Al Jazirah NewsPaper Wednesday  05/08/2009 G Issue 13460
الاربعاء 14 شعبان 1430   العدد  13460
صراع الآيات في إيران
د. وحيد بن حمزة عبدالله هاشم

 

الذي يبدو حتى الآن أن الآيات الدينية الحاكمة في إيران على خلاف واضح على السلطة العليا للدولة بداية من سلطات ولاية الفقيه الثلاث (التنفيذية والتشريعية والقضائية) وحتى سلطة إدارة شؤون الدولة (السلطة التنفيذية). الصراع على السلطة بديهي وطبيعي، ولربما صحي لكن في بيئة سياسية وعقدية مفتوحة وشفافة وتعددية تختلف تماماً عن بيئة الفقيه ومصالحه ومتطلبات ولايته التي تعتمد على منطقة الزعيم الأوحد وإرادته، وهو المنطق السياسي الذي ساد ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية في القرن الماضي، كما وهيمن على النظام السياسي للاتحاد السوفيتي منذ بدايته وحتى انهياره عام 1990م.

هذا المنطق الأحادي الفردي الذي ساد ثم باد في أوروبا ما زال معمولاً به في إيران منذ عهد الثورة وحتى العهد الحالي لما يسمى بإيران الدولة. وهو منطق يعتمد على أداة قمع الهراوة مطعماً بقوة القبضات الحريرية. لهذا قتل من قتل وسقط المئات من الجرحى واعتقل الكثير ممن اعتقل لمجرد المعارضة أو التشكيك ناهيك بالمنافسة على سلطة رئيس الجمهورية، والمتوقع أن تتضاعف تلك الأعداد إذا ما استمر الصراع وتصاعد خصوصاً على مقعد ولاية الفقيه، أو حتى المشاركة معه في ممارسة السلطة.

منطق الفرد هذا لا يقبل بمبدأ المشاركة في السلطة، ومقعده الوثير بممارسات السلطة لا يتسع لممارسات اثنين إطلاقاً، وثقافته لا تسمح بظهور أكثر من ثقافة الفرد الواحد التي يجب أن تهيمن على ثقافة الجماعة. فمنطق وقاعدة خليفة الإمام الخميني بدأتا منذ أن نجح انقلاب القصر في بداية الثورة التي قام بها آية الله الخميني على الرئيس أبو الحسن الصدر الذي دفع حياته ثمناً لذلك الانقلاب.

الذي نود الإشارة إليه هو وجود تناقض واضح بين منطق السياسة الطبيعي للسلطة وفي قواعد ممارسة الفرد والأفراد للسلطة، وبين منطق الفرد الهادف إلى الوصول إلى السلطة والهيمنة عليها وعلى كافة مجالات وجوانب ممارساتها. يرتكز المنطق الطبيعي على قاعدة الاحتواء والمشاركة، فيما يرتكز المنطق الثاني على منطق الإقصاء وقاعدة الانفراد.

إذن يختلف منطق السياسة وممارسة السلطة مع منطق ولاية الفقيه بداية من آليات الوصول إلى السلطة، مروراً بقواعد ممارستها، ونهاية بمبدأ استيعاب المشاركة في السلطة وأدبيات تنفيذها. والخلاف الواقع بين الآيات الدينية في إيران هو خلاف على من يهيمن على السلطة والمشاركة في ممارساتها، وهو خلاف حتماً يمس بطبيعة النظام السياسي لولاية الفقيه في إيران التي لا تقبل بمنطق الاستيعاب والمشاركة.

قد يقول قائل هنا إن إيران الدولة في الوقت الراهن تحتكم إلى العمل المؤسساتي وتوجيهات وقرارات من يمثلها، فممثلو السلطة، بداية من مجلس القضاء الأعلى، مروراً بمجلس الشورى، ومجلس الوصاية على الدستور، ونهاية بمؤسسة مصلحة تشخيص النظام، يمارسون مهامهم السياسية بشكل مستقل عن ارادة الولي الفقيه المرشد الأعلى للجمهورية. هذا القول وإن صح على الورق أحياناً إلا أنه لا يصح على الإطلاق إذا ما تعلق الأمر بضرورة الانصياع إلى إرادة القائد الأعلى للدولة ومرشدها الكلي علي خامئني.

وإذا ما أخذنا في الاعتبار حقيقة دور الحرس الثوري الإيراني والمؤسسات السياسية والأمنية التي تكونت حوله والأنسجة السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تشكلت بموجبها في بيئته، بمباركة المرشد الأعلى للدولة وتوجيهاته، فليس من المستغرب انصياعه الكامل لإرادة الفقيه المرشد الأعلى للدولة، ولا عجب إذن أن يلعب دورا استراتيجيا في الابقاء على الوضع السياسي الراهن في إيران على ما هو عليه ومحاربة كل من تسول له نفسه تغيير اللعبة السياسية الكبرى في ايران ناهيك عن تغيير بعض من قواعدها.

من هنا فإن العمليات الانتخابية الإيرانية على المستويين التشريعي والتنفيذي يجب أن تتقيد بقاعدة توحد اللعبة السياسية في إيران، كما ويجب أن تلتزم بالحفاظ على أهدافها العليا التي لا تقل عن ضبط إيقاع وسلوك من يمارس السلطة بحكم التبعية للمرشد الأعلى للجمهورية بغية البقاء في خط وحدة السلطة، ولا تكثر عن رفض أي تغيير يمس بوحدة السلطة ومركزيتها.

الوضع السياسي هذا شهد في الانتخابات الرئاسية الأخيرة تحدياً واضحاً ممن يرغبون المشاركة في السلطة العليا وتغيير قواعدها لتكبر دوائرها وحلقاتها عوضاً عن أن تبقى مقننة وصغيرة مقصورة على شخص واحد ومن يتبعه من دوائر حاكمة. الذي يحدث إذن في إيران أن الجديد يحاول أن يرى النور، فيما يصر القديم على حجب النور عنه، وهو صراع يؤكده التاريخ كما ويؤكد مصير كل من يحاول حجب الضوء عن عيون البشر.

www.almantiq.org
خاص «الجزيرة»



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد