Al Jazirah NewsPaper Wednesday  13/05/2009 G Issue 13376
الاربعاء 18 جمادى الأول 1430   العدد  13376
بوش وجلادوه الفكريون
تزفيتان تودوروف

 

كانت المذكرة بالغة السرية الصادرة عن إدارة أوباما بشأن ممارسات التعذيب في سجون وكالة الاستخبارات المركزية سبباً في تسليط ضوء جديد على سؤال جوهري: كيف يتسنى لأشخاص يعملون باسم حكومة الولايات المتحدة أن يتقبلوا بمثل هذه السهولة فكرة تعذيب المحتجزين تحت عهدتهم؟

وطبقاً للمبادئ التوجيهية التي أقرتها إدارة بوش فمن الممكن تقسيم التعذيب إلى ثلاث فئات، وبدرجات متفاوتة من الشِدة: أولاً، تعذيب (الحد الأدنى) (العري، والتلاعب بالنظام الغذائي، والحرمان من النوم)؛ ثم التعذيب (التقويمي) (الضرب)؛ وأخيراً التعذيب (القسري) (الغمر بالماء، والحبس في قفص ضيق، وصب الماء البارد على الوجه بغزارة).

وعن الصفع على الوجه، فمن المفترض طبقاً للمبادئ التوجيهية أن يباعد المحقق بين أصابعه قليلاً حين يوجه الصفعة إلى المنطقة الواقعة بين الذقن وشحمة الأذن. أما غمر المحتجز العاري بالماء فيستمر لمدة 20 دقيقة إذا كانت حرارة الماء 5 درجات مئوية، أو لمدة 40 دقيقة إذا كانت حرارة الماء 10 درجات مئوية، أو لمدة ساعة إذا كانت حرارة الماء 15 درجة مئوية. أما الحرمان من النوم فلا ينبغي أن يتجاوز 180 ساعة، ولكن من الممكن أن يبدأ من جديد بعد ثماني ساعات من الراحة.

ومن الممكن أن يستمر التغطيس في حوض مليء بالماء لمدة 12 ثانية، وليس لأكثر من ساعتين يومياً لمدة ثلاثين يوماً على التوالي. وقد يستمر صب الماء على الوجه لمدة 40 ثانية على الأكثر، ولو أن اثنين من السجناء اخضِعوا لهذا النوع من التعذيب عدداً من المرات بلغ 286 مرة خلال شهر واحد. والحبس في قفص ضيق لا ينبغي أن يتجاوز ساعتين في كل مرة، ولكن إذا كان بوسع المسجون أن يقف منتصباً في القفص فقد يستمر الحبس لمدة ثماني ساعات في كل مرة، أو ما مجموعه 18 ساعة يومياً. وهناك أيضاً قواعد تحكم هذا النوع من التعذيب إذا أضيف إليه إدخال حشرة إلى القفص.

إن التعريف القانوني للتعذيب يشتمل ضمناً على تعمد إنزال المعاناة الشديدة بشخص ما. وعلى هذا فإن المحامين يوصون القائمين على التعذيب بإنكار نية التعمد. ونتيجة لهذا فإن الهدف من توجيه صفعة على الوجه ليس إحداث ألم بدني، بل المفاجأة والإذلال. أما الحبس في صندوق ضيق فليس الهدف منه إرباك السجين وإفقاده الإحساس بالزمان والمكان، بل منحه شعوراً بعدم الارتياح. ويتعين على القائم على التعذيب أن يؤكد دوماً على (حسن نواياه)، و(صدق معتقداته)، وعقلانية مقدماته.

ومن هنا كان الحرص على استخدام تعبيرات ملطفة بصورة منتظمة، فيستخدم تعبير (الأساليب المعززة) بدلاً من التعذيب، و(خبير الاستجواب) بدلاً من ممارس التعذيب. وبطبيعة الحال، يوصى دوماً بعدم ترك أي آثار بدنية للتعذيب. وعلى هذا فإن الضرر العقلي أو الذهني مفضل على الإصابة البدنية. وليس من المستغرب بالطبع أن أي تسجيل فيديو لهذه الجلسات تم تدميره بعد ذلك.

اشترك في ممارسات التعذيب أشخاص ينتمون إلى فئات مهنية متنوعة. وهذا يعني أن العدوى انتشرت إلى ما هو أبعد من الدائرة المحدودة للقائمين على التعذيب الفعلي. فإلى جانب المحامين الذين أضفوا الشرعية على هذه الأفعال، هناك علماء النفس والمتخصصون في الطب النفسي والأطباء (الذين كان حضورهم إلزامياً في أي من جلسات التعذيب) الذين قدموا على نحو منتظم أيضاً المبررات الأخلاقية أو القانونية أو الفلسفية لهذه الممارسات. وبينما مارس الذكور التعذيب الفعلي فإن إذلال السجين في حضور الإناث كان مفيداً في تضخيم شعوره بالذِلة والمهانة.

ولكن من يُعَد من الناحية القانونية مسؤولاً عن هذا التحريف للقانون والمبادئ الأخلاقية؟

إن المتطوع الذي نفذ مهمة التعذيب أقل مسؤولية من الموظف المدني رفيع المستوى الذي برر هذه الممارسات وتولى رعايتها، والأخير بدوره أقل مسؤولية من صانع القرار السياسي الذي أمر بتبني هذه الممارسات.

إن كنا نريد أن نفهم لماذا تقبل بعض الأمريكيين ممارسة التعذيب بهذه السهولة، فلا ينبغي لنا أن نبحث عن خوف موروث أو كراهية موروثة من المسلمين والعرب. كلا، إن السبب أسوأ من هذا بكثير. إن المذكرات التي كشفت عنها إدارة أوباما تخبرنا بأن أي شخص يطيع مبادئ نبيلة ظاهرياً يمليها عليه (الإحساس بالواجب)، أو ضرورة (الدفاع عن الوطن)، أو من يحثه خوف غريزي على حياته ورفاهيته، أو حياة ورفاهية أسرته، من الممكن أن يتحول إلى جلاد.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2009م.
www.project-syndicate.org
خاص «الجزيرة»





 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد