Al Jazirah NewsPaper Tuesday  21/07/2009 G Issue 13445
الثلاثاء 28 رجب 1430   العدد  13445
هل تنجح موهبة....؟
بندر بن عثمان الصالح

 

لا شك عندي في أن أي تقدم لا بد له من مقومات وخطط وبرامج تؤسس لنجاحه في عالم لم يعد فيه مكان للمتقاعسين ولا المتواكلين ولا الذين ينتظرون إسهامات الآخرين ليستفيدوا منها كمستهلكين.

ونحن أولى الناس بقيادة البشرية باعتبارنا خير أمة أخرجت للناس، فقد جاء الإسلام منذ ما يقرب من خمسة عشر قرنا يأمر الإنسان بأن يقرأ، وكرر الأمر مرتين في الآيات الثلاثة الأولى من سورة العلق {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ(1)خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ(2)اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ(3)} صدق الله العظيم.

وعندما التزم المسلمون الأوائل بتعاليم الإسلام تعلموا العلم وعلموه ونشروه وأصبحوا سادة العالم في وقت كان بقية العالم يعيش في عصور الظلام، وكما كان لنا كمجتمعات عربية وإسلامية قصب السبق في نقل العلم والمعرفة إلى العالم قديماً، فمن الحري بنا الآن أن نستعيد قمة هرم المعرفة وقيادة العالم من جديد.

ولله الحمد فإن المملكة بفكر ورؤية ولاة أمرها -يحفظهم الله- قد وعت هذه الحقائق وعملت لها وقفزت في السنوات الأخيرة قفزات لا يستهان بها في طريق التطور والتنمية والانتقال من العالم الثالث إلى مصف العالم الأول تحقيقا لمقولة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -يحفظه الله- (أتطلع إلى مخترعين وصناعيين مسلمين وتقنية مسلمة متقدمة وإلى شباب مسلم يعمل لدنياه عمله لآخرته، دون تفريط أو إفراط).

والمتابع لمسيرة النهضة التنموية الشاملة التي تعيشها المملكة يجد أن الوطن قطع شوطاً كبيراً بالفعل على طريق الانتقال إلى مجتمع المعرفة والاقتصاد المعرفي وتفعيل التراكم المعرفي وتجديد المعرفة بشكل مستمر ووضع النظم الفعالة للاستفادة منها واستثمارها وبالتالي تحقيق مقولة خادم الحرمين الشريفين وتحويلها إلى واقع ومنهاج عمل لاستعادة المكانة التي افتقدناها كثيراً.

ولا أخفي أن ما دفعني إلى التفكير في هذا الأمر زيارة إلى إحدى المؤسسات الوطنية الرائدة في مجال الموهبة والإبداع التي تشرف برئاسة خادم الحرمين الشريفين وهي مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع (موهبة) في مناسبة تدشين مبادرة شراكة مع مدارس حكومية وأهلية لرعاية الموهوبين والموهوبات وتوفير بيئة تعليمية ومجتمعية وأسرية داعمة وراعية للموهبة الإبداع، ما جعلني أفكر في أن موهبة لا بد وأن تكون برؤيتها ورسالتها جزءاً من منظومة شاملة ومتكاملة لتطور ورقي وخدمة الوطن.

وسعدت كثيراً عندما علمت أن كل ما يتم في المؤسسة من فعاليات وأنشطة ومشاريع طموحة يتم وفقاً لإستراتيجية وخطة الموهبة والإبداع ودعم الابتكار التي أقرها خادم الحرمين الشريفين، ورؤيتها المستقبلية طويلة المدى للخمسة عشرة سنة القادمة (رؤية 1444هـ- 2022م) التي تنص على أن تصبح المملكة مجتمعاً مبدعاً فيه من القيادات والكوادر الشابة الموهوبة والمبتكرة ذات التعليم والتدريب المتميز ما يدعم التحول إلى مجتمع المعرفة وتحقيق التنمية المستدامة.

وأخذني التفكير إلى نظرة أشمل على الجهود التي تبذلها حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يحفظه الله لبناء اقتصاد معرفي وتسليط الضوء على أهمية التحول إلى الاقتصاد المعرفي بالاستغلال الأمثل للعلم والمعرفة وإبداع رأس المال الفكري في تنويع قواعد الاقتصاد وتحويله من اقتصاد تقليدي يعتمد على الموارد الأولية إلى اقتصاد معرفي وعلمي وإبداع بشري، وبالتالي يقل اعتماد المملكة على النفط مع تكثيف الجهود الموجهة نحو تنويع الاقتصاد لجعل المملكة دولة صناعية رائدة، مع مراعاة البعد الاجتماعي واستفادة كافة مناطق المملكة من عملية التقنية.

وظهر هذا جلياً في الرؤية المستقبلية للاقتصاد السعودي حتى عام 1440هـ (2020م)، والتي استهدفت تحديد العناصر الأساسية والملائمة لطبيعة ومكونات الاقتصاد السعودي وسبل تفعيله ودعم تحوله إلى اقتصاد معرفي بما يضمن اللحاق بركب العصر ويساند طموحات النمو والارتقاء بمستويات المعيشة ونوعية الحياة، وما يتلازم مع هذا التوجه من ضرورات نقل وتوطين التكنولوجيا المتقدمة والمعارف الفنية المتطورة، وتفعيل دور قطاع خدمات الاتصالات والمعلومات وتنمية صادرات الخدمات، وتفعيل وتطوير الأنشطة المرتبطة بتدفقات رؤوس الأموال.

ورافق ذلك العديد من خطوات تطوير الاقتصاد والتشريعات وبيئة الاستثمار وتدشين ووضع حجر الأساس لمشاريع تنموية وعلمية وبحثية عملاقة وتطوير البنى التحتية وتخطيط سياسات وإستراتيجيات وطنية للتقدم العلمي والتقني، وكلها ستقود إن شاء الله إلى تحقيق غايات المملكة بعيدة المدى لبناء اقتصاد وطني فاعل مبني على المعرفة وإحداث نقلة نوعية في البحث العلمي على مستوى المملكة، كما ستسهم في تعزيز الاقتصاد الوطني من خلال تطوير وإيجاد منتجات اقتصادية تحرك عجلة الاقتصاد.

وكانت النقلة النوعية في هذا الاتجاه قيام خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله بوضع حجر الأساس لجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية كأساس لرؤية مستقبلية تستثمر خيرات الوطن في إنسانه، بعد أن أكد الملك أنه لا خيار سوى الاستثمار في الثروة البشرية لتبقى وتدوم وترتقي بمستقبل المملكة، كما أن مشروع الجامعة كرس فكر ومبدأ وشمولية رؤية خادم الحرمين الشريفين بالاستفادة من القدرات والعقول العالمية والإسلامية وتسخيرها لتشكيل مجتمع معرفي سعودي عالمي، يجعل من المملكة مركزاً دولياً لرأس المال المعرفي ومنارة لنشر ضياه في بقاع الأرض.

ولم يفاجأ أحد عندما علم الجميع أن فكرة الجامعة من بنات أفكار خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وكيف لا وهو ملك الإنسانية وراعي العلم والعلماء، وجاء حديثه عنها خلال تكريمه للمخترعين السعوديين قائلاً: (لقد فكرت في هذه الجامعة منذ خمس وعشرين سنة، ونحمد الله أن أعاننا على تحقيقها وأنتم إن شاء الله تكونون بذرة خير فيها وكذلك ستكون مفتوحة بإذن الله لإخوانكم العلماء المخترعين من العالم العربي والإسلامي).

فالنهضة التي تعيشها المملكة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، وسمو النائب الثاني صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية، نهضة تستند على دعم لا محدود واهتمام بجانب الابتكار والإبداع والتميز وبراءات الاختراع ورعاية الموهبة وتهيئة كل السبل للتفوق في كافة المجالات وكل القطاعات، للخروج بأفكار جديدة مبدعة وخلاقة تتحول إلى منتجات قادرة على المنافسة وذات مردود اقتصادي.

وعطفاً على ذلك فإن طموح المملكة للتحول إلى مجتمع المعرفة لم يأت من فراغ، وضع أسسه دعم ولاة الأمر وخطة وطنية شاملة للعلوم والتقنية كانت نتاج عمل وطني ضخم تسعى المملكة من خلالها إلى مجابهة التحديات العلمية والتقنية الراهنة والمستقبلية، والارتقاء إلى المستوى الذي يليق بها علمياً وتقنياً بتبني منظور شمولي لمنظومة العلوم والتقنية والابتكار على المستوى الوطني يتضمن رؤية بعيدة المدى عنوانها الرئيس أن تصبح المملكة في مصاف المجتمعات والاقتصاديات القائمة على المعرفة بحلول 2025م عبر مجموعة من الخطط الخمسية.

ولكن يبقى أمر لا بد منه لنجاح كل ما سبق من إستراتيجيات وخطط ألا وهو مناخ وثقافة الموهبة والإبداع في المجتمع؛ فبيئة الإبداع في مجتمع المعرفة تتطلب توفير المناخ المناسب وفرص الابتكار في جميع القطاعات لتفجير طاقات الأفراد الإبداعية، ولكي يكون الإبداع ملهماً للتغيير، فلا بد أن يستند إلى بيئة بحثية نشطة، لبناء مجتمع يُحسن استخدام المعرفة، ذلك المجتمع الذي ينظر إلى المعرفة على أنها ثروة وأساس للقوة والسلطة، ويجعل الإنسان محوراً رئيساً وجوهرياً بحركته باعتباره العنصر الأساسي الفاعل في الإبداع والإنتاج وهنا يحدث التكامل والتطور الذي ننشده جميعاً لتحقيق رؤى القيادة الرشيدة.

والحمد لله أن وفقت (موهبة) بتواجد الأمير الفارس فيصل بن عبدالله بن محمد وزير التربية والتعليم، نائباً للرئيس برؤيته العصرية وإيمانه بدور الموهبة والإبداع في عالم اليوم، وفكره الذي يسبقه لإحداث طفرة في حقل التعليم السعودي ظهرت جلياً عندما قال إن زمن التلقين قد انتهى في مدارس المملكة، فاتحاً الباب للفكر والإبداع والابتكار ليأخذ مكانه الذي يستحق في منظومة التطور الوطني، وأدعو الله أن يوفق الفارس وفريق عمل موهبة المتميز بقيادة الأمين العام معالي الأخ الدكتور خالد بن عبدالله السبتي في تحقيق كل تطور ورقي لصالح نهضة الوطن الغالي.

- عضو مجلس إدارة مدارس الرياض



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد