Al Jazirah NewsPaper Friday  19/06/2009 G Issue 13413
الجمعة 26 جمادىالآخرة 1430   العدد  13413
مركاز
الغبار - 2
حسين علي حسين

 

أبناء الصحراء على وجه الخصوص لا حق لهم في التضجر من الغبار، فهو معهم من المهد إلى اللحد، الحاجز الوحيد الذي يجعلهم ينسون الغبار هو تحويط أو إحاطة مدنهم بالمزيد من الأشجار، الأشجار الوحشية العالية، التي تمتد في كافة الاتجاهات، رأسياً وأفقياً، لا يحجزها قفص حاقد ولا أعمدة، خلاف الأشجار هناك البنايات الأسمنتية والفولاذية العالية التي لا ينفذ من فتحاتها الناموس والذباب وتحت هذه الناطحات المتراصة مثل صف العساكر يجب أن نحوط كافة الطرق بالأسفلت، بذلك نكون قد حللنا نصف المشكلة، ويفي الصنف الآخر، والذي منه يأتي عادة النصف الباقي من الغبار والذي لن نستطيع التخلص منه نهائياً، وطالما دخل يسر المال والمواصلات والمنازل والعلاجات إلى الصحراء، فليس أمام أبناء الصحراء إلا تجهيز غرف خاصة مزودة بأنابيب الأكسجين (لا أدري كيف كان يتصرف المصدورون في الصحراء قبل هذا الاختراع الجهنمي) وكذلك سد المنافذ بالعديد من الخرق المبلولة لامتصاص أي ذرة غبار متسللة عبر هذه التحصينات التكنولوجية، ومن لا يستطيع التأقلم بعد ذلك فعليه أن يمتطي سيارته ويرحل، مثل البدو الرحل، إلى حيث الأمكنة التي لا غبار فيها، تماماً مثل ما كان يفعل أبناء البادية وهم يبحثون عن الكلأ! لكن الذين لا يعنيهم كل ذلك من عامة الناس، غنيهم وفقيرهم، الآخذين حصانة من الغبار، تجدهم مثلما يفعل أصدقاء البيه والموسوسين، يضعون الكمامات على أفواههم، مع أن إنفلونزا الطيور عبرت من فوقنا بسلام ربما خوفاً من الغبار ومن فوقنا سوف تعبر إنفلونزا الخنازير فنحن نمقت هذا الكائن شحماً ولحماً، حياً وميتاً، فكيف وهو ينشر أمراضه في صحرائنا، ألا تكفينا الإنفلونزا البشرية الخالصة، هؤلاء الناس التكنولوجيون سوف نجدهم يركبون سياراتهم ويجلسون في الفنادق والمطاعم والمقاهي بدون هم، أنهم أبناء الغبار، سوف يعيشون بسلام، بوجود المنجزات الحديثة وبدونها!

الغبار كان ينقل إليناجنود مجندة، فهناك من يسميهم (عجة إبليس) وهناك (المعاصير) وهناك (العج) هذه أسماء لبوادر العواصف التي تنطلق في شكل دائري مثل صاروخ ثم تتحدد في الجو، وهناك الغمامة التي تفوق غمامة الجراد تسير مئات الكيلو متر من الربع الخالي والدهناء وتحط مثل الطبق على سماء المدينة، فتقطع عنها الماء والهواء، ومع ذلك فإن المدربين يتحركون خلال هذه الغمة بسلام، لا شيء يوقف الغبار إذا رغب زيارتنا، لا التكنولوجيا التي باتت تحوطنا ولا كوننا غير جاهزين لياقياً وصحياً على استقباله، أنه في بيته، فهل يمنع المرء من دخول بيته، إنها الصحراء بيت الغبار!!

وهو يعود إلى بيته متى ما أراد لا تمنعه البنايات والكمامات والشجر والأسفلت من الحلول ين وقت وآخر، أحياناً بقوة وأحيانا بلطف وأحياناً بحنان.. مثله مثل السيل الذي يأخذ مساره الممتد عبر التاريخ وقد يخترق في طريقه كل شيء: البنايات والشجر والطرق والناس، ولم يكن ذلك ذنبه، بقدر ما هو ذنبنا عندما سددنا طريقه بحجة أنه لن يعود!!

فاكس: 012054137



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد