Al Jazirah NewsPaper Tuesday  12/05/2009 G Issue 13375
الثلاثاء 17 جمادى الأول 1430   العدد  13375

ثقافة السؤال
تركي بن رشود الشثري

 

هل السؤال ضرورة أم ترف؟

سؤال بلا سابق إنذار أفضل من إجابة دبجت بمقدمة فاخرة، عندما أكتب ابتدئ بسؤال أو أختم بسؤال أو أضمن فكرتي حزمة أسئلة لإيماني العميق بأن عصور الانبعاث والنشور من تحت ركام ما تشاء أن تسميه تحتاج الأسئلة أكثر من حاجتها للحلول فالحلول غالباً ما تكون وقتية، أما الأسئلة فتأنيب للضمير الجمعي تؤتي وتؤتي.

عند ما كان أرسطو يهيم في شوارع أثينا لم يكن يوزع أجوبة بل يتساءل ويلقي أسئلة.

قامت الحضارات على أسئلة واقتاتت الثقافات على أسئلة منذ أصل الخليقة لما تساءلت الملائكة لماذا يخلق آدم بعد ما رأوا من فساد الجن في الأرض ولظنهم أنهم أكرم وأعلم سألهم الله عن أسماء الأشياء فلم يعرفوا فأمر آدم بعدما علمه أن ينبئهم وأسجدهم له فعلموا أنه أعلم وأكرم.

أسأل فتجيب وتسأل فأجيب فنفضي للحراك إذ الأصل(الفأل).. أسأل وتسأل فلا أجيب ولا تجيب لاختلاف المشارب ولكن تنقدح في ذهني وذهنك الإجابات الموضوعية إذ الأصل (العدل)..

فنعملُ جنباً إلى جنب بصمت إذ الأصل (الواقعية)..

الحل مدعاة للطمأنينة والسكون إذا لم يُسبق بسؤال محرج بينما السؤال يستفز ويحرك العقول والجوارح (للتفكير) و(الفعل) لذلك سمى د-غازي القصيبي كتابة التنموي ب (التنمية الأسئلة الكبرى) و(التفكير) و(الفعل) من أساسات التنمية لا الطمأنينة والسكون يقول الشاعر الإيراني الشيرازي (إذا شوهت المرآة وجهك فأصلح وجهك لا تكسر المرآة).

وهكذا السؤال المقلق ينبغي ألا نرده أو نشتبه فيه بل نرد أنفسنا للجادة ونشتبه في فهمنا للثابت وفعلنا على ضوئه فما بالك بالمتحرك فقد يكون هذا الثابت متحرك ألبسناه بإجابة مرتجلة عمامة الثبات فماد وحيّر المتشبثين.

السؤال الأريب يخنق الدوغمائية التي خنقت حراكنا الثقافي ردحاً من الزمن إذ قام في الملإ من لا معقب له وأطلق الأحكام بل دليل ولا مبرر سواء كان من أصحاب اليمين أو أصحاب الشمال.

السؤال الأريب يعيد الأمل في العقلية التقليدية إذ إنه يزرع بذور الحياة في تلافيفها فتنشط وتأتي بما لم ينتظر منها.

أما إذا غاب السؤال فلا تسأل عن نزوع الناس لأي شيء ينتمي للجذر(ق - ل - د) فيوضع قفل آخر على باب الاجتهاد ويخضع المجتمع للموروثات والأعراف الموافقة أو المخالفة للشرع لا فرق لديهم في ذلك، تقوم حرب اصطلاحية لا تبقي ولا تذر، ينقسم الناس إلى قسمين معنا أو ضدنا.

يكفر المعيَّن ويعيَّن الإسطوري مصلحاً فكريا أو ثقافياً أو دينياً أو اجتماعيا ولا يسأل عن التخصص وهم يسألون أسئلةً تعزز غياب السؤال وترسخ الدوغمائية إبراهيم عليه السلام حطم الأصنام وقال: (بل فعله كبيرهم هذا فسألوهم إن كانوا ينطقون) أراد أن يوقع في أنفسهم بقوله (اسألوهم) أن هذه الأصنام لا تنطق فلا نفع يرجى ولا ضر يخشى. وكثيراً ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يطرح الأسئلة ، أتدرون من المفلس ، أتدري ما حق الله على العباد... إلخ.

لغاية في نفسه وهي شحذ العقول وترسيخ المبادئ أما حذيفة بن اليمان فكان يقول. (كان الناس يسألون عن الخير وكنت أسأل عن الشر مخافة أن أقع فيه).

السؤال عصا سحرية يحتاجها أهل كل صناعة وفن وإن كان العرب يقولون عقل المرء خبيء لسانه فبالمعنى الأدق عقل المرء خبيء سؤاله لذلك لما دخل أحدهم وكان ذو شارة حسنه ووجه صبوح مجلس أبي حنيفة وهو بين طلابه كف رجله وعدّل في جلسته إجلالاً له فلما أطلق هذا المليح سؤاله الشهير متى

يفطرالصائم؟ قال : أبو حنيفة إذا غربت الشمس فقال : حسناً إذا لم تغرب؟ فقال أبو حنيفة قولته الأشهر آن لأبي حنيفة أن يمد رجليه.

لأنه وقف على عقل هذا المرء بعدما كشفه سؤاله الفاسد بحسب أفلاطون الذي سأله أحدهم ما فائدة الفلسفة؟ فقال هذا السؤال فاسد. نعم فليس كل الأسئلة تأتي بخير وفي هذا يقول د/ عبد الله الغذامي (أهم المسائل الثقافية والعملية وأخطرها هو (الأسئلة) وحينما أقول ذلك فإنني أرمي إلى غاية أنبه فيها إلى ما للأسئلة من أهمية مصيرية إذ أن السؤال هو الذي يقرر الإجابة ولأن الأمر كذلك فإن فن صناعة السؤال هو من أصعب فنون القول والمنطق وأنا أزعم أن كثيراً من البلبلة الفكرية التي نعيشها في واقعنا العربي الفكري المعاصر هي بسبب أسئلة مهزوزة قادت إلى إجابات مصابة بمثل تلك الأسئلة إلى أن قال - ولا ريب عندي أن ثقافة الأسئلة هي من الثقافات الغائبة عن فكرنا المعاصر ، بينما كانت هذه من أقوى مزايا الفقه الإسلامي (القديم) الذي كان يفترض (دائما) وجود صوت سائل يتحرك مع كل المسائل الفقهية مما أوجد إجابات نظرية لحالات غير موجودة فعليا ، وأدى إلى قيام علم (أصول الفقه) ليكون أساساً لتوجيه التصور وتنظيمه).انتهىإذن فن صناعة الأسئلة فن حساس يحتاج الدقة و التوقيت يقول د-عبد الكريم بكار في (المناعة الفكرية) (إن الأسئلة هي وليدة التأمل العميق ، التأمل هو التفكير في التفكير أي تسليط نور الوعي على ذاته كي يصبح على دراية أفضل بملاحظاته ومقولاته) انتهى.

وأنشد أبو هلال العسكري :-

فلو أني جعلت أمير جيش

فإن الناس ينهزمون منه

لما قاتلت إلا بالسؤال

وقد ثبتوا لأطراف العوالي

ومما يقرب من هذا من وجه واحد مقوله (رومان يا كوبسون)(الخلافات السياسية تورث الحروب والثقافية تنتج الأفكار) أجل الناس يتكاسلون متهافتين أمام السؤال المقلق للضمير لأنه يشحذ الفكر وإن نشطوا في أي ميدان آخر يتطلب العضلات أو الجماجم ، الحرب هدم والأفكار بناء وشتان بين الإثنين فما أسهل الأول وما أجل الثاني، ورحم الله ابن عباس الذي أجاب لما سئل بما طلبت العلم بقوله (بقلب عقول ولسان سؤول) وفي مراجع علم البرمجة اللغوية ومهارات الاتصال تأكيد على ضرورة السؤال وتكييف لتكتيك السؤال وزخم هائل من المقولات حول هذه المعاني من مثل قول بيكون (السؤال المتعلق نصف الطريق إلى الحكمة).وقول فولتير (أحكم على الناس بأسئلتهم لا بإجاباتهم وقول

(تشارلز ب - شتا ينميتس) (لا تبدو حماقة الإنسان الحقيقة إلا إذا كف عن السؤال).وفي المثل الفارسي (أن تسأل سؤالاً له معنى أصعب من أن تجيب إجابة لها معنى) وكان (بن فرانكلين) فيلسوفاً تخرج من مدرسة الحياة ، وكان يطالب الناس بأن يعملوا العقل فكان يسأل الكل عن الكل يسأل العلماء والأطباء والمهندسين والمدرسين وكانت أسئلته الافتراضية تحرك عالمه.

أما بعد:

س : هل السؤال ضرورة أم ترف؟

T-alsh3@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد