Al Jazirah NewsPaper Tuesday  21/07/2009 G Issue 13445
الثلاثاء 28 رجب 1430   العدد  13445

رحلت يا أبي
وفاء بنت محمد بن عبدالله الجاسر

 

رحلت يا أبي هل سنبكيك وحدنا أم ستنوح عليك حمائم كل معروف بذلته، وهل سترثيك القوافي ولو بلغت طول الملاحم والمعلقات، أصعب شيء أن نكتشف مقدار الحب والمتدفق في جوانحنا ساعة إعلان الفراق فلا نملك أن نبوح لك به، والأصعب أنني سأكتب اليوم دون أن أسعدك بقراءة مرثيتي على مسمعك فتثني علي مشجعا كما عهدتك، كنت أظن أني بلغت أشدي واشتد عودي حتى رزئت بفقدك فعلمت أن اليتم لا يعرف سناً.

لقد أراني المولى ليلة رؤيا قبل مرضك أني أرى شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء تهتز حتى هوت وشمساً غربت ففزعت إلى الصلاة واستيقظت فتهيأت لخطب ما كنت أظنه رحيلك.

أبي وشيخي قبل دخوله غرفة العناية المركزة بثوان طلب السواك فاستاك وكأنما كان يتهيأ للقاء ربه ليكون آخر ما قال: السواك، اللهم اختم له بما ختمت لنبيك كما اختار أن يختم بسنته ويتأسى به يوم رحيله.

واليوم أهدي أبياتي لأمي الغالية -مد الله في عمرها على طاعته - ولكل إخوتي وأخواتي ولأسرة الجاسر كافة ولكل من عرف أبي وأحبه ولكل يتيم وأرملة ستفقد غيث جوده ولأسرة (الجزيرة) التي آثرها -رحمه الله- بمقالاته ومشاركاته.

أتفزعك المنية يا قصيدي

وأنفاس النوى تكوي وريدي

رأيت النخلة المعطاء تزهو

ببستان وفي عيش رغيد

عجبت لنخلة شماء تهوي

وشمس الحب تغرب من بعيد

فأنفث عن يساري في وجوم

عسى خيراً وأنهض كالشريد

وأسترق الصباح أروم أمنا

ألا ياليت قلبي من حديد

أتى ما كنت أحذره سنينا

فادعو الله بالعمر المديد

وهزّ مسامعي نبأ عظيم

أبي وملاذي في وعك شديد

بطيبة يشتكي كدراً وحمى

فجد مولاي بالعود الحميد

أتينا والحنين يقود ركباً

وقبلنا الأيادي من جديد

أبي ويجيبني صوت هزيل

وقد كان المفوه كالرعود

طهور يا فؤادي ما تعاني

سأحمل خافقي بدل الورود

وأهديه إليك عساك تشفى

برحمة خالقي المبدي المعيد

كأنك في سريرك فوق عرش

يعودك فيه آلاف الحشود

وحولك دوحة الحب المعنّى

تناديها فتقبل من بعيد

حذار رفيقتي تنفكي عني

إذا غبت سريعاً فلتعودي

فودعت الجموع ونمت نوماً

قريراً بالأراك بلا صدود

أتسمع يا أبي نبضي ندائي

وهمسي تاليا آي المجيد؟

أتبصر يا أبي دمعي سخينا

يخضب وجنتي فوق الخدود؟

أتشعر يا أبي لمسات حب

من الزوج الوفية والودود؟

تبادلنا بصمت فيه صبر

بأجر لا حرمت من الحميد

وبتنا جلّ هاتيك الليالي

نبدد وحشة الهم العنيد

تموج الذكريات بنا فحيناً

نؤمل في غدٍ آتٍ سعيد

وحيناً يعترينا خوف فقدٍ

يذيب قلوبنا لو كالحديد

وكنت إذا دهتنا ناشبات

تطمئننا بدعوات السجود

هتون سحائب الخيرات يسقي

أجادب أرضنا وقفار بيد

رضعت مع الطفولة ذلّ يتم

فصرت أباً لمكلومٍ شريد

وذقت مع الصبا ألوان عسر

فحلت عن الشدائد كالسدود

أحلت بكفك المعطاء حزنا

ومسغبة إلى أيام عيد

إذا طرق القصور حليف دنيا

طرقت مساكن الحي التليد

يشاركنا اليتيم نداء (بابا)

ويأوي منك للركن الشديد

واقدار الإله بنا ستمضي

أردتِ أخيَّتِي أم لم تريدي

أحقاً يا أبي أنت المسجى؟

وأنت اليوم من يدعى فقيدي

تشيعك الجموع إلى ثراك

وقد كنتَ الثريا يوم عيد

هنيئاً حمد أرباب الرزايا

إذا استمع الإله إلى الشهود

وبلغك الكريم بلا حساب

منازل كل صديق شهيد

وطهرك الغفور بماء عفو

وعدت من الخطايا كالوليد

إلهي فاجبر الطير المعنى

كسير جناحه يأوي لعود

ويا رب البرية لا تخيب

رجاء العفو في يوم الوعيد

وداعاً يا فقيد الجوج هل لي

إلى لقيا بجنات الخلود


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد