Al Jazirah NewsPaper Tuesday  12/05/2009 G Issue 13375
الثلاثاء 17 جمادى الأول 1430   العدد  13375
بناء فلسطين من القاعدة إلى القمة
شلومو أفينيري

 

كما أدرك مبعوث الرئيس باراك أوباما الخاص إلى منطقة الشرق الأوسط، جورج ميتشل، أثناء الزيارة التي قام بها إلى المنطقة، فإن الجهود الأمريكية الرامية إلى إحلال السلام بين إسرائيل وفلسطين تصطدم بثلاث عقبات رئيسية. ولا شك أن هذه العقبات سوف تطرح في إطار اللقاءات القادمة بين أوباما وزعماء المنطقة.

العقبة الأولى - بل والقضية المتصدرة اليوم - تتلخص في الحرب الأهلية الفلسطينية، حيث تسيطر حماس على قطاع غزة في تحدٍ للسلطة الفلسطينية التي تقودها فتح تحت زعامة أبومازن. إن فشل الفلسطينيين الأساسي في بناء الدولة يجعل أي محادثات سلام جادة مع إسرائيل - ناهيك عن التوصل إلى اتفاق سلام - تكاد تكون في حكم المستحيل في الوقت الحالي.. فكيف للسلام أن يحل بين إسرائيل والفلسطينيين في ظل عجزهم عن الاتفاق فيما بينهم على حدٍ أدنى من الإجماع الوطني.

وهنا ننتقل إلى العقبة الثانية.. بعد تولي بنيامين نتنياهو زعيم حزب الليكود لمنصب رئيس الوزراء، أصبح لدى إسرائيل الآن حكومة ليس من المرجح أن تكون راغبة في - أو قادرة على - تقديم تنازلات كبيرة وإجلاء مئات الآلاف من المستوطنين الإسرائيليين من الضفة الغربية.

العقبة الثالثة والأكثر أهمية هي أن الاتفاق الذي تم بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في عام 1993 فشل حتى الآن في تحقيق الهدف منه. وعلى نحو مماثل، سنجد أن محاولات إحياء عملية السلام التي بدأت في أوسلو -خطة الطريق وعملية أنابوليس- فشلت في إنجاز أي شيء غير التصريحات الجوفاء والفرص الفارغة لالتقاط الصور. من الأهمية بمكان أن نضع في اعتبارنا الأسباب التي أدت إلى خمسة عشر عاماً من الفشل، حتى لا تتحول مهمة ميتشل إلى مجرد محاولة مجهضة أخرى.

من السهل أن نعزو فشل عملية أوسلو إلى كل من الفلسطينيين وإسرائيل، وهذه هي الحقيقة. ولكن هناك سبباً أكثر عمقاً وجوهرية، ولا ينبغي لنا أبداً أن نتغافل عنه.

لقد حاولت عملية أوسلو بناء دولة فلسطينية من القمة إلى القاعدة: تأسيس سلطة وطنية فلسطينية، وتسليم الأرض لها، ومنحها المزيد من السلطات، وتسليحها وتمويلها، وعقد انتخابات، وبذلك تنشأ دولة فلسطينية. ولكن النتيجة كانت مختلفة تماماً، فقد نشأت سلطة فلسطينية، حيث أثبتت الأجهزة الأمنية المتنافسة عجزها عن توفير الأمن. هذا فضلاً عن عجز السلطة الفلسطينية عن الدخول في مفاوضات جادة مع إسرائيل أو توفير الخدمات الأساسية للفلسطينيين العاديين.

هناك سببان بارزان لهذا الفشل: الضعف المؤسسي الذي يعاني منه المجتمع المدني الفلسطيني، الذي يفتقر إلى البنية الأساسية اللازمة لبناء الدولة؛ واستحالة بناء الدولة وصنع السلام في وقت واحد. لم يسجل التاريخ سابقة واحدة في أي مكان من العالم تشير إلى إمكانية نجاح عملية مزدوجة المسار كهذه.

إن الأمر يتطلب بالضرورة تغيير النموذج: فلابد من تحويل الجهد نحو بناء دولة فلسطينية من القاعدة إلى القمة، وهو ما تدلل على حدوثه بالفعل إشارات مشجعة، حتى في خضم فشل عملية البناء من القمة إلى القاعدة.

أثناء العامين الماضيين، نجح رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير والجنرال الأمريكي كيث دايتون في بناء مؤسسات فعّالة في ثلاث من مناطق الضفة الغربية - جنين، وبيت لحم، والخليل - التي تحولت إلى أكثر المناطق تنعماً بالسلام في الضفة الغربية، في ظل الحد الأدنى من التواجد العسكري الإسرائيلي. وتم تزويد السلطات المحلية في هذه المناطق بالتمويل الكافي والمشورة؛ وأصبحت الغرف التجارية المستقلة هناك بمثابة العمود الفقري للطبقة المتوسطة التجارية المحلية، التي يهمها في المقام الأول الحفاظ على السلام في المنطقة، حتى في غياب اتفاق سلام شامل؛ كما تلقت قوات الشرطة المحلية التدريب (في الأردن)، فأصبحت الآن تمارس وظيفتها بكفاءة وفعالية، باعتبارها قوات شرطة وليس مليشيات مسلحة؛ هذا فضلاً عن تجدد العلاقات التجارية مع المناطق الإسرائيلية المجاورة.

يرجع الفضل في تمكين الزعامة المحلية الفعّالة على هذا النحو إلى قدر عظيم من المثابرة والعزم - وبدون ضجة تُذكَر. بيد أن هذه المشاريع الأساسية نجحت - وللمرة الأولى - في إيجاد لبِنات البناء الضرورية لبناء دولة فلسطينية ناجحة.

لقد فشلت عملية أوسلو؛ وأي محاولة لإحيائها لن تسفر إلا عن إخراج الخلافات القائمة بين الجانبين إلى العراء، ولن تتمكن من التغلب على الفشل الفلسطيني في بناء الدولة. بعد كل هذه الجهود المتعطلة لبناء الدولة الفلسطينية من القمة إلى القاعدة، فإن الأسلوب القديم - من القاعدة إلى القمة - يظل قابلاً للتطبيق.

المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية سابقاً.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2009 .
www.project-syndicate.org
خاص بـ(الجزيرة)



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد