Al Jazirah NewsPaper Wednesday  06/05/2009 G Issue 13369
الاربعاء 11 جمادى الأول 1430   العدد  13369
الأمن الفكري ومصادر استلابه
د. وحيد بن حمزة عبدالله هاشم

 

مطلب بناء وتفعيل وبالتالي تقوية كافة أفراد المجتمع، ومن ثم حماية متطلبات وقيم وأدبيات وأخلاقيات المجتمع ومكتسباته، قاعدة أساسية من قواعد ما يسمى بالأمن الفكري الاجتماعي الذي بدوره أصبح الشغل الشاغل لولاة الأمر بل ويأتي في أولويات الدول في أي مجتمع من المجتمعات الإنسانية الحديثة.

نعم لقد أصبح الأمن الفكري قاعدة وطنية وإقليمية ودولية أساسية من قواعد الحفاظ على الأمن الاجتماعي، وبالطبع الحفاظ على الأمن السياسي للدول الذي بدوره يبنى برمته على قواعد الاستقرار السياسي. والأخير ما تسعى جماعات الضلال والبغي والعدوان تهديده من خلال مؤامرات استمالة الشباب لاستخدامهم كعناصر مجندة للدمار والقتل والخراب.

نعم إنها معادلة إنسانية (اجتماعية، أمنية، سياسية) مركبة متصلة ومتواصلة ومرتبطة بعضها ببعض بداية من الفرد أي فرد في المجتمع، مرورا بالأسرة سواء كانت محدودة أم ممتدة، ونهاية بكافة أعضاء المجتمع المدني للدولة أي دولة في أي موقع في العالم. فاستقرار الفرد النفسي والاجتماعي يعني متانة وصمود قاعدة واحدة من قواعد أمن الاستقرار الجماعي وتضمينها مع قواعد أخرى مماثلة لها تشكل في المجموع والمضمون مطلب الاستقرار الاجتماعي الذي يمثل دوره القاعدة الراسخة التي يبنى عليها الاستقرار السياسي والأمني للدولة.

المقدمة البسيطة هذه كان لا بد من سردها بغية توضيح ما يحاول هذا المقال تمريره للرأي العام عامة وخاصة، فما يحدث على الساحة الإنسانية محلية كانت أو إقليمية أو دولية من توترات وتشنجات وتجاذبات ومشاحنات دينية وعقدية، مذهبية وطائفية، فكرية وعاطفية، لا تبشر بخير فيما لو استمرت تتصاعد وتنتشر وتتسع دوائرها وتتعقد. وإذا ما اتضح منذ أن ظهرت فئات البغي والعدوان منذ الثمانينات في مصر ومن ثم في منتصف التسعينات من القرن الماضي في المملكة، أن زعامات التطرف والإرهاب تعتمد اعتماداً كبيراً على حالات الضعف والتوتر والضياع النفسي للشباب، فمن الطبيعي إذًا أن يبدأ دورها ومن ثم مساهماتها في تنشيط وتفعيل ومن ثم تسريع الصراع والخلاف وتعميق الفتن ونشر الشرور في المجتمعات الإنسانية كي يغدو بمقدورها تجنيد ما يمكن تجنيده من خلايا إنسانية شابة بأدوات ووسائل الاستلاب الفكري والعقدي.

صحيح أن من الضروري تصحيح مفاهيم الشباب ومعتقداتهم إن وقعوا فريسة في مستنقع الاستلاب الفكري الضال وخرجوا عن طريق الصواب ومضوا في دروب الضلال والضياع. بيد أن من الأصح أيضا تحصين عقولهم من بداية مراحل عمرهم الأولى بأمصال فكرية دينية وثقافية مضادة لفكر الضلال منذ السنوات الدراسية الأولى والتأكيد على فعالية الفكر النافع الصحيح والمفيد في المساجد والجامعات وكافة مواقع التجمعات الشبابية الفكرية. لذا لا بد من إيجاد قنوات إنسانية وإعلامية واجتماعية ودينية جديدة على كافة المستويات العلمية والثقافية والدينية والإعلامية لاستيعاب الطاقات الشبابية المتأججة أو تلك المفرطة وتوجيهها في المسار المسالم الصحيح الذي يخدم مصالح المجتمع كل المجتمع لا مصالح فئة محددة ومعينة من كل المجتمع.

الذي يحدث منذ سنوات ويتواصل حاليا في بعض الدول العربية والإسلامية من أعمال عنف وشغب، من عمليات إرهابية وانتحارية لنتاج واحد من نتائج عمليات الاستلاب الفكري والشحن العقدي والعاطفي لأعداد كبيرة من الشباب التي وقعت ضحايا لثقافة متطرفة وفكر مخادع ومنطق أهوج يستغل الظروف الاجتماعية المشحونة والأحداث الإقليمية والدولية الملتهبة والعواطف العرقية والعقدية والمتأججة لإشعال المزيد من الفتن. فهذا الواقع المتأجج يمثل لهم وسيلة البقاء لتحقيق غاية فئوية ضيقة لا تقل ولا تكثر عن غاية ميكافيلي التي بموجبها حلل لسيده ارتكاب الخطايا وتوظيف العنف من أجل تحقيق أهدافه ومصالحه وبذلك دوّن ميكافيلي قاعدة إنسانية كانت معروفة لكنها لم تكن مكتوبة لينقلها قلمه ومن ثم منطقه إلى بعض العقول التي تؤمن بذلك المنطق وتحديداً عقول تنظيمات الإرهاب وجماعات الضلال والفتن والشر والعدوان.



drwahid@email.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد