Al Jazirah NewsPaper Wednesday  05/08/2009 G Issue 13460
الاربعاء 14 شعبان 1430   العدد  13460
هكذا تموت الناس!
عقل إبراهيم الباهلي

 

وصلت أسرتي من بيروت في الساعة الثالثة من فجر الجمعة الفائت وتحدثنا قليلاً وكلنا ذهب إلى سريره. على عادتي استيقظت مبكراً ولم أجد من حولي إلا جرائدي، التلفاز, ومائدة الإفطار. كنت متشوقاً أن ينهض الجميع لأعرف أحوالهم، كنت على أحر من الجمر لأعرف كيف أمضوا أيامهم في بيروت، وكانت أحاديثهم معي بشكل جماعي هي ملح حياتي. في العاشرة صباحاً نهضت ابنتي الصغرى وأقبلت للسلام وكعادتها وحنانها الطاغي احتضنتني بشغف وسألت عن أحوالي وعبرت عن أسفها لعدم مرافقتي لهم في الرحلة، بعد قليل بدأت الشكوى من أعراض أنفلونزا, حرارة، كحة, وألم في الحلق.

بدأ الوجل في البيت، الكل يطرح احتمالات، زكام عادي؟ برد؟ التهاب في الحنجرة؟ أم أنفلونزا الخنازير؟!! في الرابعة عصراً اتفقنا على أن تراجع المستشفى, أخذتها أختها إلى مستشفى الملك فيصل التخصصي خصوصاً أن أعراض مرض ال H1N1 بدأت تزيد، حينما دخلوا للطوارئ أفادوهم بأنهم لا يمكنهم تقديم شيء لأن المواطنة وبالحرف كما قدمت الإفادة (ليس لديها ملف وليست VIP) يعني ليست مهمة وأن عليها مراجعة مستشفى الشميسي (هذا اسمه القديم حيث يعرفه الناس أما اسمه الجديد فلا يحضرني). ذهبوا إلى الشميسي ودخلوا الطوارئ، فحصها الطبيب وكان في منتهى السلبية حيث قال: حالتك لا تستدعي عمل فحص مرض ال H1N1 لعدم ظهور كافة الأعراض!! اقترح بعد ذلك أن تأخذ العلاج المعتاد لنزلات البرد وإذا ساءت الحالة تعود.

خرجت من الشميسي مع أختها بعد أن شعروا باليأس وتوجهوا إلى مستشفى خاص حيث جرى فحصها هناك، بعد ذلك قالت الطبيبة المعالجة إن كل ما يمكنها فعله هو إعطاء المريضة مغذيا ليخفض الحرارة وبعض المسكنات، أما بخصوص فحص مرض ال H1N1 فنحن ممنوعون من إجرائه، فقط نرسل تقريرا بالحالة إلى وزارة الصحة وهم يتخذون الإجراءات. طلبت أختها من الطبيبة إرسال تقرير عن حالة أختها إلى وزارة الصحة فاعترضت الطبيبة قائلة بأن الوزارة طلبت أن لا يتم إرسال تقرير حتى تكون أعراض المرض كلها متوافرة، وحالة ابنتي ينقصها بعض الأعراض ولم تتدهور حالتها بعد ولذلك لا تنطبق عليها شروط وزارة الصحة لعمل التحاليل. وصفت الطبيبة خافضاً للحرارة وبعض المسكنات وانتهى الحوار مع الطبيبة بالجملة المعتادة (إذا ساءت حالتك راجعينا).

أخذت العلاج وبدأت في استخدامه مساء الجمعة. يوم السبت تمكنت من عمل فحص لها ووعدونا أنه خلال 24\48 ساعة سيصدر التقرير ويعرف ما إذا كانت مصابة أم لا، وقاموا بوصف علاج لها وقالوا إن كنت مصابة فاستمري على هذا العلاج وإن كنت سليمة فتوقفي. استلمت العلاج وعادت إلى البيت وأخذت أول جرعة، وبالمناسبة طلبوا منها التوقف عن العلاجات السابقة. بدأت حالتها تتحسن وفي مساء الأحد، يرن هاتف المنزل ليكون الطبيب الذي أجرى التحاليل يطلب التحدث إلى المريضة ليخبرها بأنها مصابة بمرض ال H1N1 وما عليها إلا أن تكون منعزلة عن بقية العائلة وتستمر في دورة العلاج لمدة خمسة أيام وستكون بخير. وأبشر الجميع وأنا أكتب هذا التقرير المسمى مقال يوم الاثنين الساعة الثانية ظهراً بأن ابنتي تجاوزت الأزمة وفي طريق الشفاء والحمد لله على نعمة الصحة.

حينما أبلغها الطبيب أنها مصابة طلب أن يقوم كل المخالطين لها بالفحص لكنه تراجع وسأل هل لهم ملفات لدينا؟ فأجابت بالنفي ليغير الطبيب رأيه ويطلب من لديه الأعراض فقط من المخالطين يعمل التحليل! أصيبت العائلة بالذعر، كيف نفحص؟ اتصلت بالرقم المجاني والخاص بوزارة الصحة والذي وضعته الوزارة خصيصاً للرد على حالات الاشتباه، وقام الرد الآلي بتوضيح كل ما يخص أنفلونزا الخنازير لتنتهي الرسالة بدون ذكر أي معلومات عن مكان عمل الفحص! بل أفادنا أن الدوام من الثامنة والنصف صباحاً حتى الثالثة والنصف عصراً فإذا أصبت عزيزي المواطن بعد الثالثة والنصف فما عليك سوى الانتظار حتى صباح الغد.

في صباح يوم الاثنين، اتصلت وأجابت المختصة بأن علي أخذ التقرير الذي يثبت حالة ابنتي إلى مستشفى الشميسي وسيقومون بعمل اللازم، مسكين هذا الشميسي!. وصلنا معلومة أن هناك مركزا للأعمال يجري الفحص وأرسلنا جميع البيانات ونحن ننتظر الموعد. اتصل مركز الأعمال بعد وصول الأوراق وأعطانا موعد اليوم الاثنين في تمام الساعة السادسة مساءً، اجتمعت العائلة وغادرنا إلى المستشفى, وصلنا في الموعد المحدد ولكن المفاجأة كانت ما أفادنا به مركز الأعمال بعد تقديم كل جمل الاعتذار والتأسف بأنهم كانوا يقدمون الفحص لكن كثرة الحالات أجبرتهم أعانهم الله على إلغائه، حتى يصبح الإنسان ما قبل الموت يمكنه مراجعة الطوارئ إن استطاع الوصول! عدنا بخفي حنين وبدأنا نتداول في السيارة أننا ولله الحمد غير مصابين وعلينا انتظار القدر.

أسأل هل يعقل ما جرى؟ من لم يصدق يستطع التواصل معي وسأثبت كل ما جرى بالوثائق.

شفاكم الله.. شفاكم الله.. شفاكم الله.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد