Al Jazirah NewsPaper Saturday  06/06/2009 G Issue 13400
السبت 13 جمادىالآخرة 1430   العدد  13400
خطاب رؤية يحتاج لبرنامج عمل سياسي كبير
كيف يفكر الإسرائيليون للتخلص من أوباما؟
د.علي بن شويل القرني

 

الخطاب التاريخي للرئيس الأمريكي باراك أوباما في جامعة القاهرة يشكل تحولا نوعيا في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة، وتجاه العالم الإسلامي.. وقد كانت انطلاقة أوباما من المملكة العربية السعودية قبلة المليار ونصف المليار مسلم، وأرض الحرمين ...

... الشريفين، حيث استمع إلى نصائح وأفكار سعودية ذات قيمة عالية في توجهه نحو العالم الإسلامي.. ثم لقاؤه مع الرئيس المصري حسني مبارك بما تحمله مصر من ثقل عربي وإسلامي، وعلاقات سياسية مع كافة الأطراف ذات العلاقة بالنزاع العربي الإسلامي..

وأخيرا أطلق باراك أوباما خطابه التاريخي الذي وجهه من منبر علمي، ليخاطب فيه الأجيال الإسلامية في العالم العربي، في بادرة رمزية لتوجهه نحو المستقبل، وطي صفحة الماضي.. ولا شك أن الخطاب أتى بقضايا محورية في العلاقات العربية الإسلامية مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتناول قضايا مهمة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، وقضايا المنطقة بشكل عام، بما فيها العلاقة مع إيران وأفغانستان..

ويحتاج الخطاب إلى دراسات معمقة، حيث إن كل قضية تحتاج إلى تفصيل وشرح ومناقشة، ولكن في العموم فإن الخطاب يعد من الخطابات التاريخية التي قدمها أي رئيس للولايات المتحدة تجاه المنطقة، فهو خطاب يريد أن يؤسس لعلاقات المستقبل مع المنطقة.

ومن المؤكد أن التحضيرات التي سبقت إلقاءه لهذا الخطاب مرت بقنوات عديدة حتى تشكلت مضامين وبناء هذا الخطاب، كما فكرة إلقائه من عاصمة عربية إسلامية هي في حد ذاتها خطة نجاح لهذا التوجه الجديد في السياسة الأمريكية مع العالم الإسلامي.

والسؤال المحوري هو ماذا بعد هذا الخطاب؟

ماذا على الولايات المتحدة الأمريكية أن تقوم به، وماذا على الفلسطينيين؟ وماذا على الإسرائيليين؟ وماذا على العرب؟ فالخطاب يشكل أجندة سياسية في المنطقة، ويجب أن تتفاعل معها كافة الأطراف في المنطقة؟ فالخطاب هو خطاب رؤية، وليس مقصودا به أن يكون تحديدا لبرنامج تنفيذي، أو خطوات عملية مباشرة على أرض الواقع..

أمريكيا

الخطاب رغم أهميته الفكرية والسياسية والاجتماعية إلا أنه يحتاج إلى تحديد برنامج عمل سياسي كبير، يعمل عليه الرئيس أوباما مع فريقه من الوزراء والمستشارين في إعداد خطة عمل تفصيلية، مبنية على هذه الرؤية الإستراتيجية نحو قضايا ومشاكل المنطقة.. ويجب أن تكون الخطوة القادمة هو وضع برنامج سياسي لتفعيل هذه الرؤية نحو تحريك عملية السلام في المنطقة، ويجب أن تضع الإدارة الأمريكية خطة زمنية محددة، مبنية على أساس قبول الحد الأدنى من متطلبات السلام من كل أطراف النزاع، حتى لا يقف طرف - وخاصة الطرف الإسرائيلي - عقبة أمام تقدم العملية السلمية.

فلسطينيا

ينبغي على السلطة الفلسطينية أن تجمع شتات الفصائل بما فيها حماس للوصول إلى موقف إنقاذ للوضع الفلسطيني المتردي منذ أكثر من عامين، ويجب أن تعمل حماس بروح وطنية أكثر من الروح الفصائلية التي تملي شروطا تعجيزية على واقع العمل الفلسطيني الحالي. فالفلسطينيون معنيون قبل أي طرف آخر في هذا النزاع بالنهوض من كبوة السقوط السياسي والتشرذم الداخلي للوصول إلى موقف واحد وجبهة مشتركة لإدارة مفاوضات السلام مع إسرائيل. والوضع الحالي للفلسطينيين هو الحجة الأكبر التي تعتمدها إسرائيل في تسويفاتها نحو استحقاقات السلام في المنطقة.

عربيا

العالم العربي معني بتوفير غطاء سياسي للفكر الجديد والرؤية الخلاقة التي وضعها الرئيس الأمريكي في خطابه الأخير. فهي رؤية تستحق الدعم والتأييد والمباركة، مهما كان فيها من قصور أو ضعف في بعض الجوانب. ولهذا فالخطاب يعطي فرصة تاريخية مهمة لتحريك أوضاع المنطقة إلى الأمام، ويجب توظيف هذا التوجه الجديد في السياسة الخارجية الأمريكية لخدمة المبادرة العربية، وتقديم كافة سبل النجاح لها، بتكريسها والحديث عنها، وعن مضامينها الجريئة في بناء منطقة شرق أوسط آمنة وسلمية. ويجب التلويح بالجوانب الإيجابية في فتح صفحات جديدة في العلاقات العربية الإسرائيلية للضغط على الرأي العام الإسرائيلي في ضرورة قبول المبادرة العربية.

إسرائيليا

إسرائيل تعيش حالة من الإغماء التي لم تستفق منها حتى الآن، وقد وضعت حكومة نتنياهو نفسها أمام الحكومة الأمريكية في شبه مواجه، وتصادم حتمي. ولربما أن انتخاب نتنياهو في ظل عهد الرئيس أوباما كان خطأ من أساسه، فلم يتعرف الرأي العام الأمريكي في حينه على توجهات الرئيس الأمريكي الجديد، ولكن من المعروف أن الحكومة الإسرائيلية الحالية تعيش حالة طوارئ، ولا تعرف حتى الآن كيف تتصرف أمام الموقف الأمريكي الجديد تجاه إسرائيل.. ويشكل موقف أوباما خطرا على الحكومة الإسرائيلية، وعلى الفكر التوسعي الاحتلالي لإسرائيل، وخاصة الحكومة والأحزاب اليمينية الإسرائيلية، فماذا ترى تدبر إسرائيل الحكومة والمؤسسة تجاه هذا الوضع؟ وفي نظري وبحكم ما نعرفه عن التفكير الإسرائيلي فإن إسرائيل ستسعى إلى محاولة بعثرة أوراق المنطقة، والتأثير على الموقف الأمريكي.. ورهن الأوضاع بأحداث جديدة ومستجدات نوعية. وأمام أجهزة الإعلام والاستخبارات الإسرائيلية خيارات عديدة، منها ما هو مرهون بأحداث صغرى، ومنها ما قد يتجه إلى صناعة أحداث كبرى في المنطقة:

أولا: الأحداث الصغرى:

1- ستعمل إسرائيل على الاعتماد على قاعدة الخلاف داخل البيت الفلسطيني، وستعمل على تكريسه كعنصر محوري في عدم وجود شريك واحد، موثوق في التعامل مع الطرف الإسرائيلي، ومن المتوقع أن تقدم بعض الفصائل الفلسطينية بعض الخدمات في هذا المجال، بقصد أو بغير قصد.. فإذا لم تنجح السلطة الفلسطينية في مفاوضاتها مع قيادة حماس، فهذه نقطة البداية لخدمة المصلحة الإسرائيلية.

2- افتعال حوادث داخل إسرائيل بتدبير تفجيرات مدنية، تؤسس لحالة نفسية جديدة في العلاقات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وستحاول من خلال مثل هذه الأحداث أن تبني مواقف مناهضة لعملية السلام في المنطقة، بالتأثير على مواقف الرئيس أوباما.

3- ممارسة ضغط إسرائيلي غير عادي على الإدارة الأمريكية في توجهها الجديد، فقد انطلقت مظاهرات أثناء فترة إلقاء أوباما لخطابه التاريخي، تنادي بأن أوباما هو معاد للسامية، ومن شأن هذه المظاهرة أن تبدأ في الدوران الإعلامي لتصل بقوة لأنصار إسرائيل في الولايات المتحدة، كما أن أعضاء من الكونجرس الأمريكي الموالي لإسرائيل قد بدأ رفض فكرة تجميد الاستيطان، ومن شأنه أن يتحدث خلال الفترة القادمة وبأصوات مسموعة نحو زعمه عن انحياز أوباما إلى المواقف العربية.

4- سيخدم هذا التوجه الإسرائيلي بكل تأكيد حملات علاقات عامة داخل الولايات المتحدة وبعض العواصم الغربية، بهدف التأثير على قبول مشروع أوباما في عملية السلام، وسيتم التأكيد على أن إسرائيل ستكون في خطر كبير أمام تحولات السياسة الأمريكية في المنطقة.

ثانيا: الأحداث الكبرى:

ستحاول إسرائيل - إذا وجدت نفسها في مأزق سياسي كبير - أن تصنع أحداثا كبرى جديدة في المنطقة أو في الولايات المتحدة الأمريكية..

1- افتعال حرب خاطفة جديدة على الفلسطينيين، أو على لبنان، أو على سوريا ولا سيما ونحن على أعتاب الصيف، حيث معظم الحروب الإسرائيلية تشن خلال هذه الفترة، وهي تعتبر فترة فراغ تشريعي في كثير من دول العالم بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية. ولن يكون صعبا عليها افتعال أحداث، كإطلاق الصواريخ من غزة أو جنوب لبنان لتسخين الوضع القائم، والدخول في حالة حرب جديدة. وبهذا يمكن أن تعيد حسابات الإدارة الأمريكية في أوضاع المنطقة، وسيبدأ العالم بمحاولة تهدئة الأمور، وإعادتها إلى أوضاعها السابقة، وهذا من شأنه أن يستنزف شهورا وسنوات، ويقضي بالتالي على أحلام أوباما في حل المشكلة الفلسطينية.

2- فتح ملف أوباما الداخلي، ومحاولة نبش الماضي، لعلها تعثر على فضائح أو مخالفات من شأنها أن تضعف الموقف الداخلي للإدارة الأمريكية. وصحيح أن أوباما خلال عام الانتخابات قد واجه بعض المواقف التي حاولها الحزب الجمهوري في التأثير على الناخب الأمريكي، ولكنها لم تنجح.. وبمقدور اللوبي الإسرائيلي أن يشتغل بمثل هذه الأحداث والمواقف وتتولاها آلة الإعلام الإسرائيلي بكل جدارة وقوة.

3- الحدث الأصعب أمام أجهزة الاستخبارات الأمريكية هو محاولة التخلص الجسدي من أوباما، بزرع ظروف اغتيال له في أي مكان داخل أو خارج الولايات المتحدة. وقد يبدو هذا السيناريو بعيدا الآن، ولكنه يظل ممكنا أمام آلة التفكير الإسرائيلية، التي ترى أن مصالحها التوسعية والاحتلالية مهددة، ويجب أن تضحي بأي شخص يقف أمام الأطماع الإسرائيلية.. وهناك شواهد على ذلك في تاريخ الدولة الصهيونية. مثل اغتيال برنادوت السويدي الذي نادى عام 1948م بوقف الهجرة اليهودية لإسرائيل، فدبرت عصابات الإرهاب اغتياله في حينه. وتستطيع الاستخبارات الإسرائيلية أن تزرع من ينفذ عملية اغتيال للرئيس الأمريكي أوباما إذا وصلت إلى مأزق كبير أمام أطماعها. والحديث عن اغتيال أوباما لم يكن جديدا فقد سرى في الإعلام خلال الحملة الانتخابية له عام 2008م، بحكم التشبيه بينه وبين الرئيس الأمريكي جون كيندي الذي ذهب ضحية اغتيال لا تزال غامضة إلى هذا اليوم. فقد يكون من سيناريوهات إسرائيل الشروع في التخطيط لمثل هذا العمل، وستجد من المرتزقة السياسيين من يسعى لأن ينعم بمثل هذا المجد التاريخي.



رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال أستاذ الإعلام المشارك بجامعة الملك سعود alkarni@ksu.edu.sa

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد