Al Jazirah NewsPaper Sunday  21/06/2009 G Issue 13415
الأحد 28 جمادىالآخرة 1430   العدد  13415
مال الكنزي للنزهي
د. عبدالله بن سعد العبيد

 

أعلم أن هناك في موروثنا الشعبي الغني ما يقوم مقام المثل المصري الذي أدرجته كعنوان لمقالي هذا، إلا أن بحثي عن إثارة القارئ جعلني أخلع جلباب أبي وأستقدم مثلاً دارجاً وبشكل كبير في مصر الشقيقة، وهو غني عن التعريف. ومن لم يسمع عنه سابقاً،..

فهو يعني أن من يكنز المال طيلة حياته ويجمعه - بغض النظر عن السبب - يأتي من بعده ممن حُرموا التمتع بذلك المال، يأتي من يتنزه به أي يصرفه في نزهته بعد أن جمعه من ورثه عنه من تعبه وجهده وعرقه.

ليس الحديث عن الأمثال العربية، بل عن عادة باتت منتشرة بشكل واسع وأصبحنا نراها بشكل متكرر وأكثر مما كنا نراها سابقاً وهي عادة البخل البغيضة.

نعلم جيداً أن الواقع لا يجرم رجلاً مسرفاً وامرأة مقترة ولا يقتص من رجل بخيل وامرأة مبذرة، إلا أن المعاناة التي يعيشها من هم حول الرجل البخيل لا يمكن تحملها، كما أن ما تسببه المرأة المسرفة المبذرة من ضياع لمالها ومال من يعولها لا يمكن أيضاً تحمله، ولذا كان التوازن والاعتدال مطلوبين في عملية الصرف والإدخار.

يعتبر البخل من الأمراض التي لا يمكن أن يتم علاجها بسهولة؛ فهو يمسخ شخصية صاحبه عبر تمكنه من نفس الإنسان حتى تنعدم اليد الخيّرة المانحة، وإن ظلت النفس تمد بالخير إلا أن اليد البخيلة الشحيحة بالمال من أقوى معاول الهدم وأكثرها فتكاً لسعادة الإنسان وأقساها توفيراً لعذاب الآخرين وشقائهم.

المشكلة أن البخيل الذي يعلم أنه بخيل يعتبر من الذين يحرمون أنفسهم ومن معه ليس فقط من ملذات الحياة بل من احتياجاتها ، والمشكلة الأكبر تكمن في البخيل الذي يعتبر بخله نوعاً من التدبر وتصريف أمور الحياة وقدرة على توفير حياة مستقبلية كريمة وخطة لتأمين المستقبل مادياً ومعنوياً، فهو بذلك لا يحرم نفسه فقط، بل يحرم غيره ممن يعولهم ويقتر عليهم لدرجة تجعل غيرهم يتعاطفون معهم، بل وأحياناً يمدون لهم يد المساعده؛ ظناً منهم أنهم لا يملكون المال. والأمثلة في حياتنا كثيرة من هؤلاء الذين آثروا أن يستمتعوا بجمع المال والتقتير على أنفسهم وعلى من يعولون.

تلك النوعية من البشر لا يمكن أن يُتوقع منهم مساعدة أحد: فكيف له أن يساعد غيره وهو يحتاج لمساعدة الآخرين إن لم يكن من النوع الذي يقوم فعلاً بطلب المساعدة من الآخرين. وهم يستمرون على حالهم ذلك إلى أن يرحلوا عن الدنيا ويأتي من بعدهم أولادهم ليعبثوا بالمال الذي حُرموا منه أياماً طويله وعانوا غيابه وغياب مايأتي به.

أولئك الذين ينفقون مال الرجل الكنزي من بعده بلا رادع وبلا قيمة له، يصرفونه بأسلوب النزهي الذي أشار إليه المثل السابق بأسلوب من خرج من حرمانه وكبته لعالم الحرية المالية، وتوافر المادة بشكل لم يكن سابقاً.

التخطيط للمستقبل جيد، بل من الحكمة أن يخطط الرجل لمستقبله وأن تصرف المرأه بتقنين مدروس دون أن يحرم الرجل نفسه وعائلته من أدنى معايير الحياة على الأقل.



dr.aobaid@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد