Al Jazirah NewsPaper Tuesday  12/05/2009 G Issue 13375
الثلاثاء 17 جمادى الأول 1430   العدد  13375
تنامي عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب
فضل بن سعد البوعينين

 

على الرغم من تطوير قوانين مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وفرض معايير دولية صارمة على القطاعات المصرفية، وتطوير القواعد القانونية الخاصة بمصادرة الأموال غير المشروعة، وتوسيع دائرة العقاب على جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وشمول الجزاءات القانونية عمليات غسل الأموال خارج القطاع المصرفي، إضافة إلى تشديد قواعد الالتزام بالإبلاغ عن العمليات المشبوهة، والتعاون الدولي، إلا أن الأموال القذرة ما زالت قادرة على المرور والتخفي داخل النظام المالي العالمي، والوصول إلى أيدي الإرهابيين والمجرمين في أي مكان في العالم.

كنت أشرت إلى أن أنظمة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب يمكن أن تحد من العمليات القذرة حول العالم إلا أنها غير قادرة على منعها بالكلية. تطور الأنظمة والقوانين الدولية، ورفع معدلات الحذر عادة ما يقابلها إجراءات مماثلة من الجماعات الإجرامية المعنية بغسل الأموال وتمويل الإرهاب. أكدت بعض التقارير الدولية أن جماعات الإرهاب وغسل الأموال، أصبحت تستغل التطورات العلمية الحديثة، خاصة المتعلقة باستخدام نظم تحويل الأموال بالأجهزة الإلكترونية وشبكة الإنترنت، والتهريب عبر الحدود، لتحقيق أهدافها الإجرامية، ما أدى إلى رفع كفاءة المجرمين وتحييد أجهزة المتابعة والتحري. تطور التقنية، واستعانة عصابات الإجرام بالخبرات البشرية في التخصصات التقنية، وربما توظيف علاقاتها البشرية المتشعبة، ساعد في إنجاح الكثير من العمليات المشبوهة حول العالم رغم الاحتياطات الأمنية، والقوانين الصارمة.

لم تعد عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب تتم وفق الطرق التقليدية البالية بل تحولت إلى عمليات منظمة، ومعقدة يصعب على بعض الأطراف المساهمة فيها تحليلها أو ربط أطرافها المتفرقة!. وتزداد تلك العمليات تعقيداً، وغموضاً، إذا ما اختلطت ببعض التسهيلات الاستخباراتية التي عادة ما تقدم لتحقيق أهداف سياسية حول العالم. من وجهة نظر خاصة لا يمكن لكثير من القوانين الحالية الملزمة للقطاع المصرفي، على الرغم من نجاعتها، أن تحقق هدف القضاء على عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وهي وإن نجحت في بعض الجوانب فربما تعذر عليها تحقيق النجاح في الجوانب الأخرى المعقدة التي تمثل القنوات الرئيسة للجماعات الخارجة على القانون.

أصبحت عصابات الإجرام تركز كثيراً على العمل خارج القطاعات المصرفية، وتجتهد في تأمين جهات غير مثيرة للشبهات لإنجاز عمليات الإدخال، التغطية، والدمج في القطاع المصرفي، ولضمان استمرار الكفاءة تعمد تلك العصابات إلى تحديث (واجهاتها) في المجتمع المالي والاقتصادي بصورة دورية تمكنها من تحقيق النجاح المتواصل. لذا يمكن القول إن التعاون المثمر بين الأنظمة المصرفية، الأمنية، الاستخباراتية، المنظمات الدولية، والمجتمع هو من يحدد حجم النجاح المتوقع لإستراتيجية مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. تبقى العلاقة بين مستوى النجاح المُحقق، وحجم التعاون بين الأطراف السابقة، علاقة طردية في حالتي الزيادة والنقصان؛ وطالما أنه من العسير الوصول إلى مرحلة التكامل في التعاون المثمر بين الأطراف السابقة، فمن الصعوبة بمكان القول بإمكانية تجفيف منابع الإرهاب وقطع قنوات غسل الأموال بالكلية!. تؤكد هذه النظرة التقارير الدولية التي تشير إلى نمو معدلات غسل الأموال وتمويل الإرهاب، رغم القوانين والأنظمة الصارمة، وتنامي تنفيذ العمليات الإرهابية حول العالم، التي لم تكن لتنفذ لولا وجود التمويل المالي، وهي تقارير لا تقبل التشكيك. لذا من الأفضل لمسؤولي البنوك المركزية، والقطاعات المالية حول العالم التعامل مع هذه القضية الحساسة بمسؤولية أكبر، خاصة في الطرح الإعلامي الذي يشهد، في بعض جوانبه، تسطيحاً لقضية كبرى قد تتسبب في القضاء على اقتصادات ضخمة، أو ربما تتعرض بسببها بعض الدول إلى إجراءات دولية يمكن أن تشل من حركتها، أو تقحمها في قضايا تقوض من أمنها واستقرارها الداخلي. القطاع المصرفي يمثل خط الدفاع الأول لمحاربة عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب، في حين يمثل المجتمع البيئة الحاضنة للعناصر الإجرامية، وعملياتها المشبوهة، وهو المسؤول عن نبذها، وكشف خططها بدلاً من احتوائها والتستر عليها ومد يد العون لها. أصبحت بعض عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب على علاقة ببعض الدول المارقة التي تستخدم نفوذها السيادي للإضرار بالدول الأخرى.

أحدث عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب المزدوجة والمعقدة ما تقوم به بعض الجماعات في دول عربية وخليجية تستغل فيه أموال قذرة متأتية من الخارج وتستثمرها في القطاع العقاري لا بقصد تبييضها بل لتحقيق أهداف توسعية إرهابية مستقبلية وفق خطط إستراتيجية بعيدة المدى. تمرر تلك الأموال نقداً عبر الحدود بطرق وأساليب ملتوية ثم يعاد إيداعها، وتغطيتها، في القطاع المصرفي. بعض تلك العمليات تكون مكشوفة لبعض الاستخبارات الغربية، ويتم التجاوز عنها لتحقيق أهداف خاصة، وهو ما يقودنا إلى محور التعاون الواجب تحقيقه بين الأطراف المسؤولة عن إنفاذ إستراتيجية مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، في سبيل تحقيق هدف الحد من تنامي العمليات القذرة. بقي أن نشيد بالإجراءات الدقيقة والعمليات الاستباقية الناجحة التي تقوم بها وزارة الداخلية السعودية في حربها ضد جماعات غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وإجراءات وأنظمة مؤسسة النقد العربي السعودي وكفاءة القطاع المصرفي في وقف التدفقات المالية المشبوهة، وهي إجراءات شهدت بكفاءتها المنظمات الدولية، إلا أنها تبقى في حاجة ماسة لجهود المجتمع بمكوناته المختلفة، وهي جهود ما زالت تقل عن المستوى المأمول.

F.ALBUAINAIN@HOTMAIL.COM



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد