Al Jazirah NewsPaper Wednesday  06/05/2009 G Issue 13369
الاربعاء 11 جمادى الأول 1430   العدد  13369
أنت
حين تكون خسارة التجارب مضاعفة
م. عبد المحسن بن عبد الله الماضي

 

ذكر الدكتور عبد الرحمن الشبيلي في تمهيد كتابه عن الشيخ: إبراهيم العنقري (رحمه الله) أن مازن بن إبراهيم العنقري أخبره كيف أنه مع والده عكفا قبيل وفاته بأشهر قليلة على تمزيق معظم ما تقتنيه مكتبته الخاصة من أوراق ومستندات.. وكان يحتفظ بها في خزائن في حقائب تتعدى العشر.

فقرة من مقدمة اختزلت الكتاب كله في اعتراف موجع.. في الخسارة الكبيرة.. لقد خسرنا نسخة من أرشيفنا الوطني كما عاصرها شاهد عيان.. لكن هل كان من حقه - رحمه الله - فعل ذلك؟!.. وهل كان (مازن) صغيراً فلم يستطع أن يثني والده عن أن يفعل ذلك؟.. إنها الوثائق والشهادات لحقبة مهمة من تاريخ الوطن.. وقد نُهي شرعاً عن السكوت عن الحق ناهيك عن إتلاف وثائقه.. وما كان لدى الشيخ إبراهيم ومزَّقَهُ هي شهادات حقيقية على وقائع كان هو أحد التنفيذيين الكبار فيها.. وما كان الشيخ إبراهيم سيحرص على الاحتفاظ بهذه الوثائق طوال أربعين سنة لو كانت مزيفة أو بسيطة معتادة.. وبذلك فهي نسخة من حق الوطن بعده ولا أحد له حق إتلافها.. فهذه تجارب متراكمة.. وذهاب الرجال الذين عاصروها يعني ذهاب تلك التجارب وخسارتها للأبد.

مجتمعنا في المملكة حديث عهد بالخروج من الأمية القرائية وهذه حقيقة.. وبالتالي فنحن لدينا تلك الصفات التي تتصف بها مجتمعات المشافهة.. والثابت أن الشعوب التي لا تنعتق من إسار المشافهة تستمر في مكانها.. فالمشافهة لا تتسع للخبرة التراكمية.

ولو نظرنا إلى ما ينشر من أبحاث.. ويعرض من برامج وثائقية عن قضايا وأحداث تاريخية للشعوب المجاورة لنا والبعيدة عنا.. لأصابتنا الدهشة من كم الأحداث التي مرت عليهم.. وهذا يثير التساؤل عنا نحن.. كيف أننا وعلى الرغم من أن بلادنا في قلب الحدث منذ الرسالة المحمدية.. لا يوجد لدينا برامج أو دراسات بحثية عن أحداث أو قضايا مرت بها بلادنا؟.

واستطيع أن أعرض هنا أكثر من عشرة أحداث وقضايا وطنية مهمة لم يتم التطرق لها أو دراستها أو تدوينها على الرغم من مرور أربعين سنة على بعضها.. ولعل قصف نجران بالطائرات.. والتفجيرات الإرهابية في منتصف الستينيات الميلادية.. وحرب الوديعة.. واحتلال جهيمان للحرم.. ومعركة الخفجي.. كلها أحداث ليست ببعيدة عن الذاكرة الجماعية الوطنية.

في مناسبات مختلفة طرحت على معالي الشيخ إبراهيم العنقري (رحمه الله) وعلى معالي المستشار بالديوان الملكي الفريق أول صالح الخصيفان وآخرين عاصروا تفجيرات الستينيات وما تلاها من أحكام أنهت المشكلة.. فكرة توثيق تلك المرحلة ورواية القصص والأحداث التي عاصروها.. كل من زاويته الشخصية وما واجهه هو وشاهده بنفسه وعاش أحداثه.. والمطلوب فقط هو تدوين ما يتذكرونه.

فإننا إن لم نبادر إلى توثيق أحداثنا التاريخية فسوف يقوم بها غيرنا.. بكل ما يعنيه ذلك من توجيه أو تحريف أو تجنٍ.

رحم الله الشيخ إبراهيم العنقري.. فلم يَكْفِ أننا فقدنا أحد الرجال البناة.. وفقدنا شاهداً على العصر لم نسجل شهادته.. لكنه مزق قبل أن يموت وثائقه.. فصارت خسارتنا بذلك مضاعفة.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد