Al Jazirah NewsPaper Wednesday  10/06/2009 G Issue 13404
الاربعاء 17 جمادىالآخرة 1430   العدد  13404

أَدَبياتُ معالي الدكتور محمد عبده يماني «1-3»
كتبه لكم :أبو عبد الرحمن ابن عقيل الظاهري

 

من الأدبيات التي أوردها معالي الدكتور الكريم محمد عبده يماني قول الدكتور غازي مجاوباً:

إن السياسة فاعلمن

في كل ميدان تفيدْ

فنُّ القيادةِ ليس من

علم السياسة بالبعيد

يا أيها الإخوان (م م)

أترككم وأشواقي تميد (1)

قال أبو عبدالرحمن: هذا كأنه من شعر مشايخي الفقهاء، غفر الله لهم، أو كأنه من نظمي العاقل في ديواني (النغم الذي أحببته)، ولكنه عُطاس موهبة الدكتور غازي بذكاء وأريحية.. كأنه يقول (وهو قال ذلك بدلالة الحال): سأقول على مستوى قصيدتك التي وجهتها إليَّ عندما توليتُ رئاسة سكة الحديد بلا تكلُّف.. وهذا ذكاء وورع من معالي الدكتور؛ لأنه لو قارض بألق فني لكسر خاطر صاحبه، وأظن ظناً مجرداً أن معاليه رأى أحكام الربا تسري في الشعر بالشعر؛ لأن الرسول? قال: (التمر بالتمر: يداً بيد، كيلاً بكيل، مثلاً بمثل)؛ فتورَّع - حفظه الله - من الربا.

قال أبو عبدالرحمن: نحن معشر الظاهريين لا نقيس في الشرع وإن كُنا ذوي قياس دقيق في الدنيويات؛ ولهذا لما أراد شيخي عبدالله ابن (2) خميس - متعه الله بالصحة والعافية - أن يُخْرجني من زمرة أدباء العصر تشبُّهاً وقياساً احتج عليَّ بامتناع القياس في مذهبي؛ فقال يمدحني (!!!) جزاه الله خيراً:

خدعوك يا هذا ومِثْلُكَ يُخدعُ

فظللتَ تَرْقُلُ في الأنام وتُوضِعُ

قالوا بأنك شاعر ومُثقَّفٌ

ولك البيان الجاحظيُّ الأرفع

تُبدي لنا وجهَ الطفولة ساذَجاً

ووراءه الوجهُ القبيحُ الأسفع

رفقاً بجيلك فالقياس معطَّلٌ

وأبو محمدْ ظاهرياً يُمنع

قال أبو عبدالرحمن: أعتبر اهتمام الشيخ بتلميذه مديحاً له حتى لو قال: (الليل ليل والنهار نهار!!)، ولقد تجاوزتُ - بحمد الله - البيان الجاحظيَّ الأرفعَ منذ صحبت الإمام ابن حزم وابن فارس والزيات وطه حسين ودريني خشبة.. إلخ و(إليوت) لا دَرَّ دَرُّه، وتجاوزت ضرورة (وأبو محمَّدْ) بسكون الدال والعرب لا تصل بساكن - ولو قال: (إن ابن حزم عن قياسٍ يمنع) لزالت الضرورة -، وتجاوزت طسماً وجديساً وأشعارهم العربية (؟!!).. وشيخي ابن خميس - حفظه الله - أول من نشر ذِكْرَ تلميذه في مجالسه إلى أن بهره الإعجاب، وكأنه - حفظه الله - نسي قولي في النغم الذي أحببته:

نسكب الفنَّ رحيقاً ظاهرياً

من ضمير الغيب لحناً أبدياً

وأعود لمعالي الدكتور غازي؛ فأقول: ختام القصيدة ببساطته ذو شاعرية فيما ينطوي عليه من ذكاء؛ فلما احتجَّ بأن السياسة ممارسة وليست ظَرْفَ التعيينِ بقرار في عمل دبلوماسي، أو شهادةَ الدكتورِ في المراحل العالية: أشعر محبِّيه بأنه باعهم من لحم ثورهم فلم يتكلَّف، وأنه وفَّى لهم الكيل على النَّسق نفسه؛ فما بعد هذا إلا الاختصار بالوداع وإعلان أشواق تميد!!.. يا دكتورنا القصيبي لقد نعيتَ إليَّ نفسي الأدبية بهذا الذكاء، والذي أعرفه أن الدكتور يجيد تقمُّصَ الشخصية الأدبية، ولقد اطلعت على مقارضة شعرية يغلب في ظني الآن أنها للدكتور مجاوباً جواباً أخوياً سماحة الوالد معالي الشيخ راشد ابن خنين - متعه الله بالصحة والعافية -؛ فظننت أن الدكتور من أبناء هذا الفن الذي لا يتقنه سوى نحن طلبة العلم الشرعي، وهكذا في قصيدته (السناكيح)، وهكذا معارضته لمقالتي القديمة لما طلَّقت الصحافة (آن له أن يُعجم).

وأورد معالي الدكتور محمد عبده نونية عمر بن أبي ربيعة - عفا الله عنه -، وذكر - حفظه الله - أنه قالها في الحرم؛ فلعل ذلك في مصدر لم أطَّلع عليه، أو لعله حمل ذلك على العادة في أشعار لابن أبي ربيعة قالها في الحرم، وهي عند أبي الفرج الأصفهاني بهذا النص: وقد كان عمر حين أسَنَّ حلف ألا يقول بيت شعر إلا أعتق رقبة؛ فانصرف عمر إلى منزله يحدِّث نفسه، فجعلت جاريةٌ له تكلِّمه فلا يرد عليها جواباً؛ فقالت له: (إن لك لأمراً، وأراك تريد أن تقول شعراً)، فقال:

تقول وليدتي لما رأتني

طربتُ وكنت قد أقصرتُ حينا

أراك اليوم قد أحدثت شوقاً

وهاج لك الهوى داءً دفينا

وكنتَ زعمت أنك ذو عزاء

إذا ما شئت فارقتَ القرينا

بربك هل أتاك لها رسولٌ

فشاقك أم لقيتَ لها خدينا

فقلتُ شكا إليَّ أخٌ محبٌّ

كبعض زماننا إذ تعلمينا

فقصَّ عليَّ ما يلقى بهندٍ

فذكَّرَ بعضَ ما كنا نسينا

وذو الشوق القديم وإن تعزَّى

مشوقٌ حين يلقى العاشقينا

وكم من خُلَّة أعرضتُ عنها

لغير قلىً وكنت بها ضنينا

أردتُ بِعادَها فصددتُ عنها

ولو جُنَّ الفؤاد بها جنونا

ثم دعا تسعةً من رقيقه فأعتقهم لكل بيت واحدٌ) (3).

والقصيدة في نُسخ الديوان جرداء بلا قصة، وبرواية: (أردت فراقها فصددتُ عنها) (4).. وليس ههنا توبة؛ لأن القصيدة بريئة، ولو كان في القصيدة ما هو غير مباح لقلت: (إنما ذلك العِتْق تكفير)، ولكن الأرجح أن هذا العتق التكفيري من جعبة أبي الفرج الأصفهاني - عفا الله عنه -، ونسخ الدواوين دائماً أوثق، ولقد قال عمر في شيخوخته وبعد نسكه شعراً أغزل من هذا الشعر فلم يكفِّر بعتق ولا غيره.. وتغيير (فراقها) إلى (بعادها) فرار من النبر الصارخ الذي لا يليق بالسياق، والأصفهاني ذو سياق وفق الصوت (اللحن)؛ فهو منهج أهل الغناء الذين يُغيِّرون الكلمة من أجل الموسيقا، ويختارون من القصيدة على غير ترتيبها في الرواية.. وعمر ابن أبي ربيعة - عفا الله عنه - نسك نُسكاً غير أعجمي وتديَّن، ولكنه لم يتب من الغزل، بل قال في شيخوخته:

وما النُّسْكُ أسلاني ولكنَّ للهوى

على العين مني والفؤاد رقيبُ

وبعد تنسُّكه - وهو أسنُّ من الدكتور غازي (23- 93هـ) - بسنين وقد وهن العظم منه: نادمه الأدباء، فأثاروا شجونه بتداعي الذكريات؛ فقصَّ عليهم خبر قصيدته الجميلة:

عرفتُ مصيفَ الحيِّ والمتربَّعا

ببطنِ حُلَياتٍ دوارسَ بلقعا

ولا عجب في قولي: (تنسَّك ولم يتب من الغزل)؛ لأن التنسُّك شُغلٌ لأكثر الوقت بالعبادة فرضاً ونوافل وتسبيحاً، وليس هذا خُلُقه قبل ذلك، بل كان يؤدي الفرائض وما شاء الله من التطوع، ولكن أكثر وقته لهو بالغزل.. وليس في سلوكه ريبة، وأما ما رواه الأصفهاني فهو مخالف لشهادة أهل عصر عمر بعفَّته.. قال الأصفهاني: (أخبرنا علي بن صالح قال: حدثني أبو هفان: عن إسحاق: عن الزبيري قال: حدثني أبي: عن سمرة الدومانيِّ من حمير قال: إني لأطوف بالبيت فإذا أنا بشيخ في الطواف؛ فقيل له: (هذا عمر بن أبي ربيعة)؛ فقبضتُ على يده وقلت له: يا ابن أبي ربيعة، فقال: ما تشاء؟.. قلت: (أكُلُّ ما قلته في شعرك فعلته؟).. قال: إليك عني.. قلت: (أسألك بالله!).. قال: نعم، وأستغفر الله) (5).

قال أبو عبدالرحمن: ما أحقر هذا الإسناد، وسمرة الدومانيُّ لا أعلم له ذكراً في تراجم الموثَّقين!!.. وهل يسأله بالله أن يجهر عمر بالسوء؛ فيستجيب له عمر؟!.. وشهادة أهل عصره له بالعفة متواترة؛ ولهذا جالسه وسمع منه العلماء الصالحون، وقد صح بالأسانيد أن ابن عباس - رضي الله عنهما - سمع رائيته، وأعجب بها، وحفظها.. وهكذا جالسه وسمع منه سعيد بن المسيَّب وعروة بن الزبير وأبو الأسود الدؤلي وغيرهم - رحمهم الله تعالى -..، وقد قال عمر نفسه:

إني امرؤٌ مولعٌ بالحسن أتْبعُه

لا حظَّ لي فيه إلا لذة النظر

والزبير بن بكار ثقة، وإسناده ثابت.. قال: (وحدثني إبراهيم بن حمزة، ومحمد بن ثابت: عن المُغيرة بن عبدالرحمن: عن أبيه قال: حجَجتُ مع أبي وأنا غلامٌ وعليَّ جُمَّة؛ فلما قدمتُ مكة جئت عمر بن أبي ربيعة، فسلَّمت عليه وجلست معه، فجعل يمد الخُصيلة من شعري ثم يرسلها؛ فترجع على ما كانت عليه، ويقول: (واشباباه ؟!).. حتى فعل ذلك مراراً.. ثم قال لي: (يا ابن أخي: قد سمعتني أقول في شعري: (قالت لي وقلت لها)، وكل مملوك لي حرٌّ إن كنت كشفتُ عن فرجٍ حرام قط) (6)؛ فعمر أعتق، وأبو محمد ابن حزم - رحمهما الله - أقسم؛ فمن فعل هذين فليُصَدَّق.. وشعر عمر الغزلي هو الفستق المقشَّرُ كما قال حماد الراوية - إن صدق الهيثم بن عدي -؛ وإذا قُشِّر الفُستُقُ زالت فتحاتُه التي يُشبَّه بها شيء ما!.. وحذَّر بعض الفضلاء من وصول شعر عمر إلى النساء حتى لا يُثيرهنَّ.

قال أبو عبدالرحمن: عمر غير فاحش في شعره، وكل شعر غزلي يثير العواطف، والمأثور لا يُحصى كثرةً مما يأخذ بتلابيب القلوب، ونساء مصرنا في عصور العامية العفيفة يروين ويغنين شعر الهزاني وابن لعبون وابن سبيِّل، فيطربن، ولا يزيدهن إلا التجمُّل لأزواجهن مع العفة.. وعمر زير نساء أكثر شعره على نسق (قلت، وقالت)، ويتمظهر بأنه المعشوق على طريقة العجم في الغزل.. ويدلك على أن شعر عمر من باب (يقال) - أأنتَ أخو ليلى فقال يُقال!! - قوله:

قالت وعيناها تجودانها

صُوحبتَ واللهُ لكَ الراعي

يا ابن سريج لا تُذِعْ سرَّنا

قد كنتَ عندي غيرَ مذياعِ

لو كان ذلك القصص حقاً أترى عمر يذيع سراً أبتْ هي من ابن سريج إذاعته؟!.. وجلب عمر الريبة بعد عصره؛ لأنهم لم يدرسوا حياته جيداً وحياة عصره، ولأنهم رأوا منه تمظهراً يوحي بأنه ربض في الشبكة وواقعه التاريخي بخلاف ذلك كقوله:

قال لي فيها عتيق مقالاً

فجرت مما يقول الدموعُ

قال لي ودِّع سليمى ودَعْها

فأجاب القلب لا أستطيع

لا شفاني الله منها ولكن

زِيد في القلب عليها صُدوع

لا تلمني في اشتياقي إليها

وابكِ لي مما تُجنُّ الضلوع

والبرهان على ذلك قول معاليكم - حفظكم الله - عن عمر: (وقد بلغ عددُ مَن قال فيهن شعراً أكثر من خمسين اسماً)؛ فالعاشق حقاً لا يتَّسع قلبه لأكثر من واحدة؛ فهذا إذن تَغزُّلٌ؛ ولهذا قالت بثينة جميل (اقتضى السياق عكس المشهور جميل بثينة): (ما أنا من نسائك اللاتي تزعم أنْ قد قتلهن الوجد بك) (7) (عَابَتْه بطريقة العجم في الغزل).. وأراكم - حفظ الله معاليك -، قلتم: (اسماً) ولم تقولوا: (امرأة)؛ فلعلَّكم شككتم في جواز ذلك نحواً، ولا ريب أن العقود مثل (خمسين) مُذَكَّرٌ يُعرب إعراب الجمع المذكَّر السالم في كل حال، ولكنَّ تمييزَه يكون بالمذكر والمؤنث كما في قول الله تعالى عن المؤنث الذي هو محلُّ الشاهد هنا: (وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) (سورة الأعراف - 142).. والتمس أحدُ المشايخ الفضلاء الذين صححوا هذه المقالة مخرجاً؛ فجعل (الاسم) أبلغ من (امرأة)؛ لكونه يشمل الثيب والبكر؛ فإن كان معاليه قصد الأبلغ بلاغةً فذلك الأبلغ يشمل الغزل بالمذكَّر ولا وجود لذلك عند عمر (إلا أنكم - بحمد الله - قلتم: (من قال فيهن)..).. ثم إن أكثر من تغزَّل بهن عمر ثيِّبات، وكم من ثيِّب تستولي على العاطفة أكثر من البكر!!؟.

قال أبو عبدالرحمن: لا نزال في دائرة المشاحَّة في حكم الشعر الغزلي، وليس في هذا من عجب؛ فقد تردَّد بعض العلماء في مشروعية الشعر عموماً، ولكن ذلك بمقابل المقارنة مع الشرع؛ فقد قال أبو الطيب الطبري طاهر بن عبدالله - رحمه الله تعالى - قصيدةً في التحفُّظ من الشعر في سياق قصة ذكرها ابن السبكي، وهي أن الشاعر أبا القاسم عبدالصمد بن منصور بن بابَك ترك طلب الفقه عند الفقيه الحسين القطان، وانهمك في الأدب، وعصى والده، وعصى القاضي أبا القاسم بن كَجٍّ؛ فكتب ابن بابك قصيدة أرسلها إلى القاضي ابن كج - رحمهم الله جميعاً -، ومنها هذه الأبيات:

أناةً أيها القاضي الجليلُ

فقد كشف التأمل ما أقولُ (8)

رأيتُ الشرع مسموعاً مُؤدَّى

تناقلهُ البصائر والعقولُ

تُراضُ له القرائح وهي شوسٌ

وتدركه العوائد وهي ميلُ (9)

إذا استُفْتيتَ فيه وأنت صدرٌ

يُقَلِّدُك الورى فيما تقولُ

أحلتَ على نصوص واضحات

أتاك بها كتابٌ أو رسولُ

ونظمُ الشعر ممتنع الدواعي

فليس إلى مضايقه وصولُ

إذا التنزيل أشكل منه لفظٌ

فشاهِدُهُ ذلك الشعر المقول

يُنال به الغنى طوراً وطوراً

يُنال به الطوائل والدُّخول (10)

تُسالمه الملوكُ وتتَّقيه

وذاك لعمرك الخَطْب الجليل

فلولا الحمد ما زكت الأيادي

ولولا الذم ما عُرف البخيل

وقد ذُكر امرؤ القيس بن حُجْر

فأسهب في مناقبه الرسولُ (11)

وحمَّله لواء الشعر حتى

تجاذب عن عقيرته الحمولُ

وأخبر أن في التبيان سحراً

وتلك شهادة لا تستحيلُ (12)

وقد مُدح النَّبي بهن حتى

جرى في ماء بهجته القبولُ (13)

بشعرٍ تُسْتَرَقُّ به الغواني

وتُبْعَثُ في مناسبه الشمولُ

وما أسرى إلى الأعداء إلا

تقدَّمه من الشعراء جيلُ

فلولا الشعر ما عزَّ ابنُ أنثى

إلى مجد ولا وُسِمَ الذليلُ

ولا انتمت الرياح إلى قراها

ولا انتسبت إلى العُتُقِ الخيولُ (14)

ولا وُصف الكمي إذا تلوَّتْ

عجاجتُه ولا نُدب القتيلُ

إذا كرُمَ الفتى أو عزَّ بأساً

فبالتقريظ يُنْعِمُ أو يُدِيلُ

وما يُعصونَ عن ذُلٍّ ولكن

جبالُ الثلج تجرفها السيولُ

ويملك أنفس العظماء قهراً

ويملكنا الرحيق السلسبيلُ (15)

يُصانَعُ بالصواهل والغواني

ويبرزُ عند ذي الصلِّ الجزيلُ (16)

فزادُ الشاعرِ النعم الصوافي

وزاد العالم الصبر الجميلُ

وإن تكن القيامة وعد قوم

فللعثرات يومئذ مُقيلُ (17)

فلما وصلت القصيدة إلى القاضي ابن كجٍّ طلب من أبي الطيب الطبري أن يردَّ على ابن بابك، وأن ينشدها في مجلس القاضي ابن كَج نفسه، فقال أبو الطيب:

(بإذنك أيها القاضي الجليل

أردُّ على ابن بابَك ما يقولُ

ولولا مدخل المأثور فيه

ورغبة شاعر فيما تُنيلُ (18)

لما أطْرقتُ سمعك منه حرفاً

رأيتُ به إليه أستقيل

وصُنتك عن مقالة مستبدٍّ

برأي لا يساعده القبول

وشعرٍ أشْعَر الإنحاسَ منه

وخطب ضمه قال وقيل

فكم للقاك منه كل يوم

صُداع من أذاه لا يزول

وكم فيه قواف صادرات

عن الفقهاء أصدرها الدخول (19)

وعُذري في روايته جميل

وأرجو أن يكون له قبول

ذممتَ طريقه ونصحت فيه

فأحرج صدره النصح الجميل (20)

وشق عليه.. إن الحق مُرٌّ

على الإنسان مورده ثقيل

فطال لسانه فأفاض فيه

لأن لسان مصدورٍ طويل

يُعظِّم بين أهل الشرع شعراً

ويزعم أنه علم جليل

ويمدحه ويغلو في هواه

ويعلم أنه فيه مُحيل

لأن الله ذمَّهمُ جميعاً

وأنزل فيهِ ما وضُحَ الدليل (21)

ولو كان الفضيلةَ كان منها

لأفضل خلقه الحظُّ الجزيل

ولما أن نهاه الله عنه

علمتُ بأنه نزرٌ قليل (22)

فكيف تساويا والفقه أصلٌ

موثَّقُ من معاقده الأصول

به عُبد الإله وكان فيه

صلاح الكل والدين الأصيل

إذا عدل المكلف عنه يوماً

أضل طريقه ذاك العدول

وإن لزم الحِفاظ عليه أولى

نعيماً ما لآخره أفول (23)

كفى الفقهاء أنهمُ هداة

وأعلام كما كان الرسول

مدار الدين والدنيا عليهم

وفرضُ الناس قولُهُم المقولُ

وأما الشعر مدحٌ أو هجاء

وأعظمُ ما يُراد به الفضولُ (24)

لذلك موضع الشعراء أَقْصَى

مجالسِنا وموقفهم ذليل

كفاه أنه يهجو أباه

وقد رَبَّاه وهو له سليل

يصول بِهجوهِ ويقول فيه

مقالاً ما له منه مُقيل

(وجدتُ أبي أخا مال صحيح

يسف وراءه وهنٌ عليل) (25)

ينبِّهني وناظرُه متور

ويشحذني وخاطره كليل (26)

ولو سمعت به أذنا أبيه

نفاهُ وهْو والده الوصول (27)

على أني رأيت الشعر سهلاً

مآخذه بلا تعب يطولُ

يحسُّ إذا اجتباه المرء طبْعاً

تساوى الحَبْرُ فيه والجهول (28)

وعلمُ الفقه مُعتاص المعاني

يُقصِّر دونها البطل الصؤول

ومِن هذا ابنُ بابَك فرَّ منه

وولَّى فهمُه وبه فلول

رأى بحراً ولم يرَ منتهاه

بعيد الغور ليس له وصول

ولو عاناه كان الله عوناً

وعونُ الله في هذا كفيل

يقرِّب ما تباعد منه حداً

ويسهل من بوارقه السقيل (29)

فهذا عينه فيما حباهُ

ومدحك بُغيتي فيما أقول (30)

نوالك للورى غيثٌ هطول

وجاهك منهم ظلٌّ ظليل

عممتَ الكلَّ بالنعما فأضحوا

يَؤُمُّك منهم جيل فجيل

وسار بعلمك الركبان حتى

له في كل ناحية نزول

لسانك في خصومك مستطيل

ورأيك فيهم سيف صقيل

إذا ناظرتهم كانوا جميعاً

ثعالب بينها أسد يصولُ) (31)

ولقد أطال تاج الدين ابن السبكي - رحمه الله - البحث فيما هو مشروع من الشعر (32).. وتتوسَّع الاستدلالات على مشروعية الشعر بتفصيل أو إطلاق بركام الدواوين والأشعار المنتحلة؛ فقد صدر ديوان أبي بكر الصديق (؟؟!!) - رضي الله عنه - عن نسخة سقيمة منسوخة في القرن الحادي عشر كانت بالمكتبة الظاهرية غير موثَّقة، ثم طالعتُ الديوان فوجدته لا يليق بأبي بكر - رضي الله عنه - لغةً وروحاً وبلاغةً، ولا يليق بوقته - رضي الله عنه - الخالص للجهاد والعبادة ومنافع المسلمين، وبعضه منسوب إلى غيره، وبعضه في مصادر متأخرة العهد جداً، وإنما صح عنه - رضي الله عنه - هَدْهَدَةُ الحسن بن علي - رضي الله عنه - كما في صحيح البخاري ومسند أحمد: عن عقبة بن الحارث قال: رأيت أبا بكر يحمل الحسن - رضي الله عنهم - وهو يقول:

بأبي شبيهٌ بالنبيْ

ليس شبيهاً بعلي

وعلي - رضي الله عنه - يضحك، ومن العجب أن المحقق أضاف مستدركاً على الديوان ولم يعز إضافته إلى مصدر نقل عنه، وهذا خلل.. قال: (أخبرنا أبو طاهر السِّلَفي.... عن ابن شهاب: أخبرني عُروة بن الزبير: أن عائشة - رضي الله عنها - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت تدعو على مَن كان يقول هذه القصيدة:

يحدِّثنا الرسول بأن سنحيا

وكيف حياةُ أصداءٍ وهام

فتقول عائشة: والله ما قال أبو بكر بيت شعر في جاهلية ولا إسلام قط، وما ارتاب في الله منذ أسلم، ولقد ترك هو وعثمان - رضي الله عنهم - شُرب الخمر في الجاهلية، ولكن قال هذه القصيدة رجل من بني كلب بن عوف، وكان أبو بكر تزوَّج امرأة من بني كلب يُقال لها أم بكر؛ فلما هاجر أبو بكر طلقها، فتزوَّجها ابن عمِّها هذا الشاعر الذي قال هذه القصيدة.. رثى بها أهل بدر حين قُتلوا:

(و) ماذا بالقليب قليب بدر

من الشيزى تزيَّن بالسنام (33)

تحيي بالسلام أم بكر

وهل لي بعد قومي من سلام

يحدِّثنا الرسولُ بأن سنحيا

وكيف حياة أصداء وهام (34)

قالت عائشة: فنحلها الناس أبا بكر - رضي الله عنهما - من أجل المرأة التي طلَّق أبو بكر (35).

وهكذا جمع الأستاذ عبدالعزيز سيد الأهل ضميمة سماها (من الشعر المنسوب إلى الإمام الوصي علي بن أبي طالب رضي الله عنه) (36)، ومقدمته جميلة، والشعر المجموع من مصادر متأخرة في القرن السادس إلى عهد صاحب الكشكول أو في قرن أقدم، ولكنه عمن لا يحقِّقون النقل كأبي نعيم رحمه الله.. وعلي - رضي الله عنه - جنى عليه وعلى حفدته قومٌ يتدينون لله بالكذب؛ فكذبوا عليه حديثاً وشعراً وخطباً، وصرح ابن أبي الحديد وهو من القوم: أنهم إذا استحسنوا قولاً على مذهبهم جعلوه حديثاً.. يعني يُركِّبون له إسناداً، وله - رضي الله عنه - أراجيز ومقطعات قصيرة أكثرها في الحرب، وهي محصورة في صحيح البخاري وسنن ابن ماجه، وأما ما يرويه الواقدي فلا يُعتدَّ به؛ لضعفه وتمذهبه، وكذلك ما في سيرة ابن إسحاق إذا لم يُوجد مصدر صحيح يؤيدهما، ولقد أسقط ابن سلام الجمحي - رحمه الله - في مقدمته لطبقات الشعراء كثيراً من حشو ابن إسحاق - رحمه الله -، وكان كل ذلك بمنطق علمي.. وقبل عبدالعزيز سيد الأهل محمد بن الحسين البيهقي الكيدري (- 576) جَمَع ديواناً لعلي - رضي الله عنه - سمَّاه (أنوار العقول من أشعار وصي الرسول) - صلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد، ورضي عن علي وإخوانه من الصحابة -، وسرد محقِّقه كامل سلمان الجبوري أسماء من جمعوا أشعار علي - رضي الله عنه - (37)، وكلها مصادر متأخرة جداً، أو غير مأمونة على الصدق، ومن مُخَبَّآتهم صدرت الأسطورة السخيفة المكذوبة على الأصمعي، وهي كتاب جزيرة العرب، وكله أساطير حِمْيَرية أو يمنية عامة لا يحفل بشيء عن العدنانية.. وإن تعجبْ فعجبٌ ذلك الديوان للحسين بن علي - رضي الله عنه -، وفيه مخمَّسات؛ لأن المخمَّسات موجودة في عهد الصحابة - رضي الله عنهم - (38)!!.. وهكذا معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنهما -، (وأنوف مبغضي الصحابة - رضي الله عنهم - راغمة بالسماد والسواد) جمع له الدكتور فاروق أسليم بن أحمد دويويناً، وما احتُمل منه لا يصل إلى درجة الرجحان (39).. وسَفَلةُ ناحلي الشعر أرادوا ترويج مشروعية الشعر؛ لإقناع العلماء بمشروعيته من خلال نَحْلِهِ على الفضلاء، والأمر لا يحتاج إلى ذلك؛ فمباحه ومستحبُّه وواجبه من القادرين عليه ذو براهين لائحة، وليس الشعر مقوِّماً لحياة العظماء القادة، وليس هو الظاهرة في التاريخ.. ولأبي طالب عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شعر قليل قَبِلَه كثير من العلماء من كتب السيرة، ورجحوا أنه لا يدخل في عموم ما ذكره ابن سلام الجمحي - رحمه الله - في مقدمته لطبقات الشعراء، ثم أصبح الآن ديواناً (40)؟!!!.

قال أبو عبدالرحمن: ومن أدبيات معالي الدكتور محمد عبده - حفظه الله - بقية القصيدة المضافة إلى (القلب يعشق كل جميل) لبيرم التونسي، وهي (دعاني لبَّيته)، وهكذا (جينا على روضة) وهي مضافة إلى (القلب يعشق) الأغنية، وقد أسلفت رأيي فيها، وأسألُ معالي الوالد - حفظه الله -: (مِن أين جاء هذا الوحي عن الرب سبحانه: وكان يناديني، ويقول: مصيرك يوم تخضع وتجيني.. طاوعني يا عبدي طاوعني أنا وحدي؟!!).. إنها - حفظكم الله - في سياق: (ولمَّا تجلَّى لي).. والله أيها الوالد الكريم إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه - وهو مَنْ هو - لم يظفر بشيء من هذا التجلِّي، ولم يدَّعه، وقد مدحه ربُّه في سورة (والليل إذا يغشى)، وفي سورة (التوبة)، وهو مدرج في قوله تعالى: (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) (سورة النساء -69)، والآية مع نصوص كثيرة برهان على أن طاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من طاعة الله؛ فلا يجوز إحداث طقوس أو عادة لحبه - صلى الله عليه وسلم - يخرج عن طاعة الله سبحانه ورسوله - صلى الله عليه وسلم - في الأمر والنهي.. وهكذا مَن لا يُقاس بهم بلايين من أمثال بيرم التونسي لم يحصل لهم هذا التجلِّي وهم أهل الاتِّباع لا الابتداع كالطفيل الدوسي - رضي الله عنه - كانت كرامته إضاءة قوسه له في ليلة داجية، وأُسَيد بن الحُضير الأوسي - رضي الله عنه - كانت كرامته غمامة سكينة وهو يتلو سورة الكهف، واضطراب فرسه اضطرابَ حنين لرؤيتها ملائكة الرحمن - عليهم السلام - وهو يتلو كلام الله آخر الليل (41)، وخيرٌ مما ذكره معاليه قصيدة بيرم التونسي في مدح رسول الله التي مطلعها:

اليوم الأسعدُ مولدُهُ

مصباحُ الدهر وسيِّده (42)

فهذه قصيدة سلفية لم يغلُ فيها ولم يجْفُ، وهكذا قوله عن ربه تبارك وتعالى التي مطلعها:

قد دعاك المحزون في غسق الليل

(م) وقد نام كلُّ حيٍّ سواكا (43)

فهذه قصيدة سلفية ليس فيها فناء ولا سوى ولا حلول ولا اتحاد.. وأما قول بيرم التونسي في الروضة الشريفة بالمسجد النبوي الشريف فهي حق لا تزيُّد فيه بشهادة الشرع، على أنها متوسطة من ناحية الأداء الفني، وذكر معاليه قصيدة والدنا الكريم معالي الدكتور عبدالعزيز خوجه - حفظه الله -، وقد ناولنيها معالي الدكتور بالقاهرة أو الرباط - نسيتُ -؛ ففرحت بها، وأردت تقريظها، ثم وجدت شيئاً لم يُرحِني، فأمسكت، ولم أرَ الكتابة في الصحف إبقاءً على سالف وحاضر المودة.. وكنتُ مضمراً أن أكتب لمعاليكم ولمعاليه ولآخرين رسالةً موحَّدةً بخط اليد عن ملاحظاتي، وابتغائي تلاقح العقول في التمييز بين البراهين والشُّبَه في حوار أخويٍّ سري، وأبطأتْ بذلك المشاغلُ والأسفار وقلةُ النشاط؛ فلما جعل معاليه الأمر علناً فإنني أبدي للوالدين الكريمين أن الدكتور عبدالعزيز خوجه - حفظه الله - قال في الشعر الذي أوردتموه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

فاق النبيين في خَلْق وفي خُلُق

ولم يدانوه في علم ولا كرمٍ

وكُلهمْ من رسول الله ملتمسٌ

غَرْفاً من البحر أو رشفاً من الديم

قال أبو عبدالرحمن: هذان البيتان أطرح حولهما مسائل أتركها لوجدان الوالدين الكريمين، وعلمهما، والصدق في تحرِّي مراد الرب:

أولها: أن معاني اصطفاء الله رسولَه محمداً - صلى الله عليه وسلم - من ولد إسماعيل، وكونه سيد ولد آدم يوم القيامة: مداخل جفاء أو غلوٍّ؛ فليحرص طالب العلم على تحرِّي مراد الله.

وثانيها: صحَّ فَضْلُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على جميع الخلق بأنه سيد ولد آدم يوم القيامة؛ فهذا نتيجة تفضيل الله له في الدنيا.

وثالثها: مع هذه الحقيقة فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يحب أن يكون تفضيله من باب المقارنة بإخوانه النبيين - عليهم الصلاة والسلام -، وقد قال له ربه عن إخوانه: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) (سورة الأنعام -90)؛ فهو مأمور باتباعهم في هديهم خُلُقاً وملةً، وأما شريعته فناسخة للشرائع، ولكن الله فضَّله بتجرُّدِه لاتباعهم في هديهم.. وكذلك نهى عن تفضيله على يونس بن متى - وهذا في معرض المقارنة -.. كما أنه - صلى الله عليه وسلم - أخبر عن وسيلته على سبيل الرجاء اتباعاً لترجية ربه له، وما شرعه له ربه من دعاء الأمة له؛ ولهذا صح حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - في صحيح مسلم: أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليَّ؛ فإنه من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا لي الوسيلة؛ فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو.. ومَن سأل لي الوسيلة حلَّت عليه الشفاعة).. وعقيدة أهل السنة العِلْمُ الرجحاني المفيدُ حكْمَ العلمِ اليقيني أنه - صلى الله عليه وسلم - صاحب الوسيلة؛ لأن الله - جل جلاله - لا يحجب دعاء الأمة منذ القرون الممدوحة في كل يوم وليلة خمس مرات، ولأن رجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ترجية ربه، والترجية من الله وعد، ووعده سبحانه الحق، وغفرانُه إيعادَه غير المشركين من إحسانه ورحمته، وفي هذا فضل لأمته؛ إذ شرع دعاءهم لتحقيق ربهم هذه الترجية؛ فينالوا شفاعته عليه أفضل الصلاة والسلام.

ورابعها: إذ كانت هذه هي الحالة فكيف يرتاح الوجدان في المقارنة في البيت الأول بجعل محمد - صلى الله عليه وسلم - فاق أنبياء الله ورسله - عليهم الصلاة والسلام - جميعاً في خَلق وخُلق، وأنهم لم يدانوه في علم ولا كرم؛ فهذا تنقُّص لإخوانه - عليهم الصلاة والسلام - وإن كانت أفضليته - عليه الصلاة والسلام - حقاً؛ لأن تفضيله بالخُلُق - بضم الخاء المعجمة وضم اللام -، وفي الخَلْق - بفتح الخاء المعجمة واللام الساكنة - لم يرد بهما نص؛ وإنما ورد النص أنه بأبي هو وأمي على خلق عظيم، وليس في أخلاقهم ثلْم، بل تفضيل الله له: باصطفاء من الله، وعصمة، وتثبيت، واتباع لهدي إخوانه، وشريعة جامعة عامة..

يتبع


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد