Al Jazirah NewsPaper Sunday  09/08/2009 G Issue 13464
الأحد 18 شعبان 1430   العدد  13464
تعليم21
تجربتي وتجربة السدحان
د. عبدالعزيز العمر

 

شدّني ما جاء في مقال أخي الأستاذ عبدالرحمن السدحان المعنون: (محطة في قطار العمر) حول تجربته المثيرة والمبكرة مع الابتعاث بعد تخرجه من الثانوية. تجربة الأستاذ عبدالرحمن أستثارت في أعماقي أجمل الذكريات المتعلقة بمحاولتي الالتحاق ببعثة إلى أمريكا بعد تخرجي من الثانوية. فقد تخرجت من الثانوية العامة في مطلع السبعينيات الميلادية ولكن بدون تفوق، فقد كانت نسبتي العامة 72% -وهي تعادل بدون مبالغة 95% هذه الأيام- هذه النسبة المتواضعة لم تمنعني بالطبع من أن أصبح لاحقاً معيداً في الجامعة.

بعد أن أنهيت بنجاح دراسة السنة الأولى الجامعية في جامعة الرياض (جامعة الملك سعود حالياً) تقدمت للالتحاق ببعثة إلى الولايات المتحدة الأمريكية في مجال هندسة الاتصالات، وكان التقديم على تلك البعثة يتم آنذاك في مقرر وزارة المعارف (وزارة التربية والتعليم حالياً). لم يكن والدي رحمه الله راغباً ولا مقتنعاً على الإطلاق بفكرة ذهابي إلى أمريكا لدراسة البكالوريوس، ربما لأنه كان يراني صغير السن وقليل التجربة، وربما لأنه استجاب لضغوط بعض أقاربي. فقد حاول مراراً إقناعي بالعدول عن قراري إلا أنني كنت مصمماً. وعندما عجز عن إقناعي بعدم السفر للدراسة استطاع أن يصل إلى مسؤول بوزارة المعارف -عن طريق أحد الأقارب- ليطلب منه أن يكتب لي خطاباً شخصياً يقنعني فيه بعدم الذهاب إلى أمريكا للدراسة وبمواصلة دراستي الجامعية في المملكة التي قطعت منها عاماً واحداً. وفعلاً كتب لي ذلك المسؤول خطاباً قال فيه: إن حملة الماجستير في المملكة قليلون جداً وإنه من الأفضل لك أن تكمل دراستك الجامعية في المملكة وتؤجل فكرة الابتعاث إلى ما بعد تخرجك من الجامعة. لم يزحزحني هذا الخطاب عن قراري (فمن يدري هل سأحصل على فرصة الابتعاث بعد تخرجي من الجامعة). سحبت ملفي من جامعة الرياض وقدمته إلي إدارة البعثات ليتم إرساله إلى الملحقية التعليمية بأمريكا. وبعد أن تم قبولي في البعثة أخبرني مسؤولو البعثات بأن عليّ أن أحصل على تأشيرة دخول أمريكا من القنصلية الأمريكية في جدة، وهو أمر لم أكن أعرفه، عندئذٍ قرر والدي أن يذهب نيابة عني إلى جدة ليحضر لي التأشيرة. وفي صباح اليوم التالي ودعت والدي وهو يستعد للذهاب إلى جدة، أما أنا فذهبت إلى وزارة المعارف راكباً (تاكسي) لمتابعة موضوع ابتعاثي. وهناك في الوزارة قابلت أحد موظفي إدارة الابتعاث فقال لي إن دراسة الهندسة في أمريكا أمر صعب وربما تطول فترة دراستك إلى ست سنوات، ومن الأفضل لك أن تنتظر ثلاث سنوات لتحصل بعدها على البكالوريوس من جامعة الرياض. ويشاء الله أن أقتنع برأي ذلك المسؤول لأخرج من مكتبه بسرعة البرق واستقل أقرب تاكسي في شارع المطار القديم وأتوجه إلى محطة باصات الحجاز (استيشن الحجاز)، حيث سوف يغادر والدي من تلك المحطة متوجهاً إلى القنصلية الأمريكية بجدة. رجوت سائق التاكسي أن ينطلق بأقصى سرعة ممكنة لعلي أصل إلى المحطة قبل أن يغادرها والدي. وعندما أقبلت على المحطة إذا بي ألمح وجه أبي داخل الباص الذي كان لحظتها يغادر المحطة، طلبت من سائق التاكسي اللحاق بالباص لإيقافه، وتوقف الباص فعلاً وصعدت إلى داخله متوجهاً إلى مقعد والدي -وسط استغراب ركاب الباص- لأخبره بأني عدلت عن السفر إلى أمريكا، عندئذ لاحظت البهجة والفرحة العارمة تكسو وجه أبي الطاهر رحمه الله، وعندما نزلنا من الباص طلب مني والدي أن ندخل المقهي المقابل لنحتسي الشاي فرحاً بهذه المناسبة السعيدة كما كان يراها. نسيت أن أقول لكم إنه في إطار استعداداتي للسفر إلى أمريكا للدراسة ذهبت إلى شارع الثميري بالرياض وقمت بتفصيل بدلتين رسميتين من قماش فاخر وكأنني كنت ذاهباً إلى أمريكا لأستلم مهامي كسفير. ونسيت أن أقول لكم إنني عندما عدلت عن السفر إلى أمريكا ورجعت إلى جامعة الرياض لكي أعاود الدراسة بها كانت جميع أصول شهاداتي قد تم بعثها إلى الملحقية الثقافية في أمريكا، لكن الأمور كانت تتم في ذلك الوقت بكل مرونة وبساطة، فقبلتني الجامعة طالباً لديها إلى حين عودة شهاداتي من أمريكا. ويشاء الله أن أصبح معيداً في الجامعة في منتصف السبعينيات الميلادية تقريباً لتبتعثني آنذاك الجامعة إلى الولايات المتحدة الأمريكية لمواصلة دراساتي العليا، ولأعود إليها بتوفيق الله أستاذاً جامعياً.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد