Al Jazirah NewsPaper Friday  10/07/2009 G Issue 13434
الجمعة 17 رجب 1430   العدد  13434
إلى أمريكا: نيتك مطيتك
د.خالد بن محمد الصغيّر

 

كنت في كل مرة أتحدث فيها مع والدي (رحمه الله) شاكياً، باكياً، طرياً بسبب أمر ما حدث لي، لا يفتأ يردد على مسمعي مذكراً إياي بقوله: (تذكر يا ولدي أن نيتك هي مطيتك التي أوصلتك إلى ما أنت عليه الآن إن سلباً، أو إيجاباً).

تذكرت هذا الكلام، أو بعبارة أصح هذا المثل الشعبي الذي كان يقوله لي رحمه الله في الوقت الذي كنت أستمع فيه إلى خطاب المصالحة مع العالم الإسلامي الذي ألقاء الرئيس الأمريكي من أرض الكنانة وفي معقل أحد صروحها العلمية، بعد محطة قصيرة قام فيها قبلاً بزيارة مهد الإسلام، السعودية.

لست هنا بصدد التوقف ملياً عند خطاب الرئيس، وتحليله من المنطلقات التي يجب أن تؤخذ في الحسبان عند تحليل الخطاب السياسي، وربطه بالاستراتيجيات والسياسات التي ترسمها الولايات المتحدة عند تعاملها مع العالم الإسلامي بغض النظر عما يتولى دفة إدارة الحكم فيها، ولكنني سأنظر إليه من جانب آخر، وهو أن الإدارة الأمريكية السابقة شعرت بمقدار الضرر والشرخ الكبير الذي أحدثته سياساتها تجاه العالم العربي تحديداً، والإسلامي بشكل عام، ومن هنا قامت بعدد من الخطوات التي حاولت من خلالها إصلاح ما أفسدتها تلك السياسات الخاطئة التي انتهجتها الولايات المتحدة على خلفية أحداث الحادي عشر من سبتمبر الدامية، والتي كان على رأسها سياسة: (من ليس معنا فهو ضدنا) المشهورة، واللجوء السريع للحلول العسكرية عند مواجهة الإشكاليات المختلفة، والتلويح باستخدام القوة المفرطة، ومحاولة فرض شروطها وملاءاتها السياسية على شعوب ودول العالم.

وبالرغم من الجهود والخطوات التي سعت الولايات المتحدة ممثلة في إدارة الرئيس بوش لإحداث معادلة تقود في النهاية نحو علاقة إيجابية، ومد يد المصالحة مع العالم الإسلامي، إلا أن تلك الجهود باءت بالفشل الذريع؛ لأنه نعم كان هناك رغبة في إحداث تغيير ما، ولكن النية لم تكن صادقة تماماً، والسبب في ذلك - فيما يبدو - أن إدارة المحافظين الجدد كان يتنازعها تيار الضرر الذي لمسته على الأرض من جراء اتباعهم لهذه السياسات الخاطئة، وكذلك تيار النظرة السلبية التي يحملها الكثير منهم، وبخاصة المتنفذون تجاهنا والمنطوية على القول بأن شعوب العالم الإسلامي ذات صبغة ثقافية قائمة على الكره والبغض، وعدم الرغبة في التعايش مع الآخرين، ومحبة للتقوقع حول ذواتها، إضافة إلى ذلك اتباع الإدارة بصقورها الفاعلين للسياسة المؤقتة التي تنتفي بتحقيق تقدم ملموس على الأرض يخدم مصالح هذه الفئة الحاكمة المنفذة، ومن هنا لم تكن هناك رغبة جادة في القيام بخطوات مفصلية ترجح الكفة؛ حيث نرى الولايات المتحدة قد أفاقت من سكرتها ومدت يديها مبسوطتين نحو العالم الإسلامي في محاولة منها لبناء جسور من التفاهم، والتعايش السلمي، وآخذة في الحسبان المصالح المشتركة بين العالم الإسلامي وإمبراطورية العالم الأولى.

اليوم وفي ظل عهد الإدارة الجديدة بقيادة الرئيس باراك أوباما يمكن أن نتوقع النتيجة نفسها ما لم تكن هناك نية صادقة تتبعها خطوات عملية حاسمة تجعل العالم الإسلامي منفتحاً مرة أخرى على التي كانت إلى وقت قريب يُنظر لها على أنها ربانة الديمقراطية وراعيتها، ومهد الحرية وذات المبادئ الحسنة الإيجابية التي يأتي على رأسها المساواة، والعدل، والاحترام، والاحترافية المهنية، وتقدير الأشخاص لذواتهم وقدراتهم بغض النظر عن أعراقهم، وأجناسهم وخلفياتهم الثقافية، وتوفيرها الفرصة الاقتصادية، وسرعة حركتها الاجتماعية، والحرية الأكاديمية، وبعض من عاداتها وتقاليدها الاجتماعية ذات الصبغة الإنسانية والمردود الإيجابي العالي القيمة، والقيم والمبادئ الإيجابية في المجالات السياسية، والاقتصادية والثقافية، والتربوية، وتفوق عمل مؤسساتها الحكومية، وعلو كعب الحياة أو الجانب الاقتصادي وتميز مؤسساتها التربوية.

والقول بذلك إن النية الصادقة يجب أن تكون الجسر الذي على الولايات المتحدة أن تمتطيه حتى يمكنها حصد نتائج مثمرة وإيجابية في مشروع المصالحة مع العالم الإسلامي، ليس من باب تسطيح الأمور، وتناسي تعقيدات وتشابك هذا المشروع الضخم في منطقة أنهكتها عقود من النزاع، والتناقضات، والحروب المستمرة، ولكنه حجر الزاوية الذي يجب أن يكون المنطلق والمتكأ الذي يُركن إليه عند البدء في مشروع إنهاء العداء مع العالم الإسلامي؛ لأن العمل بنية صادقة مخلصة سيخلق ولا شك أرضية خصبة لإحداث انقلاب أبيض داخل أروقة البيت الأبيض في جميع متعلقات التعاطي مع العالم الإسلامي بما في ذلك الملاحقات غير القانونية، ونظرة الشك والريبة، والأحكام المستبقة، والتعامل من منطلق المصالح المتبادلة.

إذاً لندعو بصدق أن يكون خطاب الرئيس، أو بالأحرى مبادرته التي نفترض فيها حسن وصدق النية، أن تترجم بخطوات عملية على أرض الواقع، وخطوات تصحيحية عميقة، وأن تشكل بداية مشوار الألف ميل لعلاقة أكثر عمقاً، وإيجابية، واحتراماً بين طرفي المعادلة، العالم الإسلامي والولايات المتحدة، من أجل إشاعة شعور يبعث بالأمن والأمان لكوكبنا المتوتر الذي هو بأمسّ الحاجة إلى أن يُقصى عن أجوائه القلق والخوف اللذين اصطبغت بهما أجواء المناخ العالمي في الآونة الأخيرة، وبخاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر الدامية التي قضت فيها أرواح بريئة. ولعلي هنا أختم بأن نية الرجل الأول في أمريكا وربان سفينتها ستكون مطيته نحو ردم الهوة بين العالم الإسلامي والولايات المتحدة، وتخفيف حدة العداء بين الطرفين، وبناء جسور من الثقة والاحترام المتبادلين بينهما، وخلق أجواء وقنوات لبدء حوار صادق منفتح على المستويين الرسمي والشعبي فيهما، وأن يكون قادراً على ترجمة نيته الصادقة إلى سياسات فعلية، وبخاصة ذات المساس بالقضايا التي تهم العالم الإسلامي، ويأتي على رأسها القضية الفلسطينية. وفوق هذا وذاك تكون بمثابة موقف استراتيجي تتبناه إدارته من أجل إزالة أسباب التوتر والاحتقان الذي شاب العلاقات بين الجانبين أثناء حقبة بوش الابن، وأن يكون الهدف منها تغيير في السياسات وليس فقط في الأساليب.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد