و- كذلك سيؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع التي تُسعّر بالدولار مثل البترول لتعوض جزءا من قيمتها الحقيقية.

ز- فقدان الثقة بالدولار كمخزن للقيمة واستبداله بالمعادن النفيسة والعملات الأعلى استقراراً.

إن تزايد الدين الحكومي ووصوله إلى معدلات تفوق الناتج المحلي الأمريكي يجعل من المستحيل أن يتقلص الدين العام الأمريكي إلا عن طريق استمرار البنك المركزي الأمريكي بشراء السندات الحكومية الأمريكية واستمرار تدهور قيمة الدولار، لا سيما مع تفاقم الأزمة الاقتصادية العالمية وتزايد معدلات البطالة بالاقتصاد الأمريكي إلى ما فوق 8%.

ليس هذا فحسب بل إن جزءاً كبيراً من الدين العام الأمريكي مملوك بواسطة الأجانب والذين يمتلكون 46% من سندات الخزانة الحكومية الأمريكية. وتمثل الصين أكبر مشتر لسندات الخزانة الأمريكية، بأكثر من اثنين تريليون، وتأتي اليابان في المرتبة الثانية. ولهذا تخرج من الصين وروسيا تصريحات مفادها البحث عن عملة بديلة للدولار خوفاً من تدهور قيمته، وكان حاكم المصرف المركزي الصيني تشو كسياوشوان قد دعا إلى اعتماد عملة جديدة للاحتياطات الدولية عوضا عن الدولار في نظام يوضع تحت إشراف صندوق النقد الدولي. وعزا ذلك إلى أن الهدف هو إنشاء نظام اقتصادي عالمي جديد لا يتأثر بسهولة بسياسات بعض البلدان. والصين مرتبطة بالنظام الحالي الذي يهيمن عليه الدولار وتتابع عن كثب نتائج سياسات إنعاش الاقتصاد التي تقرها إدارة باراك أوباما وما قد ينتج عنها من عواقب على الاحتياطي الصيني من العملات الأجنبية.

وأبدت الصين مراراً مخاوف على مستقبل احتياطها من العملات الأجنبية وقال تشو إن اعتماد عملة جديدة للاحتياطات تلقى قبولاً واسعاً قد يستغرق وقتاً طويلاً لكنه أضاف أنه يجدر بالأسرة الدولية وخصوصاً صندوق النقد الدولي في المستقبل القريب أن تواجه على الأقل المخاطر الناتجة عن النظام الحالي وتقوم بعمليات مراقبة منتظمة وتقييم مستمر. وأوصى تشو في هذا الإطار باعتماد حقوق السحب الخاصة التي لها المقدرة على التحول إلى عملة احتياط تتخطى العملة الوطنية. ولقد أنشأ صندوق النقد الدولي حقوق السحب الخاصة المرتبطة بسلة عملات عام 1969 لتكون بمثابة أصول للاحتياطي العالمي، من أجل استكمال احتياطات دولة الأعضاء في وقت لم يعد عرض الذهب والدولار المرتبط بالذهب في ذلك الوقت كافيا لتحقيق متطلبات النمو الاقتصادي. ورحب صندوق النقد الدولي بالفكرة الصينية مؤكداً أنها تستحق أن تدرس وتبحث بشكل جدي. ومع ذلك نحتاج إلى الكثير لاستبدال الدولار.

لقد احتفظ الدولار بشعبيته ومكانته لأن معظم العملات الرئيسية الأخرى لم تظهر جاذبية أكبر، فالمستثمرون يحكمون على قيمة عملة مقارنة بعملات أخرى، ورغم أن الاقتصاد الأمريكي في أسوأ حالاته منذ أكثر من 30 عاما، لكن باقي الدول الصناعية ليست أفضل حالا. ويمكن القول إن اقتراح الصين بالتحول إلى حقوق السحب الخاصة، قد يكون اقتراحا قابلا للتطبيق، لاسيما وأنها تعتبر جزءاً أساسيا من احتياطيات البنك المركزي. ولكن ينبغي للقائمين على التجارة العالمية أن يبدؤوا بتحويل تسعير وتقويم عملياتهم التجارية من الدولار إلى حقوق السحب الخاصة. ولا توجد حتى الآن مؤشرات تدل على أن ذلك سيحدث قريباً.

ويرى البروفسور ريتشارد بورتيز من جامعة لندن بزنس سكول أن استخدام حقوق السحب الخاصة كعملة رئيسة عالمية ليس بالأمر المستحيل إلا أن المصدّر لهذه العملة العالمية يجب أن يكون هو الملاذ الأخير للإقراض، ولكن صندوق النقد الدولي لا يملك الشرعية للقيام بذلك. ويتوقع البروفسور فرانكلين من جامعة هارفارد أن تتآكل هيمنة الدولار في غضون 15 عاماً وأن تشق عملات أخرى كاليورو طريقها لتشكل نظاما متعدد العملات متقاسماً المسرح الدولي مع الدولار. ويواصل القول إن هذه هي آخر أزمة كبرى سينظر فيها للدولار على انه الملاذ الآمن.

الدكتور سعود عبدالعزيز المطير
كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية - جامعة الإمام
saud2@$w.cn


التعليق

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد