Al Jazirah NewsPaper Saturday  18/07/2009 G Issue 13442
السبت 25 رجب 1430   العدد  13442
حول (الآخر)... مروة الشربيني نموذجاً
حسين أبو السباع

 

(اندمجوا أو ارحلوا) عنوان مقال أرسله لي الصديق والزميل غسان إبراهيم مدير تحرير صحيفة العرب الأسبوعي التي تصدر من لندن؛ كان فيه يعيب على العرب الذين يعيشون بكامل عروبتهم داخل أوروبا من دون محاولة التفكير في الاندماج داخل المجتمع الجديد، في الوقت.....

.....نفسه يكون الحفاظ المعتدل على الدين والثقافة موجوداً، لكن لابد من الاندماج البنّاء، أو الرحيل فوراً، لكننا...

... تعوّدنا الأنباء الصادمة، وعناوين صحافية تشلّ التفكير، (مقتل مسلمة مصرية في محكمة ألمانية أمام ابنها الصغير)، (18 طعنة في جسد صيدلانية مصرية)، (6 طعنات وطلق ناري في جسد الزوج)، (تفاصيل مقتل شهيدة الحجاب)، وغيرها الكثير من العناوين التي تصدّرت مختلف وسائل الإعلام العربية، في ظل حالة من حالات التجاهل الإعلامي العالمي، وحتى مجرّد التعليق المحايد على الحدث، كل هذا يقودنا إلى نتيجة مفادها أنه لا يمكن فهم قضية مقتل الصيدلانية المصرية مروة الشربيني بعيداً عن فتح ملف قبول الآخر، المصرية المسلمة المحجّبة في مقابل الألماني المسيحي المتطرِّف، حال الشحن الإعلامي حول قبول الآخر دون حدوث أدنى درجة من درجات القبول بين المقيمة المصرية، والمواطن الألماني من أصل روسي، ويأتي سبب الخلاف الذي أذاعته مختلف وسائل الإعلام أقلّ ما يوصف به أنه إما تافه أو غير منطقي، كيف لخلاف على أرجوحة، يتحوّل إلى صراع إيديولوجي من العيار الثقيل يبدأ بقضية، يغلق أحد ملفاتها بقتل طرف من أطرافها.

القضية ذاتها تنتقل بملفاتها من تعصُّب أوروبي ضد تيار عربي مسلم بوصفه إرهابياً إلى الدول العربية نفسها، وحال رفض مجرّد الاعتراف بالآخر، الذي هو يحمل نفس بيانات بطاقة الهوية، والفرق يأتي عند خانة الديانة، وإذا سلّمنا بأنّ الديانة واحدة (مسلم، مسيحي)، تجد رفضاً آخر، عند خانة الجنسية، وبين جنسية عربية وأخرى درجات متفاوتة علواً وهبوطاً وضعها متطرِّفون أغبياء، على شاكلة هذا الألماني الذي نتج تهوُّره المبني على فهم خاطىء لسياق الحدث صنعت جريمة تم أيضاً على أثرها تجييش الجيوش من الجانبين سواء العربي المسلم أو الأوروبي المسيحي.

فكرة قبول الآخر ليست فكرة لنا سبق التفرُّد بإيجادها، وليس لنا سبق التفرُّد بتصديرها، ولكنها أصبحت مبدأ عالمياً، تياراً يسعى لرفض (الآخر)، أي آخر، المسلم يرفض أتباع الأديان الأخرى، حتى أبناء البلد الواحد ربما يقتل بعضه بعضاً رفضاً لمفهوم (قبول الآخر)، وقضية القتل على الهوية التي راح ضحيتها المئات في العراق لا تزال حية في أذهاننا، حتى الأوروبيون يرفضون بعضهم البعض، وكل يوم تخرج التظاهرات الرافضة لسياسة الدول الأوروبية، كل هذا الرفض لفكرة قبول (الآخر) نفسها جاءت لترفض تياراً يدعو إلى الشراكة الإنسانية، وهو ما دعت إليه كل مؤتمرات الحوار بين أتباع الأديان.

مقتل مروة الشربيني في ألمانيا بمثابة شرارة يستغلها الآن البعض إلى إحداث حالة من الفوضى، لنسف كل المبادئ التي نادت بها الحوارات بين أتباع الأديان في العالم، لمحاولة اختراع حياة خالية من العنف، حياة تدعو إلى التكيف مع الواقع الذي يجعلني أنظر إلى نفسي كإنسان، بالطريقة نفسها التي أنظر فيها إلى (الآخر)، لكن ليس معنى هذا أن نطوي سجل القضية ونتسامح مع المجرم، بل علينا أن نحرض القائمين على تفعيل القوانين على الثأر من أي مجرم يحاول قلقلة الشراكة التي تدعو إلى الحياة، بعيداً عن العنف الفردي أو الثأر الشخصي.



aboelseba2@yahoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد