Al Jazirah NewsPaper Sunday  21/06/2009 G Issue 13415
الأحد 28 جمادىالآخرة 1430   العدد  13415
الشيخ عائض والمرأة.. يقظة أم تذكر؟
محمد عبدالله الهويمل

 

في مقالة اللاهب الثائر (المرأة في المزاد العلني) يكتب الشيخ عائض القرني عن مظلومية المرأة والاعتداءات المتدافعة على ممتلكها وشخصيتها، وإن الشكر الوافر يتجه باستحقاق للشيخ إلا أن سؤالاً عملاقاً ينهض معترضاً طريق كل الثناء.

وهو هل هذا الانتصار المتأخر والحماسي للمرأة كان يقظة طبيعية وانتباهة الإنسان ما بعد النوم، أم أن مظلومية المرأة صدمة التذكر واستدعاء حقائق شغلت هامش من ذاكرة الشيخ وتوارت في اللاوعي ثم برزت للسطح بقدرة قادر وبسرعة خفق الجناح.

سورة من الغضب المضري دفعت الشيخ عائض للكتابة، والحقيقة أن الشيخ يكتب عاموداً شبه يومي في الشرق الأوسط والأعمدة شبه اليومية ذات طبيعة وظيفية بمعنى أن الكاتب ربما يكتب ما يشعر وما لا يشعر وما يحتاجه القارئ وما لا يحتاجه وماله مناسبة وما ليس له مناسبة وذلك هو فخ المقال اليومي لاسيما من قلم غير متفرغ كالشيخ عائض، ولذا فمحور الانتصار للمرأة لا يمكن إشباعه في عامود يومي وظيفي إذ التأمل وفحص المجال الثقافي والأنساق مسائل ذات اعتبار تعوزه خلفية تحليلية مكتملة تفتش في العلاقات الثقافية، ولنا أن نسأل لماذا يقاتل الشيخ عائض في سبيل المرأة وهو الذي يعرف أزمتها منذ عقود من ظهوره وتجليه ونفوذه في التلقي السعودي ولم يكن عنوان المرأة بذي بال إلا في سياقات ضامرة ذات صلة بالحجاب والعفة والاختلاط وماله صلة بالفضيلة التي تمثل المرأة فيها طرفاً فاعلاً وحساساً.. هل لهذه الالتفاتة المفاجئة لمظلومية المرأة مبرر طارئ يحيل إلى ضرورة النجدة والإسعاف أم أنها يقظة الشيخ أم تذكره، فإن كانت حالة إسعافية فلماذا يمارس الشيخ عبارات الرثاء على سنين خلت ويستدرجنا إلى تاريخ من قمعها، وإن كانت نجدته بعد يقظة فليس للشيخ والدعاة الدور الأهم في دفع عجلته الاجتماعية مستبطن بعلل نسقية مرضية طالت نصف المجتمع (المرأة) وبالتالي فالشيخ بمنأى عن وسطه السعودي ولا يباشره ولا يعرف الأكثر من مشاكله وهذا خارم من خوارم قدرته على توجيهه ومن شأنه جرح ثقافته الريادية وكيف يكون رائداً اجتماعياً لمجتمع لا يعرف عنه إلا القليل.

وإن كان إسعاف الشيخ للمرأة كان بسبب التذكر بعد نسيان، فثمة أزمة في ترتيب الأولويات في ذاكرة الشيخ وهذا ربما يقلل من ثقة متابعي الشيخ لما يكتبه أو يحاضر عنه وستحوم الشكوك حول مهارة استدعاء الأولويات من ذاكرة الشيخ إذ ربما أن هناك ما هو أهم من المرأة في الذاكرة بحاجة إلى عملية تذكر قيصرية ليصعد هذا المتواري إلى منصة الجلاء للقارئ والمتابع.

إن المرأة لم تكن بذات بال طيلة فترة عنفوان الصحوة إلا في السياقات ذات الصلة بالمحافظة على السائد الأخلاقي، إذ كانت دائماً في خانة المكلفة والمنفذة لتعاليم دينية أحسبها إيجابية دون أن تتلمس الصحوة ودعاتها ضرورات أخرى تمس هيئة المرأة الاجتماعية وشخصيتها وكل ما يكرس ضرورات أخرى تمس هيئة المرأة الاجتماعية وشخصيتها وكل ما يكرس للدعم الخدماتي الذي يرفع عنها مظلوميتها. ولا أظن أن ثمة نقلة جذرية في التصور لدى الشيخ عائض فهو لايزال يمارس اللغة ذاتها التي تصيغ المرأة فاعلاً ومفعولاً به في الآن ذاته فهي ماكنة التاريخ وليست التاريخ وإليك بعض أشكال الفصل بين المرأة منجزها الإيجابي وكأنها شيء منعزل تماماً عنه بل هي سبب آلي يتيم.. يقول الشيخ عائض: إن (النساء شقائق الرجال) والمفاخرة هنا بالمضاف إليه لا المضاف ولولا (الرجال) لما كان ل(شقائق) أي قيمة ويقول: (أمهات الأبطال ومدارس المجد وشجرات العز ومرضعات العظماء وحاضنات الأولياء ومربيات الحكماء) وهذه الإضافات تشريفية لا أكثر وتكرس للتقليل من شأنها فما قيمة أن تكون المرأة مرضعة للعظيم؟ وهل هذا فخر لها أم لحليبها؟ فحي بن يقظان فيلسوف ابن طفيل أرضعته غزالة (حيوان) كما يعزى إلى رواية شغلت الجدل الفلسفي وأسست لنمط حديث في التلقي، ويقول الشيخ: (فكل عظيم وراءه امرأة وكل مقدام خلفه أم حازمة) و(وراء) و(خلف) تشيان بجلاء عن موقع المرأة جغرافياً من الرجال ولو قال (وراء ظهره) أو (خلف ظهره) لما اختلفت الدلالة، إننا يا شيخ عائض لا نريد أن تكون المرأة (أم بطل) بل نريدها بطلة ولا نريدها (مدرسة مجد) بل نريدها مجداً محضاً ولا (شجرة عز) بل عزاً خالصاً لا يدخل في إضافة تستهلكها ثم تزيحها إلى رصيف التاريخ، ويؤسف القارئ أن المقال زكى النمط التقليدي في تصنيف المرأة من حيث تصدى له وانتفض ضده.

إني أوافق الشيخ عائض على ما كتبه ولكن الدفاع عن المرأة لا ينجح إذا كان المدافع محامياً متعاطفاً في محكمة بل مثقفاً مسلماً لا يرتهن لتنميط ولا يستدرج إلى فخ النسق.

مقال الشيخ نشر في الشرق الأوسط العدد 11137



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد