Al Jazirah NewsPaper Tuesday  09/06/2009 G Issue 13403
الثلاثاء 16 جمادىالآخرة 1430   العدد  13403
موضة جديدة!
د. عبد الله بن سعد العبيد

 

مع انتشار القنوات الفضائية وكثرتها واعتبارها استثماراً مادياً لا يمكن تجاهله، كان هناك عدد كبير من ساعات البث التي يجب طبعاً أن يتم اشغالها وتوظيفها حتى لا يتم اللجوء لتكرار البرامج والمواد الإعلامية وهو أمر غير محمود في العرف الإعلامي.

لذا يتفتق بشكل مستمر ودائم ذهن القائمين على تلك المحطات يوماً بعد آخر بأفكار يدفع المشاهد ثمن تدني وانحطاط مستواها. ولأن المشاهد مخيّر فيما يتابع ويشاهد، فإن الأمر إلى هنا يعدُّ مسئوليته إلى حد كبير مع افتراضنا حداً أدنى من الوعي لديه، فهو يستطيع التفريق بين الغث والسمين فيما يتابعه من مواد إعلامية عبر عدد هائل من محطات إعلامية حديثة تملأ فضاء عالمنا العربي وما زالت كذلك.

لكن يجب عدم إغفال أن ثمة عدداً كبيراً من المشاهدين صغار السن من الجنسين أيضاً ممن يحتاج إلى توجيه أو رقابة فيما يشاهد، وهذه مسؤولية أولياء الأمور بعد أن فقدنا الأمل في اضطلاع القائمين على المحطات التي تبث مواد إعلامية أقل ما يقال عنها إنها مخجلة، أقول بعد أن فقدنا الأمل في اضطلاعهم بمسؤوليتهم في عدم العبث بثوابت الأخلاق لدى المشاهد العربي الصغير عبر ما يبث بمحطاتهم الفضائية.

لقد ساهمت تلك القنوات الفضائية عبر العصور في إحداث تغيير كبير في المجتمعات والتأثير السلبي على كثير من الثقافات بفعل قدرتها على إيصال مختلف أنواع الرسائل الإعلامية السلبية إلى قطاعات واسعة وكبيرة جداً من الجمهور عبر مواد إعلامية حظيت وما زالت بكثير من اهتمام المتابع، بغض النظر عن الحدود الجغرافية والسياسية للدول وبصرف النظر عن اختلاف ثقافاتها ومنابعها الفكرية والحضارية. والثقافات الإنسانية طوال تاريخ البشرية لم تكن بمنأى عن التأثيرات السلبية أو الإيجابية منها.

ولا يخفى على الكثير أن أكثر الفئات تأثراً هم الفئة غير المتعلمة أو قليلة التعليم أو من صغار السن والتي تنساق بسهولة خلف ما تروجه هذه القنوات من ثقافات ومعارف. ويؤدي الجهل بأهداف وغايات ومرامي الرسائل الإعلامية دوراً كبيراً في شدة التأثير على المتلقي. كما لا يخفى أن أحد أهم وسائل السيطرة الثقافية هي ترويج مواد وبرامج إعلامية لثقافات معينة تستهدف تلك الفئات وذلك الجمهور مع التأكيد والتكرار على نفس الأفكار في عدة برامج وبصور مختلفة ومتعددة ومتنوعة بما يضمن إحلال ثقافة معينة مكان الثقافة الأصلية بصورة منظمة ذكية.

فالتأثير الخطير لهذه المواد الإعلامية يكون في مضامينها التي لا تنسجم مع الثقافات المحلية وتقوم على نزعها وتشتيتها وتعويضها بأخرى تكون مقوماتها وقيمها بحسب أهداف ذلك التوجه، ويقاس نجاحها من خلال الظواهر المشاهدة في السلوك والمظهر والتفكير.

نعيش اليوم أعزائي القراء عالماً مليئاً بالإحباطات وتحيطه المكدرات والمنغصات والفاقة من جميع جوانبه، عالم كثرت فيه الأمراض النفسية وضعف فيه الوازع الديني والأخلاقي نتيجة عدد من المثبطات والهموم مما يسهل المهمة ويخلق أرضاً خصبة لممارسة التغيير الثقافي المنشود.

وبدلاً من أن نقوم بالتصدي لذلك من خلال إنتاج وإخراج مواد إعلامية إيجابية مضادة تكرس القيمة المحلية وتعزز الوازع الأخلاقي والديني، ذهبنا لحشو ساعات البث لكثير من القنوات الفضائية بمواد إعلامية أسوأ مما ذكرنا سابقاً، ففضلاً عن انتشار الفلكيين والسحرة والمعالجين الدجالين في كثير من القنوات التي أصبحت تسترزق من هكذا برامج، خرج علينا مؤخراً موضة جديدة وهي المذيع الشامل الذي يستطيع تقديم برامج سياسية حوارية واجتماعية إصلاحية ونفسية علاجية وحتى برامج أسرية في المطبخ وغرف نوم الأطفال والحياة الجنسية والإرشاد الأسري لمرحلة الطفولة والمراهقة، بحيث أصبحنا نرى ونسمع حلولاً لمشكلات متعددة من مصدر واحد، وغاب بذلك عنصر التخصص وحضر نجم الشمولية.



dr.aobaid@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد