Al Jazirah NewsPaper Tuesday  21/07/2009 G Issue 13445
الثلاثاء 28 رجب 1430   العدد  13445
ما أوجعه من خبر
سالي أحمد بادويلان

 

أشعر بالألم لصديقة درسنا معها سويا على مقاعد الدراسة في جامعة الإمام محمد بن سعود كلية الشريعة..

وفجأة رحلت..

لا تدرون كم هو حجم المأساة عليّ..

أكتب وأنا أبكي..

والعبرات تخنقني..

عندما سمعت الخبر هرعت مباشرة لمنزلهم..

وبدأت أمها تحكي قصة لحظاتها الأخيرة..

لكن قبل أن أحكيها أريد أن أخبركم بما قبل ذلك..

صديقتي هذه أصيبت بالسرطان منذ سنتين..

عندما نجحت من المستوى الخامس اكتشفت المرض يعني عندما بقي لها ثلاثة مستويات أي سنة ونصف على التخرج

في المستوى السادس حاولت أن تدرس معنا وتواصل لكن العلاج بالكيماوي (هدّ حيلها) فاعتذرت على أساس أن تكمل الفصل الذي يليه

ونكمل نحن دراستنا ونتخرج الفصل الماضي وهي لم تزل تؤجل الدراسة وتعتذر فصحتها لا تسمح وواصلت هي العلاج بالكيماوي إلى ما قبل شهرين، ويقول طبيبها أن جسمها لم يعد يؤثر فيه الكيماوي يعني لا بد من تغيير العلاج

فأعطاها ست حبات يومياً لمدة شهر وتكلفتها سبعة آلاف.. تصوروا!!!

ثم الشهر الأخير قبل وفاتها غير لها الحبوب إلى نوع آخر وتكلفتها بخمسة عشر ألفا..!!!!

لكن خلال هذا الشهر تابع حالتها شيخ يرقي الناس فأوصاها بالاغتسال بطريقة معينة بماء مقروء عليه

بالفعل بدأت به وشعرت بتحسن..

وكانت تخبرني بأن معنوياتها أفضل وأنها سعيدة جداً..

وكانت تقول لي بأنها متفائلة بهذا الغسل..

وشعرت بنشاط وقوة..

فأصبحت تستطيع أن تقوم الليل وتقرأ القرآن..

ثم بعد أيام دخلت المستشفى..

وبدأت تظهر عليها أعراض غريبة لا علاقة بمرضها الأصلي السرطان

فمثلاً انعقد لسانها لمدة عشر ساعات متواصلة..

كانت تنادي أباها بماما وأمها ببابا وهكذا..

لكن مع ذلك كانت تقرأ القرآن..

اضطر الطبيب أن يأخذ لها (خذعة من النخاع) حتى يعرف سبب هذه الأعراض لكن تفاجأ بأنها وهي مخدرة تقرأ القرآن بصوت عال وتذكر الله، ولمدة عشرة أيام وفحوصات شاملة وعريضة لم يكن هناك سبب لهذه الأعراض..

ويبدو أنها أعراض الموت ولم يشعر أحد بذلك، أخبرتني خلالها بأنها تشعر بحجم السرطان قد تضاءل.

تخبرني بذلك وهي في قمة الألم مع قمة التفاؤل الذي لا حدود له..

إنسانة عجيبة لم أر مثلها:

صبر بلا حدود.. فلم تتذمر أبدا خلال السنتين

وتوكل عجيب..

وتفاؤل رغم ما بها لا يبشر بخير أبداً..

يوم الجمعة بتاريخ 19-6-1430هـ

خرجت فاشتريت لها مجموعة من نكتار كهدية لها

وأختي تقول كيف ستستعملها فهي مريضة

أجبتها بتفاؤل واستبشار ستتحسن وتستعملها

وذهبت لأزورها في المستشفى ولم أتمكن من رؤيتها فحالتها تدهورت ومنعت الزيارة

لم أصدق أن تتيسر لي المواصلات ومع ذلك لم أرها

ثم كلمتني في اليوم التالي وهي (منقهرة) فكانت تود رؤيتي وتقول أهلها: كان أيقظتوني وجعلتوني أراها

كان دخلتوها..... لكن قدر الله وما شاء فعل..

وتكمل عشرة أيام وتخرج يوم الثلاثاء الماضي بتاريخ 23-6- 1430هـ

وكل ما اتصل بها ترد والدتها وتقول بأن صحتها لا تسمح بأن أتحدث معها

وكان الأحد آخر يوم سمعت فيه صوتها وكانت تئن وأنا أكلمها من شدة الألم والصداع الشديد

ومن يوم الأربعاء

وحتى أتى الجمعة 26-6-1430هـ وهي لم تستطع أن تغمض عينيها أبداً

لم تنم لمدة ثلاثة أيام متواصلة..

في أثناء صلاة الجمعة تنظر شيرين إلى السماء وتقول لأمها

شخصان ينزلان من الأعلى

فظنت أمها أنه هلوسة المرض

فقالت لها هيا استعيذي بالله ولنقرأ الفاتحة

فبدأت شيرين بالقراءة

الفاتحة.. البقرة (ربما بدايتها).. الصافات.. الرحمن

وذلك من حفظها..

في أثناء ذلك تسقيها أمها من العصير فيخرج من أنفها

تريد أن تذهب بها وأنتم بكرامة لدورة المياه فتأبى شيرين إلا الجلوس في مكانها

وتفيض روحها وهي تقرأ هذه السور ويكفيك سورة الرحمن ففيها وصف الجنة

لم أصدق الخبر وأنظر لهديتها التي لم تزل في غرفتي فيتقطع قلبي.

ذهبت مباشرة لمنزلهم فرأيتهم يبكون.

إلا أن الجميع يذكرها بالخير ما شاء الله..

ويسمونها الداعية.

وأصر للذهاب للمغسلة أريد أن أراها..

وحينها كنت لأول مرة أرى ميتاً أمام ناظري..

يقلبونها ولا تدري..

يحركونها ولا تشعر..

كانت فعلاً بلا حراك عندما غطوا وجهها بالكفن أردت أن أقول: ستخنق.. ستنكتم

فتذكرت أن الميت لا يؤثر فيه شيء..

حينها صدقت أنها ماتت ولم تعد بيننا..

لقد ذهبت شيرين..

لكن يشق وجهها ابتسامة عريضة كأنها لم تمت

مما أثلج صدري وطمأنني..

وأشعرني بفخر صحبتها..

وأنها وإن ماتت فإخوتي باقية لها لن تنتهي..

بل عندما ماتت بدأت أخوتي الحقيقية لشيرين..

عندما أبكي لا أبكي خوفاً عليها..

بل خاتمتها مبشرة بالخير

لكن أبكي لأني سأفتقدها..

وهناك سبب آخر يجعلني أتحسر وأبكي..

إنه على نفسي

ماذا قدمنا من ضمانات لأجل خاتمة حسنة!!

لا شيء

لا شيء

هي قدمت فوجدت ثمرة

أتدرون أن سورة الرحمن حفظتها قبل موتها بأسبوعين

(لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق).

رحلت شيرين وقد ربتنا وعلمتنا معاني عظيمة في الإيمان والصبر والتوكل

حتى الشيخ الذي كان يتابعها يقول: أحسبها من السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب والله مما رأى من توكلها وإيمانها

هنيئاً لها وحسرة على أنفسنا..

شيرين لم تعن لها الدنيا شيئاً

يذكرونها بالخير..

فهي لا تحب الغيبة.. والله المستعان يا كم أكلنا لحوم الناس..

لم تجرح أحداً فكل من حولها يقول لم نسمع منها إلا الكلمة الطيبة..

لم تقدم نفسها على غيرها بل تؤثر على نفسها، أختها تقول لم تكن تأخذ شيئاً لنفسها، بل لإخوتها أو لمن حولها

زاهدة في الدنيا..

طموحة ومثابرة ومتفوقة في الدراسة..

لا تضيع وقتها أبداً..

تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر..

أستاذاتها يقولون عنها يرجى لها الخير إن شاء الله..

هذا بعض ما نعرفه غير صبرها وتوكلها العجيب

لا أدري نبكي على من؟

وأظن على أنفسنا

فهي يرجى لها الخير بإذن الله

ذهبت للكريم الذي لا يخيب من دعاه ولا يضيع من رجاه

وهي رجت وتوكلت وسيعوضها الفردوس بإذن الله

- الرياض



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد