Al Jazirah NewsPaper Friday  10/07/2009 G Issue 13434
الجمعة 17 رجب 1430   العدد  13434
أضيق الطريق
د. محمد بن إبراهيم الحمد

 

يُحدِّثُ أحَدُ الناسِ عن قصة حصلت له مع أحد أولاده؛ حيث كان ذلك الولد يطلب من والديه طلباتٍ معقولةً، ولكن الأم كانت أحياناً ترفض بعض تلك الطلبات؛ حتى لا يتمادى ذلك الولد في رغباته.

وكان الأب يأمل من الأم أن تَتَسَمَّح قليلاً، ولا تبالغ في الرفض، فَيُضْطَرَّ الولدُ إلى أضيق الطريق، فيحصلَ ما لا تحمد عقباه.

وفي يوم من الأيام أرادت الأم زيارة أهلها، فلما استقل أفراد الأسرة السيارة سألوا عن ذلك الولد، وإذا به داخل البيت، فذهب إليه أحد إخوانه فرفض، فصعد إليه الأب، وحاول فيه مرة بعد أخرى، فرفض ذلك الولد؛ فذهبوا وتركوه.

ولما قرب منتصف الليل، وجاءت الأم وباقي أولادها إلى المنزل كانت الأم مُغْضَبةً متكدرة من صنيع ذلك الولد، فحاول الوالد تلطيف الجو، فذهب إلى ذلك الولد - وكان باراً طيباً - وقال له: اذهب إلى أمك، فاعتذر إليها؛ فأخذتِ الولدَ العزةُ بالإثم، فرفض، فقال له الوالد: أنا أبوك، وآمرك بِقُرْبَةٍ من أَجَلِّ القربات، وهي أن تسترضي والدتك وتعصيني؟!

فأصر الولد، وركب رأسه؛ فما كان من الوالد إلا أن أهوى بيده على ولده، وضربه ضربتين - على غير عادته - فصار الولد يبكي بكاءً مراً؛ لأنه لم يتعودْ ذلك من والده، فباتوا جميعاً تلك الليلة في كدر وغمّ.

فلما تنفس الصبح، وسكت الغضب عنهم، وثابوا إلى رشدهم راجعوا أنفسهم، وندموا جميعاً على ما حصل؛ فالأم ندمت على صنيعها الأول، والأب ندم على ضربه لولده، والولد كان أشدهم ندامة؛ حيث ندم على معصية والديه أولاً وآخراً.

فهذه الحادثة تعطينا درساً في سعة الأفق، وتدبر العواقب.

فلو أن كلَّ واحد من هؤلاء الأطراف اتسع صدره قليلاً، وتنازل عن بعض رأيه، وتدبر عاقبة الأمر لسلموا جميعاً من ذلك المأزق الذي كاد أن يذهب بصفاء الأسرة.

وأذكر أن زوجةً اتصلت مراراً على أناس؛ لكي يسعوا في إرجاعها إلى زوجها بعد أن طلَّقها، فلما كُلِّم الزوج في ذلك، قال: لقد اضطرتني إلى الطلاق، حيث كانت تردد في كل وقت: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} فلما ضقت بذلك ذرعاً طلقتها.

وأذكر أن مسؤولاً في إحدى المدارس كان دائماً يهدد الطلاب بالفصل من الدراسة عند كل صغيرة وكبيرة، يقول: وفي يوم من الأيام توقفت عن ذلك النوع من التهديد؛ لأنني هددت طالباً بذلك، وقلت له: إذا تكرر منك الشغب في الفصل فسأعطيك مَلَفَّك، وسنطوي قيدك من الدراسة.

فقال الطالب: أعطني ملفي الآن، يقول الوكيل: فوقعت في حرج؛ لأنني لم أُرِدْ ذلك، ولأن الخطأ الذي وقع فيه الطالب يسير لا يستحق تلك العقوبة، فما أنقذني من ذلك الموقف إلا أن قلت له: أحضر ولي أمرك؛ لنسلِّمه مَلَفَّك، ونشعرَه بطيِّ قيدك؛ وبذلك سَلِمْتُ من ذلك الموقف المحرج، وقررت عدم تكراره.

وبناءً على ما مضى فإنه يحسن بالعاقل أن يتفادى الأمر قبل وقوعه؛ فإذا غلب على ظنه أن تلك الكلمة، أو ذلك العتاب، أو الموقف من شخص ما سيثير مشكلة، أو سيبعث قلقاً، أو يحدث شرخاً فأولى له ثم أولى أن يتركه، أو يسلك حياله طريقة تفي بالغرض دون ضجيج، أو حدوث نتائج وخيمة.

وأخيراً، لا تضطر صاحبك إلى أضيق الطريق، ولا تغلق الباب أمام من له عندك بقية من مودة.

* جامعة القصيم



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد