Al Jazirah NewsPaper Tuesday  16/06/2009 G Issue 13410
الثلاثاء 23 جمادىالآخرة 1430   العدد  13410

دفق قلم
حريه الرأي
عبد الرحمن بن صالح العشماوي

 

حرية الرأي مكفولة شرعاً وعُرفاً، وما من أحدٍ يدَّعي أنه لا يريد أن يكون لحرية الرأي مكان في حياته، والسؤال القريب إلى ذهن كل إنسان يشعر أن رأيه يُصادر (لماذا تصادر حريتي؟)، وجميع القوانين البشرية وضعت لحرية الرأي مكاناً في أنظمتها، يتسع ويضيق بحسب أسس القانون الذي وضع، وبحسب فكر ومعتقد وثقافة من وضعه، حتى تلك القوانين البشرية القسرية المغلقة على فلسفة وفكر من وضعها، تترك مساحة من حرية الرأي يدور في فلكها أتباعها وأنصارها بحرية كاملة، ويدور في زوايا ضيقة منها بعض مناوئيها وأعدائها تنفيساً للناس، ودليلاً يستشهد به وقت الحاجة على وجود حرية الرأي في تلك القوانين المغلقة.

لقد كفل جميع الأنبياء والمرسلين للناس حرية الرأي، بل إن الدين الحق الذي جاء به الأنبياء والمرسلون، وأكمله الله سبحانه وأتمه ببعثه خاتمهم محمد بن عبدالله عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام، قد كفل للناس الحرية الكاملة عقيدة وفكراً وثقافةً وفق ما شرع الله للعباد من شرائع صالحة لكل زمان ومكان، وهو ما يمكن أن يُسمَّى (الحرية الراشدة) التي لا تتحكم فيها الأهواء، ولا تسيطر عليها الرغبات والشهوات، ولا تخرج بالإنسان عن معالم الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها.

وشرع الله لعباده شرائع تكفل لهم الحياة الآمنة المطمئنة الحرَّة الكريمة ما لم يتجاوزوا الحدود المرسومة، ويعتدوا على القيم والمبادئ وحامليها من الرسل والأنبياء والمصلحين، لأنهم بهذا التجاوز يحدثون شرخاً كبيراً في صرح الأمن والاستقرار، والحرية الراشدة.

لقد غضب عمر بن الخطاب رضي الله عنه أشد الغضب حينما جيء إليه بذمِّي ضربه مسلم ضرباً موجعاً، وعزم على عقاب صارم للمسلم الذي اعتدى على حرية الذِّمي المكفولة بما أُعطي من العهد، ولكنه بعد أن علم باعتداء ذلك الذمِّي على عرض امرأة مسلمة في وضح النهار، وفي هذا نقض منه للعهد، وتجاوز للحد، وانتهاك لحرمة تلك المرأة، واعتداء على حريتها، عاقب ذلك اليهودي أو النصراني بالصَّلب.

والقصة كما رواها البيهقي في سننه، وأبوعبيد في كتاب الأموال، وعبدالرزاق والصنعاني في كتاب المصنَّف تقول: قال أبوسويد بن غفلة: كنَّا مع عمر رضي الله عنه وهو أمير المؤمنين بالشام، فأتاه نبطي (يهودي) أو نصراني، مضروباً مشججاً، يشكو ويستعدي، فغضب عمر لما رآه غضباً شديداً، وقال لصُهيب الرومي: انظر من الذي فعل بهذا الذِّمي هذا الفعل. فانطلق صهيب فإذا هو (عوف بن مالك الأشجعي)، فأخبره صهيب بغضب عمر، ونصحه أن يأخذ معه معاذ بن جبل خوفاً عليه من غضب أمير المؤمنين.

فجاء معه معاذ، فلما انصرف عمر رضي الله عنه من الصلاة قال: أين صهيب، فقال: نعم يا أمير المؤمنين، فقال: هل جئت بالرجل الذي ضرب هذا النبطي، قال: نعم. فقام معاذ إلى عمر وقال: إنه عوف بن مالك يا أمير المؤمنين فاسمع منه ولا تعجل عليه، فالتفت عمر إلى عوف وسأله عن السبب قال: رأيته يسوق بامرأة مسلمة حمارها في وقت الظهيرة، والطرقات خالية، فنخس الحمار ليصرعها، ثم دفعها حتى سقطت فتغشَّاها، وكنت أرى فعله، ففعلت به ما ترى من الضرب، قال عمر -وقد رأى النبطي واضطرابه- ائتني بالمرأة لتؤكد ما رويت، فذهب عوف إلى أهل المرأة وأخبرهم الخبر، فذهبوا معه إلى عمر وأكدوا له ما فعل ذلك الذِّمِّي، فأمر به فصُلب وقال: والله ما على هذا عاهدناكم، وإنما هي ذمة محمد صلى الله عليه وسلم، أعطيناهم إياها، فمن فعل منهم هذا فلا ذمة له.

هكذا تكون الحرية مكفولة للإنسان عالماً وفقيها وكاتباً وشاعراً، وسياسياً، ومفكِّراً، ورجلاً وامرأة، ما لم يصادموا ثوابت الشرع وقيم المجتمع وأخلاقه الفاضلة، لأنهم في هذه الحالة يتعدَّون على حرِّيات الآخرين، ويصادمون ما شرع الله.

إشارة

من نوى الخير في الحياة قضاها

في نعيم وعاش في اطمئنان


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد