Al Jazirah NewsPaper Tuesday  12/05/2009 G Issue 13375
الثلاثاء 17 جمادى الأول 1430   العدد  13375
الحبر الأخضر
التقويم الشامل في الميدان التربوي (الرؤية والواقع)
د. عثمان صالح العامر

 

أذكر أنه دار داخل أروقة وزارة التربية والتعليم وفي الإدارات العامة المنتشرة في مناطق المملكة المختلفة خلال السنوات الأربع الماضية وربّما قبل ذلك حديث طويل وحوار واسع ومناقشات مكررة ومتكررة حول هذه الإدارة (التقويم الشامل)، وكان هذا الجهاز الذي يراد له أن يمارس التغذية الراجعة في الميدان التربوي قاب قوسين أو أدنى أن يستغنى عنه ويكتفى بإدارة لإشراف التربوي ذات التاريخ الطويل والباع الواسع (التفتيش)، فوجوده كما قيل آنذاك (هدر بشري ومالي)، وبعد أخذ وعطاء وجدل واسع بين مؤيد ومعارض تم التوصل إلى حلٍّ وسط، ألا وهو (تقليل عدد المنتظمين في العمل بهذه الإدارة، وتقليص المهام الموكلة لهم، وخفض المخصصات المالية وتحديد عدد أيام الانتداب)، وبالفعل أعيد للتدريس عدد من الزملاء الذين أمضوا سنوات طويلة وهم يباشرون هذه المهمة التقويمية الهامة، ولم يقتصر الأمر على هذه الإدارة الجديدة إذا ما قورنت زماناً ببقية الإدارات، بل شمل تقليل العدد حتى الإشراف التربوي فضلاً عن إلغاء إدارات وأقسام بأكملها وإعادة منسوبيها إلى الميدان دون أن تكون هناك دراسة متمعنة ورؤية مستقبلية واضحة، وإنما على العدد أيّاً كانت المسافة والحاجة والقدرات والإمكانيات والتاريخ والعطاء!!، والحجة التي سيقت حينذاك (تلبية لمتطلبات الميدان، وتقديماً للأهم على المهم، ولأن الوظيفة الأساسية للجميع (معلم)، ونزولاً عند رغبة وإلحاح وزارة الخدمة المدنية)، وللتاريخ فإنني أعتقد شخصياً أن هذا القرار وما تلاه من تبعات ومراجعات وشكوى واعتذارات كان من أسوأ القرارات التي اتخذت في السنوات الأخيرة من عمر الوزارة وأكثرها ارتجالية، بل ربّما يكون فيه من الظلم للعملية التعليمية ولبعض التربويين الشيء الكثير، وما زال العائدون للميدان الذين انقطعوا عن التدريس سنوات وتفرغوا بكل ما تعنيه الكلمة للتوجيه والبحث والتطوير، مازال البعض من هؤلاء الزملاء عبئاً على الميدان ويحملون في نفوسهم على وزارتهم بل وحتى إدارتهم التعليمية التي باشرت المهمة من خلال لجان تشكلت لهذا الغرض بالذات وبقرار من صاحب الصلاحية.. الشاهد أن التقويم الشامل كان قاب قوسين أو أدنى أن يزال عن الوجود ولكن التعاطف والرحمة من قبل بعض المقربين لأصحاب القرار وقوى خارجية تدخلت أبقته شكلاً وأضعف مضموناً، وأحسّ منسوبوه سواء في الوزارة أو الإدارة بالغربة الزمنية والمهنية طوال الفترة الماضية، ولشعور البعض من الزملاء والزميلات في هذه الإدارة أو تلك بضعف الدور وهامشية المهمة كان من هذا البعض التسلط ومحاولة فتل العضلات والاستفزاز حين الزيارات الميدانية للمدير والمعلم وربما الطالب (الذكور والإناث)، والقصص التي أسمع في هذا المضمار غريبة وعجيبة وفي عدد من مناطق المملكة.. إن التقويم الشامل بصورته الحالية قد لا يحقق الهدف الذي يتوخى منه ولا يرتقي للدور المناط به لما أعتوره من هزات ولما ألمّ به من تجاذبات ذات اليمين وذات اليسار ولأنه ليس من المنطق الصحيح أن أمارس التغذية الراجعة الفاعلة والناجحة على من أعمل تحت إدارته،، ولذا ومن منطلق وطني صرف، وحتى تتحقق المصلحة العامة في هذا القطاع التنموي الهام أعتقد أن وجود (هيئة وطنية محايدة للتقويم الشامل في مدارس التعليم العام) على غرار الهيئة المقترحة تحت مسمى (الهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الأكاديمي) والتي تهدف كما هو نظامها الأساس إلى ضمان جودة التعليم في التعليم العالي والحكومي والأهلي والارتقاء به.. أعتقد أن هذه الهيئة هي السبيل الأمثل لتحقيق الهدف المتوخى من إدارة التقويم الشامل للمدرسة، كما أن تجربة المجالس البلدية السعودية قد تكون خياراً آخر خاصة إذا تمت بلورتها وبصورة مدروسة ومقننة لتصبح مجالس تعليمية منتخبة ومعينة مرتبطة بمعالي وزير التربية والتعليم مباشرة، وتكون إدارات التقويم الشامل النواة لهذا المشروع الوطني الهام سواء في صورته الأولى أو حتى الثانية التي سبق أن عرضت لها بتوسع في ثنايا مقال الثلاثاء الماضي حين الحديث عن المجالس البلدية.. وإلى لقاء والسلام.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد