Al Jazirah NewsPaper Tuesday  09/06/2009 G Issue 13403
الثلاثاء 16 جمادىالآخرة 1430   العدد  13403
المنشود
أيها الموت، ليس بعد!!
رقية سليمان الهويريني

 

تفجعني وتؤلمي أخبار وقصص وأحاديث اجتماعية باتت غير مستغربة، بل وعادية، منها: العثور على شاب قتيل في مقتبل العمر وقد علق نفسه في السقف ولف عنقه بحبل، أو امرأة مادت بها الأرض من جراء معاناتها أو وقوعها ضحية لفقدان شرف، أو خيبة أمل أو مشكلة عاطفية، فاختارت الموت منجيا بزعمها. أو رجل سبعيني وجدوه قد فارق الحياة عبر ممارسة خاطئة للهروب من قدر كتبه الله عليه!

فهل من حقنا فعلا أن ندعو الموت في أي وقت ليخلصنا من واقعنا المرير متى شئنا وكيفما أردنا، تحت وطأة من معاناة وحالة ضعف شديدة تتساوى فيها حياة قاسية مع موت مريح؟!

وهل هذا القرار الفردي الغارق في دياجير اليأس، المغموس في أقداح الحزن، المترع بأكواب النرجسية كافٍ ليكون مبررا للهروب من ذلك الواقع أيا كانت مرارته وقسوته؟

إن المرء ليعجب من حال بعض البشر وهم يطلبون الموت، بل ويتمنونه وهم في حالة يأس وقنوط، ولا يطلبونه وهم في استقرار وحياة هانئة، برغم أنه لقاء بالله عز وجل وقرب منه! فأي أنانية وحب للذات ورغبة عارمة في الحياة حين تكون هانئة؟! وأي هروب من اختبارات وابتلاءات ربانية كتبها الله على عباده ليمحص ذنوبهم؟ بينما لو تأملنا سيرة نبي الله يوسف عليه السلام وهو من تعرّض لمحن وخطوب وأرزاء ونكبات وابتلاءات واتهامات وافتراءات وكذب وأفك لم يتعرض لها أحد من غير الرسل، ومع ذلك لم يتمنَ الموت في أي موقف عصيب مرَّ فيه! وعندما أذعنت له الدنيا وآتاه الله المُلك وخرَّ له والداه وإخوته سجدا قال حسب الآية الكريمة {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} فقد كان يرغب بلقاء ربه وهو في وجاهة ومكانة كبيرة وشرف عظيم يستحقه جلال الله وعظمته وهيبته، ولم يطلب الموت وهو بائس أو ضعيف أو سجين مثلما يطلبه الجبناء الهاربون من مواجهة قدرهم ومقابلة مصيرهم!

نعم! تجيش بنا الهموم، فنتمزق إربا..

وتجتاحنا غوائل الفقد حينا، والحنين أحيانا كثيرة..

وتحيط بنا الإحباطات من كل صوب، وخيبة الأمل من كل حدب..

فنجد أنفسنا أمام طوفان من المطالب، بينما تقف أهدافنا لا تبرح مكانها، وتظل احتياجاتنا أسيرة الرضا والقبول أو التهميش والرفض.

ونبقى نحن نتأرجح بين حبال اليأس، وخيوط الرجاء.

تعبُّر أجسادنا بطريقتها الخاصة عما تعجز عنه نفوسنا؛ فتظهر أمراض وعلل غريبة الشكل والمحتوى. فيلجأ كثير منا للبكاء تارة! وللغضب تارات! والنتيجة انكسار يلمحه من لديه أدنى فراسة وأقل ذكاء!

تقطعنا أنياب الخطوب، وتقذف بنا لنواجذ المصائب، فتمضغنا، بل تطحننا وترمي بنا لألسنة الحقد فتلوكنا الشماتة، وتلفظنا شفاه التشفي، وقد أصبحنا قطعا متفتتة متعبة من الآلام والنصب. فهل يكون الموت بعدها مبتغًى ومطلباً؟

وهل نتمناه فعلا، ونمارس طقوسه؟ وهل نتجرأ على المساس بشرعيته؟ أم نسلِّم الأمر لصاحب الأمر، ونذعن لله برضا وقناعة، ونتقبَّل الحياة بثبات كالجبال وشجاعة كالأبطال؟!

rogaia143 @hotmail.Com
ص. ب 260564 الرياض 11342



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد