Al Jazirah NewsPaper Sunday  31/05/2009 G Issue 13394
الأحد 07 جمادىالآخرة 1430   العدد  13394
أعينوا الفقراء على مساعدة أنفسهم
بييير ستينباك

 

من بين النتائج المبكرة للركود الذي يعيشه العالم اليوم هو أن العديد من الحكومات المانحة سارعت إلى خفض برامج المساعدات الخارجية. فقبل أن يتولى الرئيس باراك أوباما منصبه كان قد وعد بمضاعفة المساعدات الأميركية الخارجية، من 25 مليار دولار إلى 50 مليار دولار، ولكن منذ ذلك الوقت حَذَّر نائب الرئيس جو بايدن من أن هذا الالتزام قد يتحقق بسرعة أبطأ نتيجة للانحدار الاقتصادي.

وهنا في فنلندا، تقلصت مساعداتنا الخارجية بنسبة 62% أثناء سنوات التسعينيات الأولى، وهي الفترة التي ما زال الفنلنديون يطلقون عليها (فترة الكساد).

كما انحدرت المساعدات الخارجية اليابانية بنسبة 44% حين واجهت البلاد ظروفاً عصيبة.

وقد يؤدي الركود العالمي الحالي إلى انخفاض مساعدات التنمية الرسمية على مستوى العالم بنسبة 30%.

من السهل أيضاً أن نتوقع من الحكومات المانحة أن تنظر بحرص إلى الإنفاق المتزايد على عمليات حفظ السلام الأربع عشرة التابعة للأمم المتحدة في مختلف أنحاء العالم.

فقد بلغ إجمالي فاتورة كافة عمليات الأمم المتحدة أثناء الأشهر الاثني عشر السابقة لمنتصف عام 2008 حوالي 6,7 مليار دولار، أي ضعف مستوى الإنفاق منذ خمسة عشر عاماً.

ولا يسع المرء إلا أن يتخيل العواقب الوخيمة التي كانت لتقع لو تم تخفيض تلك العمليات التي كانت هزيلة بالفعل آنذاك.

ويتعين علينا أن نتذكر أن حملة الإبادة العرقية في رواندا كانت مسبوقة بحالة مماثلة من الافتقار إلى التحمس لتمويل مهمة الأمم المتحدة هناك.

وتشير الأحداث الأخيرة في الكونغو ومناطق أخرى من العالم إلى أن المجال لم يعد متاحاً لأي تهاون ناتج عن الشعور بالرضا عن الذات.

بيد أننا نستطيع أن نقول باطمئنان إن التحويل الأضخم للأصول من البلدان الغنية إلى بلدان العالم النامي يتسنى من خلال التحويلات المالية للمهاجرين.

ويبدو أن قِلة من صناع القرار يدركون هذه الحقيقة.

ففي عام 2006 أرسل نحو 150 مليون مهاجر حوالي 300 مليار دولار إلى أسرهم في البلدان النامية.

والحقيقة أن عدد التحويلات ضخم للغاية، حيث قُدِّر بحوالي 1,5 مليار عملية تحويل سنوياً.

وأغلب هذه التحويلات المالية كانت بمبالغ تتراوح ما بين مائة إلى ثلاثمائة دولار، وهي تستخدم عادة لتغطية تكاليف الاستهلاك المنزلي المباشر.

كان إجمالي قيمة مساعدات التنمية الرسمية في عام 2006 حوالي 126 مليار دولار، أي أقل من نصف قيمة التحويلات المالية الخاصة، وذلك رغم أن هذا الرقم يشتمل على المساعدات المقدمة من بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وبلدان أخرى من غير الأعضاء في المنظمة، فضلاً عن الصين.

وإذا تسبب الركود في خسارة المهاجرين لوظائفهم في البلدان الغنية المضيفة واضطرهم إلى العودة إلى ديارهم في بلدانهم الأصلية، فإن هذا يعني أن ملايين الفقراء سوف يزدادون فقراً على فقر.

وبوسعنا أن نقيس الأثر المحتمل من خلال النظر إلى المناطق التي توزعت عليها تلك الثلاثمائة مليار دولار من التحويلات المالية.

في عام 2006 تلقت البلدان الأوروبية الأكثر فقراً حوالي 50 مليار دولار، وحصلت أفريقيا على 38 مليار دولار، وحصلت أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي على 68 مليار دولار، وحصل الشرق الأوسط على 24 مليار دولار، أما آسيا فكانت المستفيد الرئيسي من هذه التحويلات، حيث تلقت منها 113 مليار دولار.

في الإجمال، نستطيع أن نقول إن حوالي 10% من سكان العالم يستفيدون من التحويلات المالية، حيث إن 57 دولة تتلقى كل منها مليار دولار أو أكثر سنوياً.

والحقيقة أن بعض البلدان تعتمد على دخلها من التحويلات المالية من الخارج.

فقد حصلت الرأس الأخضر (Cape Verde) على 34% من ناتجها المحلي الإجمالي من التحويلات المالية، واريتريا 38%، وبوروندي 23%.

وفي آسيا كانت الأرقام 30% بالنسبة لأفغانستان، و38% لطاجيكستان، بينما في أوروبا تلقت مولدوفا 31% من ناتجها المحلي الإجمالي من مصادر خارجية.

وهنا تمثل قوانين مكافحة الإرهاب مشكلة عويصة، وذلك لأن المطالبة بفرض آليات رقابة أشد فعالية على التحويلات المالية الدولية يلقي بقدر إضافي من العبء على القائمين على التحويلات.

ولا شك أن هذه القواعد الجديدة كانت سبباً في ارتفاع تكاليف التحويلات المالية.

ولكن الكفاح ضد الإرهاب وتمويله يعني أن الحكومات والمؤسسات المالية أصبح لديها بيانات مكثفة عن تدفقات الأموال عبر الحدود، وهي البيانات التي لابد وأن تستخدم لمساعدة الناس في إرسال الأموال إلى أقاربهم بقدر أعظم من السهولة.

إن إرسال الأموال إلى بعض البلدان لم يعد مسموحاً به إلا من خلال القنوات المصرفية الرسمية، ولقد أدى هذا إلى خلق احتكارات فعلية بينما تسبب في الوقت نفسه في منع أموال التحويلات من الوصول إلى المناطق الريفية حيث لا تعمل البنوك.

إن السماح للمزيد من المؤسسات المالية غير الرسمية بتحويل الدفعات المالية الخارجية من شأنه أن ييسر من تدفق المال إلى المناطق النائية.

ومن الممكن أن تعمل التعاونيات والاتحادات الائتمانية، وأشكال جديدة من التمويل البالغ الصغر، كشبكات تختص بضمان المزيد من فرص الوصول إلى هذه الأموال.

إن القواعد القانونية المقيِّدة في بعض البلدان تستبعد المهاجرين من استخدام الأنظمة المصرفية الرسمية ما لم يتمتعوا بالوضع القانوني الضروري.

غير أن بلدان أخرى اتخذت خطوات لجعل انتقال التحويلات المالية ممكناً عبر الهواتف المحمولة.

إن حجم هذه التحويلات، وأهميتها في إبقاء الملايين من الناس فوق خط الفقر، يشير إلى أن حكومات البلدان الغنية لابد وأن تلقي نظرة فاحصة على الأنظمة القائمة.

ولا شك أن إدخال تحسينات على النظام من شأنه أن يساعد في تخفيف العبء المفروض على الضحايا الأبرياء الذين سقطوا نتيجة للانحدار المالي والاقتصادي.

ومن الأهمية بمكان أن تحرص مثل هذه المراجعة على إعادة النظر في الممارسات المقيِّدة التي يمكن إلغاؤها، وأن تتساءل عما إذا كان من الواجب أن تتكيف المساعدات الرسمية مع احتياجات شبكة المساعدات غير الرسمية التي تشكل أهمية حاسمة.

***

* وزير خارجية فنلندا الأسبق والأمين العام الأسبق للاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر.

وهو عضو المجلس التنفيذي لمجموعة الأزمات الدولية.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2009م.
خاص «الجزيرة»



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد