Al Jazirah NewsPaper Sunday  19/04/2009 G Issue 13352
الأحد 23 ربيع الثاني 1430   العدد  13352
 
زُوَّار (الاستخبارات)..؟!!
حمَّاد بن حامد السالمي

 

* من السهل جداً الربط بين أي واحد من أذناب القاعدة، وبين بقية زملائه من القطيع، في التنظيم الإرهابي الذي يتزعمه أسامة بن لادن. كل عنصر من هؤلاء، اختار الانضمام ل (قطيع ابن لادن)، تحت تأثير خطاب ديني موغل في التطرف والتشدد، ولأن المتدين بطبيعته،

يؤتى من هذا الباب أكثر من غيره، فقد نجحت الشعارات الدينية المسيسة، في غسل أدمغة كثير من المنخرطين والمتعاطفين مع القاعدة، وكل عنصر من هؤلاء الشباب، مر بأكثر من مرحلة إعدادية وتجهيزية، فهناك مرحلة (التوحش)، التي تعني الفصل بين العنصر وبين أسرته ومجتمعه ووسطه الذي يعيش فيه، وتمثل طوراً أولياً تعليمياً غاية في الأهمية، يتتلمذ العنصر فيها على شيخه المربي، بل يلازمه مثل ظله، حتى يصبح في حاجة دائمة إلى هذا (الشيخ) القدوة، الذي قد يتحول إلى (أمير جماعة) فيما بعد، فهو الذي يقول فيُسمع له، ويأمر فيُطاع أمره. ثم هناك مرحلة الفصل بين العنصر وبين الحياة نفسها - أهم ثمرة للتوحش - فكيف تطيب له الحياة في مجتمع فاسد ودولة كافرة..؟! ثم تأتي بصورة حتمية بعد هذه، مرحلة التكفير، التي تتطلب بالتالي، الجهاد ضد الكفر والكفرة حتى يتحقق النصر المزعوم، ثم مرحلة الخروج العملي على الحاكم قولاً وعملاً، وحتى بالجهاد دون إذنه، وطلب الشهادة مع العجز في غير أرضه.

* القائد الميداني في تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية سابقاً، (محمد عتيق العوفي - أبو الحارث) والمطلوب رقم (73) على قائمة ال (85) الأخيرة، والذي سلم نفسه مؤخراً، هو واحد من هؤلاء الذين وقعوا في فخ (المصيدة البنلادنية) عن طريق القاعدة ومشروعها الإرهابي، فقد كشف في اعترافاته المتلفزة غير المسبوقة قبل ثلاثة أسابيع، عن نمطية معتادة لتجنيد المقاتلين وعسكرة الأنصار، نمطية واحدة تتكرر مع ضحايا التنظيم من شباب هذه البلاد، فالعوفي وجد نفسه في محيط تكفيري (توحشي)، يدفعه من التفكير المجرد، إلى التخطيط العملي من أجل الجهاد وطلب الحور العين في العراق، أو في أفغانستان، ثم يأخذه التيار في آخر المطاف، إلى خلية إرهابية في اليمن، واحدة من تلك الخلايا التي تشكل ذراعاً للقاعدة في الجزيرة العربية وأرض الحرمين كما في خطاب القاعدة، الذي لا يعترف بالدولة السعودية، ولا الدولة اليمنية، ولا دول الخليج، والهدف كما هو معلن في كل مرة، إسقاط الحكومات الكافرة - (في زعمهم) - وتهديد المصالح الحيوية والنفطية، والخطف والقتل والنهب، إلى غير ذلك من أساليب القاعدة، التي باتت مكشوفة للبعيد قبل القريب.

* الجديد الذي كشف عنه العوفي، في ظهوره الفضائي، هو ما يتعلق بالدعم المادي الذي تحتاجه الحركة لتمويل عملياتها الإرهابية، فالأموال التي كانت تصب في جيوب القاعديين من صناديق التبرعات الخيرية في المملكة سابقاً، أصبحت صعبة إلى حد ما، والممولون من الشيوخ المتعاطفين مع القاعدة وخلاياها، لم يعد لديهم مال كثير يغامرون به في ظل محاصرة الأجهزة الأمنية للمنتمين للقاعدة، وللمتعاطفين معها، وللحركية المالية بصفة عامة، وكثير منهم لا يقدم للقاعدة ومشروعها في الوقت الحاضر، أكثر من الكلام (الملغز المبهم) في المنابر والأشرطة، وفي المجالس الخاصة والمنتديات الإلكترونية، وقد نجح وينجح بعضهم من (القُصَّاص) حتى اليوم، في افتعال أزمات كلامية، وإثارة نزاعات جدلية، والتهويل من أخطار قادمة تهدد المجتمع السعودي في (ظنه)، فيدندن على مشاريع يسميها تغريبية، أو علمانية وليبرالية ونحوها، لكنه لا يتطرق للقاعدة، ولا ينكر عملياتها الإرهابية، ويتحاشى نقد سياساتها التدميرية، ولا يجرؤ على ذكر ابن لادن بغير (الشيخ ابن لادن)..! لأنه يؤيد فكرها الطالباني على أقل تقدير، ويتمنى سيادة النموذج الطالباني البائد في أفغانستان في محيطه، ومثل هذا الخطاب المستفز عادة، الذي يتزامن مع معركة تخوضها الدولة والمجتمع ضد القاعدة، إنما يقدم خدمة كبرى للعدو، لأنه ببساطة متناهية، يمارس سياسة ذر الرماد في الأعين المفتوحة على خطر القاعدة، ويثير الأغبرة في الوجوه الفرحة بسقوط خلايا القاعدة واحدة بعد أخرى، وكأنه يقلل من خطر القاعدة وخلاياها الإرهابية، التي تستهدف وحدة الوطن وأمنه من الداخل أو الخارج، ويسعى إلى صرف الأنظار عما هو قادم من عمليات وأخطار لها، بافتراضه أخطاراً أخرى يختلقها في وجه ما هو قائم.

* إذا افترضنا أن كشف العوفي هذا - من أن: (شيوخ القاعدة وعناصرها الجهادية)، يمدون أيديهم إلى أجهزة استخبارات أجنبية، ليأخذوا منها أموالاً تدعم عملياتهم الإرهابية - إذا كان هذا ظل من الأسرار، حتى كشفه العوفي، فكيف لم يصل إليه كاشف الأسرار، وصاحب كشف سر (زوار السفارات) من قبل؟! على اعتبار أن زيارة السفارات وزيارة الاستخبارات شيء واحد، بل إن العمل الاستخباراتي لأي بلد عادة، هو جزء من سفارته وليس العكس، أم أن هذه مقابل هذه، حتى لا يموت الذئب، ولا تفنى الغنم..؟!

* قال العوفي، ناصحاً العناصر الأخرى المتبقية في مستنقع الإرهاب: (أنصح إخواني بالرجوع إلى الحق، وأن هناك مؤامرات عديدة من قبل الدول والاستخبارات تقودنا إلى إفساد هذا البلد).

* إذن.. هناك دول تقود فصائل القاعدة وخلاياها وتوجهها، وهناك استخبارات أجنبية معادية، تمول وتقود أتباع القاعدة (المجاهدين) باسم الدين في جزيرة العرب، فالمال يتدفق على هذه الخلايا من استخبارات (ملك ملوك أفريقيا، وإمام المسلمين الأعظم)، ومن (إيران) التي تحمي ظهر القاعدة، وتأوي عدداً لا بأس به من قادتها المنهزمين في تورا بورا، وتفتح عن طريقهم ومن خلالهم، بؤراً للنزاع والسيطرة في بعض دول منطقة الشرق الوسط، فكلما زاد عليها الضغط الدولي، حركت بؤرها السرطانية هنا وهناك، للتخفف من هذا الضغط.

* وكلام خطير مثل هذا، لم يستفز لا كاشف سر زوار السفارات، ولا المدندنين والمطنطنين على (الفرية البريكية) من قبل..! فلم تكن اعترافات العوفي - على ما يبدو - كافية، ولا ما كشفه من سر (زوار الاستخبارات) مقنعاً، ليشن هؤلاء (الفزِّيعة)، حملة شبيهة أو حتى قريبة من حملتهم على (زوار السفارات) المفترضين، من التغريبيين الليبراليين الإرهابيين، الذين كفَّروا وفجروا وفزَّعوا، حتى أسالوا الدماء في أكثر من عملية إرهابية..!

* العوفي كان يتحدث من قناة فضائية سعودية، وكلامه يكتسب قيمة مضاعفة في هذا الوقت الثمين، لأنه يأتي في زمن (عبد الله بن عبد العزيز)، زمن الانفتاح الرحب الذي نعيشه، فمن مزايا هذا الانفتاح الجميل، الممايزة بين ما هو صالح وما هو طالح، ورفع الأغطية المغشوشة، وكشف الوجوه المزيفة، وتحطيم القداسات عمن كانوا يدّعونها لأنفسهم، وإعادة مجموعة من الطواويس إلى أصلها الذي كان قبل أن (تتطوس)، وتنتفخ جيوبها بالأموال الطائلة.. من هنا يكتسب الكلام الواضح المباشر في قضايا مثل قضية الوطن، صفة الصدق والشفافية، سواء جاء متلفزاً، أو محبراً، أو عبر الأثير، فالقضية الوطنية قبل أي شيء آخر، لا تحتمل المزيد من المزايدات، فنحن قد شبعنا كثيراً من الكلام المبهم والمغلف، الذي يهدم في جدارنا ليل نهار، بينما هو يبني في جدار أعدائنا ليل نهار.



assahm@maktoob.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5350 ثم إلى الكود 82244
التعليق

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد