Al Jazirah NewsPaper Tuesday  21/07/2009 G Issue 13445
الثلاثاء 28 رجب 1430   العدد  13445
أحمد بن عبدالعزيز السيف.. رجل الخير الذي فقدناه
إيمان عثمان الدوخي

 

في شهر رجب من هذا العام رحل عنا الشيخ أحمد بن عبدالعزيز السيف، الوالد الحاني، والزوج الوفي، رجلٌ؛ شهمٌ كريمٌ شجاع، اشتهر بحكمته وحسن تصريفه للأمور. كثيراً ما يدعى لحل مشكلة أو فض خلاف بين متخاصمين.. عُرِف عنه حب الخير فلا يمر يوم دون سائل أو أكثر يطرق بابه.. سواء في منزله بالرياض أو الدلم، حيث مزرعته وبيته الملحق بها.. وكلٌ يخرج من عنده مُجاباً يدعو له ويذكره بالخير..

لقد كان أبو محمد في أهله وعائلته محل احترامٍ وتقدير، يُعزه ويقدره الصغير والكبير؛ الرجال والنساء.. كان للجميع والداً محباً ناصحاً.. وما تلك الجموع التي احتشدت للصلاة عليه داخل وخارج جامع الشيخ عبدالعزيز ابن باز في الدلم ليلة الجمعة إلا دليلٌ على مكانته في قلب كل من عَرفه..

إن الكتابة في شخص عزيز كوالدي الغالي لا تكفيها أسطر في جريدة أو صفحاتٍ في كتاب. هي حكايةُ حياة عامرةٌ بالخير والأعمال الصالحة.. يصعب حصرها ورصدها.. وما عزاؤنا إلا بما نراه ونسمعه من الذكر الحسن له بين الناس.. فهذا دليل محاسنه وأخلاقه الفذة وسمته النادر..

رحمه الله رحمة واسعة وأدخله فسيح جناته وألهم أهله وأبناءه وبناته الصبر والسلوان.

جاء يومه المقدر له.. وقبض الله روحه إلى جواره.. ودعناه بألم، قلوبٌ حزينة؛ وعيونٌ دامعة.. كلٌ يحبس ذكرياته الجميلة مع الغالي يسترجعها بحب.. وكأنه ما زال معه.. يفتقده الصغار الذين اعتادوا على مداعبته.. والكبار الذين أحبوا حكاياته وقصصه..

كم كرر علينا من قصة.. نسمعها كل مرة كأنها حكاية جديدة.. لا نمل من أسلوبه.. نسعد بالجلوس معه حول النار في أيام الشتاء.. أو على الزرع حيث الجو اللطيف في أمسيات الصيف في الدلم..

لن تكون تلك الأماكن بذات البهجة بدونه.. ستفتقد جمالها الذي لا يراه إلا من جلس مع أبي محمد حيث روحه التي تجمل المكان...

{كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ}.

عزاءٌ لقلوبنا أن حبيبها ممن يرجى لهم الخير، والمرء بعمله ورحمة الله واسعة.. وما ذُكر رحمه الله إلا بالخير.. وستبقى ذكراه على مر الزمان بما ترك خلفه من ذكر طيب، وعمل صالح، وأبناءٍ أخيار.. والموت حق مقرر على كل بني آدم..

اشتد به المرض في آخر أيامه.. وما سمعنا منه تجزعاً ولا هلعاً رحمه الله.. بل رأينا بشاشته وعظيم صبره واحتسابه وشكره لله.. لا يفتر لسانه عن ذكر الله.. وكم كان يكره أن يُخبر محبيه ممن يسكنون بعيداً عنه، حتى لا يشق عليهم بالزيارة.. وما أن يحادثه أحدهم هاتفياً إلا يرد أنا بخير.. بصوت يبالغ فيه بإخفاء التعب.. وفي ليلته الأخيرة حيث اشتد به الألم يذكر مرافقوه أنه ما توقف عن قول (الحمد لله).. (الحمد لله) حتى أعطوه جرعة مسكن كي يرتاح وينام.. واستيقظ فجر الخميس يتمتم ب(لا إله إلا الله).. وطلب جرعه ماء.. حيث كان آخر حديث لهم معه.. شخص بصره للسماء في حدود الساعة التاسعة والنصف.. ولم يعد يرد على أبنائه.. قبض الله روحه الساعة العاشرة صباحاً..

ودعناه بعد أن غُسل وكُفن.. وجهه نور.. وملامحه منبسطة.. كأنه نائم، قبلت رأسه أكثر من مرة، أرجو استيقاظه، كأننا في حُلم.. فلم نستعد لفراقه.. ما زلنا نريده بيننا..

هو الموت ما منه ملاذ ومهرب

متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب

نشاهد ذا عين اليقين حقيقة

عليه مضى طفل وكهل وأشيب

مهما تحدثت لن أفي ذلك الجبل الشامخ حقه.. وما فيه مبالغة ولا مدح، بل أقل القليل يشهد به كل من عرفه من أهل وأصدقاء وجيران ومعارف.. حتى أولئك الذين ما التقوه إلا مرة أو مرتين.. جاءوا لعزاء أهله متأثرين يبكونه كقريب..

حزنتُ لفقدك يا والدي.. لكني في قرارة نفسي أعلم أنك عشتَ عمراً مديداً زاخراً بالعمل الصالح - إن شاء الله، أسكنك الله الفردوس الأعلى وجعل قبرك روضة من رياض الجنة..

إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع ولا نقول إلا ما يرضي ربنا سبحانه وتعالى: {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إليه رَاجِعونَ}.

وعزائي لأسرة السيف خاصة وجميع محبيه كافة، وأسأل الله جل وعلا أن يربط على قلب زوجه - أم محمد - ويلهم أبناءه وبناته الصبر والسلوان ويعظم لهم أجراً، فلله ما أعطى ولله ما أخذ وكل شيء عنده بقدر.

- أم أحمد بن فهد السيف



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد