Al Jazirah NewsPaper Tuesday  23/06/2009 G Issue 13417
الثلاثاء 30 جمادىالآخرة 1430   العدد  13417
شيء من
الفقر.. الغول الذي سيغتال الاستقرار
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

 

يقول التقرير السنوي لوزارة الشؤون الاجتماعية الذي صدر مؤخراً إن هناك (ثلاثة ملايين سعودي) تحت خط الفقر، وهذا يعني بلغة النسب المئوية أن هناك ما نسبته 22% من سكان المملكة، أي أقل بقليل من ربع سكان المملكة السعوديين، هم تحت خط الفقر، وهذا يعني -من زاوية أخرى- أن كل أربعة من السعوديين أحدهم تقريباً تحت خط الفقر، أي أن فقره بلغة العرب (مدقعاً).

وإذا كانت المقارنات تجعل المأساة أقرب إلى التصور كما يقولون، فإن هذه النسبة التي يندى لها الجبين، تقترب من نسبة الفقراء في باكستان (28%)، وتكاد تتطابق مع نسبة الفقراء في لبنان (24%). لبنان وباكستان ليستا دولتين بتروليتين، بينما المملكة دولة بترولية، هي الأعلى إنتاجاً والأعلى في الاحتياطيات، وهي لذلك من أغنى دول العالم دخلاً، الأمر الذي يجعل هذه النسبة (المخيفة) للفقراء من التعداد الكلي للمواطنين تشير بوضوح إلى (فشل) تنموي، وغير مبرر، في توزيع الثروة الوطنية، هذا الفشل لا بد - أولاً- من الاعتراف به، ومن ثم التعامل معه بمنتهى الجدية، والعمل على إيجاد حلول له، قبل أن يسبق السيف العذل.

ماليزيا -مثلاً- قصتها في كبح جماح الفقر مثال تاريخي يجب أن يُحتذى. كانت نسبة الفقراء من الشعب الماليزي عام 1970 في حدود 52% كما تقول التقارير. هذه النسبة انخفضت عام 2007 إلى حدود 3.6%. هذا الإنجاز الكبير، وربما غير المسبوق قياساً بالزمن، جاء في البداية نتيجة لحدث تاريخي كان بمثابة (الشرارة) التي جعلت الماليزيين يلتفتون إلى واقعهم، ويبدؤون خططهم الطموحة للقضاء على الفقر، وتحقيق مجتمع العدالة الاجتماعية في توزيع الثروة الوطنية.. ففي عام 1969 وقعت أحداث دموية بين طائفة الملايو الذين يُمثِّلون 55% من السكان، والطائفة الصينية التي تُمثِّل 25%، وكان السبب الرئيس لهذه الأحداث أن الصينيين يحتكرون (الثروة) بينما غيرهم فقراء، هذا التفاوت الطبقي في الثروة، والدخل، تفاقم مع الزمن حتى انفجرت الأوضاع في مايو عام 1969. اعتمد الماليزيون لتصحيح أوضاعهم ومحاصرة الفقر كما تقول التقارير، على خطة تهدف إلى أن النمو الاقتصادي يجب أن يستفيد منه الفقراء (أولاً)، ومع تطبيق الخطة اكتشف المخطط الماليزي أن هناك علاقة (عكسية) بين الفقر والنمو الاقتصادي، فحواها أن زيادة النمو الاقتصادي بمعدل نقطة واحدة مئوية، يعني تراجع معدل الفقر بمعدل ثلاث نقاط مئوية كاملة، لذا كان الشغل الشاغل للماليزيين (التنمية الاقتصادية)، ورفع معدلات النمو إلى أعلى درجة ممكنة، إضافة إلى اعتماد إستراتيجية تنمية عامة تعتمد على زيادة امتلاك الفقراء لرأس المال، وتحفيز التدريب، إضافة إلى تمليكهم المساكن. وفي عام 1986 قرر محاضير محمد كما جاء في أحد التقارير: (تغيير تعريف خط الفقر ليشمل ضرورة حصول المواطن الماليزي على (ملكية عقارية)، وصافي دخل إلى جانب توفير الاحتياجات الأساسية له من طعام وشراب، أي أن خط الفقر أصبح يشمل الطعام والشراب والمسكن وصافي التحويلات المالية، وتوافر الخدمات الأساسية من المياه والصرف الصحي والكهرباء والتعليم والمواصلات).. فأصبح كل من ليس لديه ملكية عقارية -مثلاً- يُعتبر فقيراً.

كل ما أريد أن أقوله هنا إن تزايد معدلات الفقر، وعدم أخذ مثل هذه الأمور بجدية سيغتال (حتماً) استقرار مجتمعنا، كما اغتال استقرار مجتمعات أخرى كما يقول التاريخ المعاصر، وإن الحل في التنمية الاقتصادية، وجعل القضاء على الفقر أولوية لها.. إلى اللقاء.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد